الروائية نسرين بلوط: الألم ينبثق من الإنسانية… فإن لم نتألم فلا نتعلّم ونترك الأقدار تعبث بنا

حاورها أسعد الحلبي

قلم يحفر ألمه بحبّ. يبحر في حبر الدهشة ولا يصل. كلّما عبر بحراً انفتحت أمامه محيطات شتى.

خفّة عبارة. رشاقة أسلوب. جلاء فكرة. عمق معنى. وعبرة مقطوفة بديباجة براعة.

الروائية اللبنانية نسرين بلوط، تخوض نسيجها الجميل روايات تتناول الأسئلة الأعمق للإنسان، معاناة ووطناً ووحدة ومصيراً.. لا يحلو لها إلا الرقص الرشيق على حافة هاوية، أو على حافة مفازة المغامرة.

وإذ تمدّ خيوطها إلى أبطالها فيحلّقون بعدما يغوصون، ويطيرون بعدما يخوضون نيران قلوبهم والجحيم.

بعد رواية «مساؤك ألم»، أصدرت ثلاثو دواوين شعرية هي «أرجوان الشاطئ»، «مهرّبة رسائلي إليك»، «رؤيا في بحر الشوق»، وتطلق اليوم من كهف الظلمة إلى نور الحبر، فتوقّع روايتها الجديدة «الخطيئة». في مسار صاعد نحو قمم وذرى جديرة بها.

هنا حوار مع الروائية بلوط أجرته معها «البناء»… هذا نصّه.

مَن نسرين بلوط؟ كيف تقدّمين نفسك لقرّاء «البناء»؟

ـ لا يمكن أن تحدّد شخصية الكاتب، هو شخصيات عدّة تذوب في خضمّ الحياة، هو الذي يذيب ولا يُذاب، هويته البحر والفضاء والنجم الذي في المحال. هو الرحّال الذي يتنقل بين أبطال رواياته أو دواوين شعره حائراً يجوب أزقّة الكون من غير أن يرفّ له جفن أو يأخذه التعب. ولا يستطيع أن يقيّم نفسه لأن القارئ هو مَن يقيّمه ويغوص معه في شعاب رحلاته. أن أقيّم نفسي يعني أن أموت فكرياً، وتقييم الذات هو العدوّ اللدود للقلم والمبشّر الحاسم بنذير الفناء.

«مساؤك ألم» روايتك الأولى، كيف يشكّل الأدب، والرواية تحديداً، مسرحاً لمعاناة؟ وإلى أيّ مدى يوثّق هذه المعاناة؟

ـ «مساؤك ألم» كانت تراجيديا اجتماعية تحصل في أيّ مكان وزمان، لا شرط أن نحدّدهما ما دام أبطالها يتكرّرون في كل مجتمع وفي أي ظروف. تراجيديا الأدب تنبثق من إطلالتنا على مكامن الضعف والقوة في الذات البشرية، وتقييمها وتحديدها، وتسطيرها بفصول الرواية. منذ قديم الزمن احتلت التراجيديا الإغريقية العروض المسرحية من قصّة وشخصيات وموضوع ومشهد مرسوم. والدراما هي فعل الإنسان وليست شخصيته، ولهذا توثق بسلاسة في الرواية من دون أيّ صعوبة.

كيف ترين إلى الألم؟ وهل يمكن تخطّيه في حياة الأرض؟

ـ الألم ينبثق من الإنسانية، إن لم نتألم فلا نتعلم، ونترك الأقدار تعبث بنا. الألم هو المحرّك الأساس لقلم الكاتب. الشاعر لوركا عندما جاب أزقّة قريته حائراً في كنه الوجود كان محرّكه الألم. والأديب جبران خليل جبران لم يقتبس فلسفته في كتابه «النبي» إلا من حيثيات الألم. نحن نرنو للألم لاإرادياً لأننا نعرف أنه العنصر اللامرئي في تحريك العمق الإنساني.

«مهرّبة كلماتي إليك». هي الرواية الثانية التي تنقل النبض والوجع، وضوء الروح. ما الرسالة المهرّبة التي أردتها؟

ـ «مهرَّبة كلماتي إليك» كان شعراً نثرياً تجوبه خواطر من الألم والحبّ والوطنية هرّبته من الظلمة إلى النور.

الشطآن مهما كان لونها، أرجوانياً أو فيروزياً أو رملياً، هي مكان رسو أو إبحار، أين أنت الآن في جلجلة حرفك؟

ـ الحروف لا ترسو على الشطآن، هي تجوب البحار وتتقلب مع أمواجها، وترغو مع زبدها… اللغة بحر لا نهاية له. كلّما غرفنا منه فاجأنا بأسراره الجديدة.

كيف تكتبين نصّك؟ أم هو يستكتبك من العبارة الأولى؟

ـ لا أخطّط لكتابة نصّي. ربما صغت الفكرة الأولى، ولكن الكلمات تتدفّق وحدها، يحرّكها أبطال الرواية أو صاحب العلاقة ولست أنا. هم من يتعلّقون بالنصّ ويُبحرون ويسبرون الآفاق ويتألّمون وينزفون، ولا يتركون لي إلا الوجع الغيريّ، الذي أحسسته وأنا أنساب مع شلال مشاكلهم وأحلامهم.

ما العبرة من نسرين الحبيبة؟ من نسرين الزوجة؟ من نسرين الأمّ؟

ـ نسرين الحبيبة دائماً متألمة لم تجد مَن يقرأ ذاتها وربما لن تعثر عليه. أما نسرين الأمّ فهي شخصية غير شخصية الكاتبة، تحمل هموماً أخرى وحبّاً آخر لا يرقى إليه أحد.

اليوم الخميس 17 آب، توقّعين «الخطيئة». ما الخطيئة برأيك؟ مع العلم أن كل أخلاق هي نسبية. وما هو فضيلة هنا قد يكون رذيلة هناك؟

ـ نعم صحيح، اليوم أوقّع آخر ما كتبت ولكن ليس آخر ما أكتب. الكتابة نهر متدفّق بخريره وعصافيره التي تنام على غصن أشجاره من دون أن تنسى أن تغرّد في فجر اليوم التالي. روايتي «الخطيئة» هي خطيئة انبثقت منذ القرون الأولى، خطيئة الإنسانية والتفرقة والطائفية لا فقط خطيئة الجسد. الراهبة «ميرا» هي بطلة روايتي في زمن احتلّ العثمانيون وطننا وجابهونا بأسلحة الحقد الإنساني. والخطيئة دائماً تجد الفضيلة التي تتصدّى لها. طانيوس شاهين كان البطل والمحرّك لأحداث الرواية. السرد في الرواية لم يُتعبني بل انسقت فيه بسلاسة وخفّة، أما الأبطال فأتعبوني بنوازعهم البشرية وتقلباتهم ومزاجيتهم. وكما قال أرسطو فإن غاية الحياة ليست كيفية الوجود بل كيفية الفعل.

كانت لك لقاءاتك مع أدباء عرب وتمّ تكريمك في الجزائر وشاركتِ في المغرب وتونس. ما هي الروابط بين أدب المشرق وأدب المغرب؟

ـ الرابط بين جميع البلدان في الأدب قد يتشابه من حيث المعاناة الإنسانية، سواء في المشرق أو المغرب، ولكن طبيعة البيئة تختلف. من خلال زياراتي بعض الدول العربية أيقنتُ أن الخير والشرّ هما الرابط في الكتابة.

أيّ إضاءة ترغبين بإضافتها؟

ـ فقط أريد أن أوجّه تحية إلى القلم الذي جعلني أكتب الخطيئة.

أيّ مسك للختام من نسرين بلوط؟

ـ أوجّه تحية قلبية إلى القرّاء وأدعوهم للمشاركة معي في توقيع روايتي «الخطيئة»، إلى جانب زميلتي الشاعرة ناريمان علوش التي ستوقّع ديوانها الشعري «نصف ضائع»، وقد صدرا من «دار ناريمان للطباعة والنشر والتوزيع»، والخطايا قد تُدفن إلى الأبد إن نحن أردنا ذلك لنبدأ حياة جديدة لا يسودها إلا الضمير الناصع.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى