الكاتبة ناهد فرّان: أيّ تقييد لتدفّق المشاعر والأفكار يُفقد القصيدة جدواها وقوّتها

رنا صادق

يستوحش الأديب ظلمات الصفحات الفارغة على أطراف الأوراق، بلا صوتٍ وحنين، أو حتى أمل. تتساءلون ما شأن الأمل في الكتابة؟ تقول، الكلمة بالنسبة إلى الشاعر مفتاح الأمل بين أنياب الواقع. عنوان الشغف بسط من أحرف كلماتها وحلّق شعورها كسجادة علاء الدين في طلقات قلوب القراء، وتلامس روحها كفانوسه الذهبي في الليالي المضنية، أما جرأتها فتمثلّت بخفة ياسمينه القوية.

نجحت في مجالات كثيرة. امرأة متعدّدة المواهب، أثبتت مرات عدّة قدرة النساء في المشاركة بالكلمة الفصل في المجتمع، لا بل توجيهه نحو الأفضل، عبر القيادة النسوية.

هي الشاعرة والأديبة ناهد فرّان، ابنة الجنوب ـ صور، وحفيدة أليسار.

يتميز كلّ كاتب عن سواه في قدرة الإحساس بغيره، وتقمّص الحالة التي يمرّ كلّ منهم بها، وترجمتها على الأورق. وأحياناً يتمكن الأديب الذكيّ من تخيّل حالة جديدة في وضع آخر وخلق أحداثه من فكره، ويعبّر عنها بأسلوبه الشعري الخاص.

«البناء» التقت الشاعرة والكاتبة ناهد فرّان، وكان هذا الحوار.

الأديب مرآة لمجتمعه، لذا عليه أن يكتب ليعبّر عنه مع رؤية منفتحة نحو المستقبل، في ظلّ التطوّر الراهن ورغم كل ما يقال عن انعدام الثقافة لدى الجيل الجديد، ثمة جيل زاده التطوّر في إمكانيات علمية ومعرفية كبيرة، لديه قدرة على التواصل والانفتاح على الآخر. كما زاده التطور رغبة في التعرّف إلى الثقافات المختلفة من خلال الأدب. إذ برهن اهتمام هذا الجيل من خلال تهافته على معارض الكتب في العالم العربي، خصوصاً على الروايات. من هنا ترى فرّان أن الرواية أكثر من نصّ أدبيّ ممتع، بل هي الوسيلة المتاحة أمام الأديب من خلال تفاعله الوجداني الذي ينفجر بداخله للتعبير عن فكره، وللإضاءة على مشاكل مجتمعه علناً، والتأثير بشرائحه، وهو سبيل للنهوض من الأزمات. هي رسالة بأسلوب فنّي بعيداً عن التوجيه والإرشاد المباشر.

بالانتقال إلى الشعر، تتمتّع قصائد فرّان بخاصية منفردة تختلف من قارئ إلى آخر، ومن ناقد إلى آخر. وأثناء الكتابة لا تتعمّد السير باتجاه معيّن أو شكل محدّد، تكتب من دون وعي، أو التفات إلى اتجاهات القصيدة التي يمكن أن تتّخذها، لأن ـ بحسب رأيها ـ أيّ تقييد لتدفّق المشاعر والأفكار يُفقد القصيدة جدواها وقوتها، فالقصيدة لحظوية آنية. والشعر رصد لمشاعر مختلفة لموقف محدّد في لحظة ما، هو ردّ فعل جدير بالذكر والتخلّي، عبارة عن فعل تحوّل إلى شعر مصطنع أعيد إحياؤه.

وتقول فرّان: المرأة إنسان له فكره ودوره في بناء المجتمع السليم وتطوّره، لم تعد الأنثى اليوم هي التي تغنّى بها الشعراء وكتب الأدباء عن غنجها وجمالها. أي أنّها لم تعد موضوعاً أو سلعة، هي اليوم ذات حضور متكافئ مع الرجل في مجالات العلم والأدب. والجانب الحسّاس، إن أردنا تعريفه، فهو الجانب العاطفي لديها، ليس ضعفاً بل سموّاً ورقياً إنسانياً نحتاجه لنكتب ونعبّر عن نبض القلوب.

ولدى سؤالها عن أين تبرز قوة الشاعر وسط التكرار الذي يكتسح أعمال الشعراء، أجابت: التكرار في الشعر هو الاستدامة في تسليط الضوء على حالة قائمة، لأن الوجدان لا يصعد على سلّم بدرجات في مجتمعه. فالشاعر لا يكرّر نفسه، إنما الأزمة الاجتماعية هي التي تتكرّر. يراها كلّ شاعر من منظوره الخاص ويضيف لمسته، وتبرز قوته حين تصل رسالته إلى القارئ بعفوية من دون مبالغات كثيرة تنخر مصداقيته. بيئة المجتمع تفرض كلمة الحقيقة والكتابة القريبة من الواقع.

العفوية، أجمل خصائص أبيات شعر فرّان الذي يترجم من خلال الشعر النثري. تبتعد عن افتعال الجرأة في ما تكتبه، ولا حتى تحاول فرض صورة الحزن أو الفرح على أيّ من قصائدها، لأن أيّ تصوّر مسبق للنصّ الشعري هو قيد. فالشعر بالنسبة إليها عبارة عن لحظة مشاعر تحتاج إلى من يرسمها بالحروف باندفاع ومن دون وعي أو قيود.

أما عن البدايات، فتقول: لم أكتب منذ الصغر، فقد اكتشفت موهبتي في الكتابة على كبر، وتحديد الوقت الذي بدأت به الكتابة صعب. إلا أنني أكتب منذ كنت على مقاعد الدراسة. وعدد من قصائد تلك الفترة تضمّنها كتابي الأول «من وحي النساء». ما زلت أذكر حى الآن أولى كتاباتي، التي حملت عنوان قصيدة «الاسفنكس» في عقلي قبل تدوينها، وخطرت لي حين كنت بصدد قراءة مسرحية «أوديب ملكاً» للأديب اليوناني سوفوكليس ترجمة طه حسين ، حينها كنت في السابعة عشر من عمري.

رواية «زوايا النسيان» ليست مجرّد قصة حبّ، بل هي بالنسبة إلى صاحبتها رصدٌ للمجتمع اللبناني بعد الحرب الأهلية، وانعكاسات هذه الحرب عليه وما أنتجته من تناقضات وصراعات ومشاكل، حاولت الإضاءة عليها عبر تصوير حياة أسرة لبنانية عاشت في مدينة صور، وترجمت مضامين رسائلها من خلال هذه الرواية.

لم تكن كتابات الشاعر والأيب السوري محمد الماغوط تفارق فرّان على الدوام لما لأسلوبه من خاصية متميزة تشدّ فرّان، كما أنها تأثرت ببدر شاكر السيّاب ومحمود درويش وغادة السمان ونازك الملائكة ونزار قباني.

لا فرق بين كاتب وكاتبة أو أديب وأديبة بالنسبة إلى فرّان، وهذه التفرقة غير جائزة نسبياً، فـ«كلانا إنسان وكلانا نعبّر بالكلمة عن المشاعر الإنسانية في قوّتها وفي لحظات ضعفها في عنفوانها وفي انكسارها في جرحها وفي سعادتها. فالشعر مرآة الإنسان يظهر صفاء نفسه وانتماء روحه إلى هذا العالم».

وتقول: لا أنكر أنني أكتب عن المرأة بشكل خاص. ليس تحيّزاً لها كأنثى، بل لأنها الكائن الضعيف في مجتمعنا. وأناضل معها بالكلمة لأنّ المشاعر تحتاج إلى من يعبّر عنها بجرأة، والألم في أحيان كثيرة يصبح أخفّ وطأة عندما نعبّر عنه بدلاً من كتمانه. وأحارب معها للاعتراف بها كإنسان مساوٍ في الخلق للرجل كشريك له، لا نداً أو منافساً.

وتختم فرّان: صفحة «من وحي النساء» على «فايسبوك» كانت السبب المباشر لإصدار كتاب حمل الإسم ذاته «من وحي النساء»، وذلك نتيجة للدعم الذي تلقيته من قرّاء الصفحة ومن عائلتي والمحيطين بي. وكتاب «قبل الرحيل» كان تكملة للمسيرة التي بدأتها وهي حمل لواء المرأة والتعبير عن مشاعرها وهواجسها، وعن أحلامها وطموحاتها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى