إنهاء «داعش» أولويّة عالميّة قصوى

رنا صادق

إيديولوجيّة «تنظيم داعش» الفكريّة تقوده رويداً رويداً إلى الهلاك، فعموده الفقري في جرود القاع، رأس بعلبك والفاكهة هشٌّ عسكريّاً ومعنويّاً. التنظيم يتربّع وسط بقعة محاصرة عسكريّاً وميدانيّاً وجويّاً، يتربّص له خصمٌ شرس يرفض الانكسار، مصمّم على تطهير جرود السلسلة الشرقيّة اللبنانيّة الحدودية من الإرهاب، في حين أنّ «داعش» يتنهّد و«العدّاد بيحسب»، يرضخ للموت سبيلاً كانتحار اليائس، لا خيارات أمامه واردة ولا مفاوضات جائزة، مواجهته للقوى الثلاثيّة، الجيش اللبناني والسوري والمقاومة ضرب هذيان.

في تفاصيل الأحداث الأخيرة، لا بُدّ من طرح عدّة مسائل بعناوين عريضة أوّلاً ما هي آفاق هذه المعركة بالنسبة للجيش والمقاومة؟ لماذا قد يدخل التنظيم معركة هو الخاسر فيها حتماً، خصوصاً أنّه محاصر من جميع الجهات وسيقاتل ثلاثة محاور عسكرية؟ وما مردود هذه المعركة على لبنان؟

آفاق معركة الجرود المتبقّية من السلسلة الشرقيّة هي استكمال لتنظيف هذه المنطقة من الإرهاب، وتأتي استتباعاً كي تُضاف إلى عمليات التطهير. والنجاح العسكري في منطقة جرود عرسال أعطى أفضليّة للتنسيق بين الجيش والمقاومة في حسم المعركة المقبلة، الأمر الذي يثبت أنّ الثالوث المقاوم ضروريّ في هذه الآونة.

أمّا بالعودة لتبجّح «داعش» في خوض معركة، فمفاده أنّ القتال خياره الوحيد، في حين أصبحت التسويات من أجل فتح قنوات اتصال متعذّرة أمامه، كما أنّه مُحاط عسكرياً ومطوّق بإحكام الجيش اللبناني والسوري، ويُمنع وصول إمدادات إليه، وهذا الحصار مقدّمة لاقتحام مواقعه. بينما ينقسم سبب إصراره للقتال، إلى شقّين أساسيّين:

1 – الشقّ الأول يتعلّق بمفاهيم القتال لدى التنظيم، في رفض الانسحاب الطوعي إلّا ضمن خطة استراتيجية، أو مناورة قتالية. وهذا المفهوم بعيد حالياً لدى «داعش»، خصوصاً بعدم وجود قرار حتى الآن من قيادتهم يقضي بانتقال هؤلاء إلى الداخل السوريّ.

2 – الشقّ الثاني، يندرج ضمن تركيبة هذا التنظيم البشريّة. إذ إنّ 60 من عناصره أجانب لا سوريّين، أي لا سبيل لعودتهم إلى حياة مدنيّة في الداخل السوري، كما أنّ دير الزور والبادية والرقّة مناطق سيطرة التنظيم تتّجه نحو الحسم.

لقد باتَ واضحاً ثبات المشاركة العسكريّة والتعاون بين الجيش والمقاومة، لا بل يأخذ هذا التنسيق مفهوماً أوسع، وباتَ من الثوابت الوطنيّة التي تقوم على أساس حرص حزب الله واقتناعه بأهميّة التنسيق مع استخبارات الجيش، كما أنّ الجيش يعرف جيداً أنّ المقاومة كما كانت دوماً مساندة أساسيّة في أيّ دعم استراتيجيّ عسكريّ ميدانيّ استخبارتيّ مع الجيش ضدّ أيّ تنظيم إرهابي أو ضدّ أيّ إعداد عدوانيّ يهدّد أمن واستقرار لبنان، فهي اليوم على استعداد لوضع جميع إمكانيّاتها بيد الجيش. كما أصبح صريحاً إدراك الجيش أنّ التنسيق مع حزب الله والجيش السوريّ ضروريّ لأسباب عديدة، أهمّها أنّ لدى المقاومة والجيش السوري خبرة في قتال ومواجهة هذه التنظيمات الإرهابيّة.

أمّا ارتدادات المعركة على لبنان فستكون مريحة، خصوصاً أنّه سيسجّل للبنان أنّه أول دولة عربية انتصرت على الإرهاب سريعاً، الأمر الذي سيعزّز مناخات البيئة الأمنيّة، ويعطي نوعاً من الاطمئنان الداخلي، وتكون بذلك آخر رقعة قريبة من الحدود اللبنانيّة السوريّة طُهّرت من الإرهاب تماماً!

بذلك يكون لبنان قد اجتاز مرحلة أمنيّة صعبة، وطوى معها زمن التفجيرات وأزاح شبح الإرهاب عن مناطقه، فمع بزوغ العام 2018 لن يبقى أيّ وجود لـ«داعش»، كما أنّه واجه منظومة دوليّة متمثّلة بـ«داعش»، سعت طويلاً إلى زعزعة أمنه واستقراره. انتهاء «داعش» في الجرود سيخلص إلى نتيجة يستعيد بها الجيش السيطرة عسكريّاً وأمنيّاً في منطقة الجرود، بعد أن بقي حوالى ثلاث سنوات على حدود النار مع الإرهاب. كما أنّ هذه المعركة ستُنهي زمن تهديدات قيادات 14 آذار في مطالبة تنفيذ القرار 1701، الذي يقضي بنشر قوّات خاصة دوليّة على الحدود مع سورية.

مقوّمات نجاح العمليّات في الجرود ستنكشف وتثبت مفاعيلها، وتدحض بعض التصريحات الإعلاميّة والمواقف السياسيّة التي تماشت وهواها الإقليميّ وقرارها «المعلّق» خليجيّاً من موقفها من معركة جرود عرسال ضدّ «جبهة النصرة»، الأمر الذي أحبط عزيمتها، وسلك طريقاً معاكساً لها ولمحورها على الصعيد الاستراتيجيّ الخارجيّ والشأن السياسيّ الداخليّ.

وفي سلسلة الإرهاب المنتشرة، لا ينفكّ تنظيم «داعش» يضرب مناطق مختلفة من العالم، ويهدّد الأمن والاستقرار، لا يفرّق بين دين ولون، بل يوجّه إرهابه صوب العالم أجمع. فبعد الهجوم الإرهابيّ على أحد المطاعم في العاصمة واغادوغو في بوركينا فاسو منذ عدّة أيام، الذي قُتل فيه 18 شخصاً، 3 منهم لبنانيّون، استيقظ العالم منذ يومين على هجوم إرهابيّ استهدف مارّة في شارع «لا رامبلا» السياحي برشلونة، أدّى إلى قتل 13 شخصاً وعشرات الجرحى، بحسب السلطات الإقليميّة.

إذن، لبنان شريك عالمي في محاربة الإرهاب، ما يجعل الاتهامات التي توجّه لحزب الله والنظام السوريّ باطلة، وبهذه الهجومات الإرهابيّة لا بدّ من الإجماع الدولي على أنّ «داعش» تهديد لكلّ عواصم العالم، باتَ واقعاً تجب معالجته. لذا، ما هي أفضل أساليب التصدّي لهذه الهجمات الإرهابيّة؟ ألَم يحن الوقت بعد لاقتلاع جذور التشدّد والوهابيّة من العالم؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى