لماذا لا تجابه المؤسسات الدينية الإسلامية الإرهاب فعلياً؟

د. وفيق إبراهيم

تثير العمليات الإرهابية «الإسلاموية» التي تقتل المدنيين في الغرب والشرق ذعر مليارات البشر، وتتسبّب بتعميم شعور عميق بكره المسلمين والإسلام معاً، لسوء تفسير العلاقة المتناقضة بين عدالة الدين وتسييسه.

لكنّ المدنيّين في أوروبا وأميركا ليسوا مضطرين لتحقيق قراءاتٍ عميقة في أهداف الإسلام، ولأنّهم يرون نتائجه على مستوى انتشار وباء عالميّ يقتل المئات منهم بالسحل والتفجير والحرق، فقد بدأ يتكوّن عندهم شعور بضرورة استئصال مواقع الخطر التي تشكّل عشرات ملايين المسلمين المنتشرين في أوروبا وأميركا وأستراليا، وبعضهم من أهل البلاد. لكنّ هناك قسماً وافداً إليها لطلب العمل بعدما ضاقت عليه سُبل العيش في بلاده… هؤلاء مهدّدون اليوم من قبِل العنصرية البيضاء في معاشهم وحياتهم، والقسم الأكبر منهم تحت رحمة الطرد من العمل… فما العمل؟!

وهل تكفي استنكارات الدول العربية والإسلامية لامتصاص الغضب العالمي؟ ولماذا تقتصر بيانات المؤسسات الدينية الإسلامية على مجرد إدانات سطحية للمجرمين، وكفى الله هذه المؤسسات شرور التوغّل عميقاً… ولأسباب عميقة، كما يبدو!

لذلك، فإنّ شعار كيف نحمي أبناءنا العاملين في الغرب، يجب أن يحتلّ مركزاً أساسياً في عقول الباحثين، لأنّه يؤدي إلى الكشف عن متاهات وقع المسلمون فيها، كما يفسّر أسباب المداخلات السطحيّة للمؤسسات الإسلامية في مقاربة «مسألة الكفاح ضدّ الإرهاب». وبعيداً من تكرار النشوء التاريخي للإرهاب الذي يقوم على تفسير النصوص «حرفياً» من رحلة الخوارج إلى المراحل المملوكية والعثمانية وصولاً إلى الحركة الوهابية والقاعدة… وبدء الاستثمار في الإرهاب بواسطة المخابرات السعودية والأميركية…. وصولاً إلى نشر السعودية الفكر الوهابي بالدعم المادي المكثّف ومئات المراكز الدينية في المشرق والمغرب مع آلاف الدّعاة المتطرّفين.

إنّه إذن التقاء النفط بالإرهاب والسياسة الأميركية بواسطة الأدوات السعودية، الذي أسّس جذوراً عميقة في مختلف المؤسسات الإسلامية التاريخية كالأزهر والزيتونة ومساجد المدينة ومكّة واليمن والصومال وسورية والعراق وباكستان وأفغانستان… ومئات الأمكنة الأخرى. كما جذب معظم الأنظمة في العالمَيْن العربي والإسلامي.. إنّه النفط السحري المتموضع على كوفية وعقال وعباءة… ينثر ذهبه خدمة للأميركيين فقط مقابل حماية الملكيات الدهرية.

هذه هي المعادلة التي حوّلت انتصار المقاومة على الاحتلال الأميركي في العراق إلى منظّمات إرهابية إسلامويّة لها وظيفتان إسقاط المقاومة في العراق في فخّ التطرّف والمذهبيّة… وهذا ما حصل، ومنع الفكر المقاوم من التقدّم نحو الخليج… وهذا ما يحصل أيضاً.

أمّا النتيجة فتمثّلت بدعم سعودي تركي لمنظمات إرهابيّة تطوّرت في كنف الإخوان والقاعدة الوهابية برعاية أميركيّة تمكّنت من إرغام أكثر من ستين دولة عربية وأجنبية على تأييد حركة إرهاب بوجهين: إرهابية تكفيرية داخل البلدان المأزومة، وانتشرت على قاعدة القتل والسبي والحرق والسحل بإشراف مشغّليها الإقليميين والمحليّين، وبرعاية من الأقمار الاصطناعية الأميركية التي ترعى العمليات التكفيرية إلى جانب الإعلام الغربي الذي كان يعرض أفلام الذبح والقتل على الشاشات، مشكّلاً رأياً عامّاً معادياً للإسلام والمسلمين، ومحمّلاً مسؤولية نشوء الإرهاب إلى بعض الدول الوطنية، ملقياً ستاراً من السرّية على أدوار حلفائه العرب والأتراك في إنشاء الإرهاب ورعايته وحمايته لتلبية الحاجات الأميركية إلى تفتيت «الشرق الأوسط»، والعودة إلى نظريات ريتشارد بيرل ضرورية، لأنّها كانت تركّز على تدمير البنى السياسية العربية والإسلامية، وذلك في محاضرات في وزارة الدفاع الأميركية قبل عشر سنوات.

وهنا تنكشف المسؤولية الحصريّة للغرب والخليج وتركيا في تأسيس الإرهاب ورعايته ونشره في معظم بلدان العالم العربي والإسلامي والأفريقي، وليس للمسلمين أيّ دور لهم في هذه اللعبة الدولية. أمّا مسلمو المغتربات فهم ضحايا لدولهم أوّلاً، التي ضيّقت عليهم فرص العمل بين أهلهم في ربوعهم، وهم أيضاً ضحايا للفكر الاقتصادي الغربي الذي سهّل لهم سُبل الهجرة عندما كانت الاقتصادات الغربية والأميركية والأسترالية بحاجة إليهم في الأعمال الثانويّة التي لا يقبل بها أبناؤها.

وبسبب التراجع الاقتصادي في العالم الغربي، فإنّ «الأجانب» العاملين هم دائماً طليعة الاستهدافات من قِبل «الطبقات البيضاء الفقيرة». وهم المستهدفون دائماً بردود فعل التيارات العنصرية التي عبّرت عن نفسها في أميركا بانتخاب الرئيس ترامب الممثّل العميق لمنظّمات كوكلاس كلان الإرهابية في أميركا.

هناك أسباب إضافية تضيف الكثير على الأسباب الاقتصادية، يحتلّ الإرهاب الذي يضرب في الغرب طليعتها. ونجاح الغرب في الربط التلفزيوني والثقافي بين الإرهاب والإسلام عامل أساسي وعميق، ويستعيد تاريخاً من العلاقات الاحترابية بين الإسلام وأوروبا. فعمليّة برشلونة الإرهابية جعلت الإسبان يتذكّرون 400 سنة من السيطرة العربيّة الإسلامية عليها، وجعلت أهالي فيينا يستذكرون حصار العثمانيين لمدينتهم ووصول العرب إلى مدينة بواتييه الفرنسية، وربطوا بين التخلّف المريع للدول العربية على المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية وبين الإسلام، استناداً إلى الإعلام الغربي المروّج لهذه المعادلة.

وإذا كان المسلمون العاديّون هم ضحايا الإرهاب داخل بلدانهم، والمسلمون المغتربون هم مستهدَفون من «العنصرية البيضاء» وأنظمتها حيث يعملون… فمن يدافع عنهم؟

فدول الخليج ترعى الإرهاب خارج بلدانها، وتعامل مواطنيها على أساس أنّهم رعايا من الدرجة العاشرة وما دون، وتقتلهم وتسجنهم وتكرّم منهم أصحاب السمع والطاعة. أمّا دول الغرب فتفضّل دول النفط عليهم؟

فمن يتبقّى؟ كان الأمل معقوداً على المؤسسات الدينية الإسلامية، وفي طليعتها الأزهر الشريف، بأن تدافع عن الإسلام كعقيدة، والمسلمين كمطبّقين فعلياً للإيمان واحترام الأديان.

إنّ ما يؤسف له، أنّ هذه المؤسسات استكانت لثلاثة أنواع من العلاقات: بأنظمتها السياسية المرتبطة بالأميركيين أو الخليجيين أو الاثنين معاً، ثانياً نشوء تيارات وهابية في داخلها مؤيّدة للإرهاب كحال الأزهر، وذلك بسبب المكرمات النفطية التي تفوح رائحتها من بعض العباءات والعمائم. ثالثاً رواج الفكر الطائفي المروّج لضرورة تفضيل الإرهابي السنّي على الشيعي، حتى ولو كان معتدلاً.

ويتمركز السؤال هنا حول رفض المراكز الدينية الإسلامية الدفاع عن المسلمين المهاجرين، ومعظمهم من أهل السنّة. الأمر الذي يكشف عن سيطرة التيارات الوهابية على هذه المؤسسات.

لكن الفرصة لم تنته… العمليات الإرهابية الأخيرة في إسبانيا وروسيا وأميركا، إضافة إلى تقلّص الإرهاب في سورية والعراق.. تشجّع على دعوة المؤسسات الدينية في مصر الأزهر والنجف والزيتونة والقيروان وإيران وباكستان وتركيا وسورية والعراق إلى مؤتمر إسلامي كبير يُعيد تركيز النهج الإسلامي على سكّة العدالة الدولية واحترام الآخر ومعتقداته… وسحب الصفة الإسلامية من الإرهاب وإعادته إلى مؤسّسيه ورعاته في الغرب والخليج.

هذا هو الحلّ الوحيد الذي يحمي الإسلام كأيديولوجية إنسانية تعبد إلهاً واحداً مع الآخرين، وتقي المسلمين في مختلف أصقاع الأرض شرور الإرهاب وداعميه ومشغّليه.

فمن هو هذا البطل الإسلامي الجديد الذي يُعيد الاعتبار إلى الإنسان، ولا يعتبره وسيلة في خدمة الطغاة المحليّين والأجانب؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى