عون يزداد شعبية وقوة…

هتاف دهام

في مقابلةٍ مع صحيفة الحياة عام 1994 قال العماد ميشال عون إنّ الأصوليين سيحكمون بلاداً عربية وسوف يفشلون. وعام 1995 في كتابٍ شهيرٍ وجّهه إلى حكّام العالم من أجل العالم، قال الجنرال إننا على مشارف القرن الحادي والعشرين شهدنا أحداثاً إرهابية في البوسنة والجزائر وباريس. وهي أخطر من الحروب العاديّة وحتى النوويّة. وقال إنّه إرهابٌ عنفيٌ عدميٌ ظلامي وعابرٌ للحدود.

في 17 أيلول من العام 2001، أي بعد أقلّ من أسبوع على أحداث أيلول في الولايات المتحدة الأميركية، قال إنّ المفهوم الأميركي للإرهاب يتعارض والمقاومة، واستشرف حرباً عالميةً ثالثة هي إرهابيةٌ بامتياز.

في 3 آب من العام 2012، أكد العماد عون في حديثٍ إعلامي أنه إذا اقترب النظام السوري من السقوط، فستندلع حينئذٍ الحرب الحقيقية. قيل له مَن؟! قال الروس والصّين. إنذارٌ أول من الشرق للغرب وقد تكلّم عن نظامٍ عالمي جديد.

يؤكد رئيس الجمهورية أنه أول من تنبّأ استشرافياً بخطر الإرهاب على المنطقة. يردّد دائماً بافتخار واعتزاز أمام زواره أنه كانت لديه منذ نحو عشرين عاماً قراءة استراتيجية رؤيوية شخّص فيها معالم هذا الخطرعلى المشرق وحذّر منه باكراً.

رفع الرئيس عون شعار المشرقية. فهو أدرك أنّ إرادة اجتثاث المسيحيين من هذا الشرق عبر مؤامرة يمثّل الإرهاب أداتها الأساسية، تحتاج إلى مواجهة بالموقف والانخراط والرؤية. لذلك شكّل شعار الحرب الاستباقية على الإرهاب أحد العناوين المفصلية في خطاب القسم.

عمل الرئيس عون منذ اللحظة الأولى لدخوله قصر بعبدا على تجذير شعار الحرب الاستباقية ، وربطه عملانياً بالواقع. كان اختياره لقائد الجيش جوزف عون قائد اللواء التاسع في الجيش، الذي تمّ وصفه بقائد جبهة عرسال، جزءاً من هذه الرؤية المفاهيمية، كحال إيمانه بقائد فوج المغاوير العميد المتقاعد شامل روكز الذي قاتل في عرسال وفي عبرا.

منذ دخوله إلى بعبدا حقق الرئيس عون مع العميد كميل ضاهر بالذات كمدير مخابرات إنجازات تتصل بتوقيف رؤوس داعشية في عرسال، كذلك الحال مع المدير السابق للمخابرات العميد ادمون فاضل لا سيّما أنّ تلك المرحلة كانت بداية الفعل الميداني لنظرية الحرب الاستباقية على الإرهاب.

تأتي معركة الجرود في رأس بعلبك والقاع في صلب الرؤية العونية العقيدية الانتمائية المشرقية التي تتكامل مع رؤية المقاومة وانخراطها في الحرب السورية. فالمقاومة انخرطت على القاعدة الاستباقية نفسها التي يؤمن بها الرئيس العماد، رغم أنّ السياسة فرضت بعض المراعاة بالشكل نتيجة موقع الرئيس الذي لم يُغيّر في أصل قناعاته. فهو أثبت أنه متكامل مع المقاومة. لم يغيّر خطابه من حزب الله. فمواقفه الداعمة للمقاومة أبعدته عن واشنطن. ولم يغيّر قيد أنملة.

سبق للرئيس العماد أن حذّر من تحوّل مخيمات النزوح معسكرات. وأعلن أنّ داعش في طريقه إلى الانتهاء. وأبدى تخوّفاً من أن يكون لبنان أحد ملاذاته. فهو أعلن في خطاب الأول من آب أنّ إنجازاً تحقّق في جرود عرسال، وأنّ الجيش يستعدّ لاستكمال هذا الإنجاز. هذا ما حصل. فاندفاعة الجيش الخاطفة في جرود رأس بعلبك والقاع وبروز العماد جوزف عون كقائد مؤثر يطبع الواقع بدمغته القيادية، وتفقد الرئيس غرفة العمليات مع إعلان فجر الجرود… كلّ ذلك يؤكد أنّ رئيس الجمهورية يمثل رأس الحربة مع المقاومة باجتثاث الإرهاب من الواقع اللبناني.

يزداد رئيس الجمهورية شعبية وقوة. فالدولة القوية بالنسبة له لا تتحقق من دون سيادة ومن دون تحرير الأرض من العدو.

لم يقم رئيس الجمهورية بزيارة بروتوكولية للجرحى. تفقده إياهم كان جزءاً من البعد الحسّي العميق التفاعلي بشخصيته. شخصية القائد الإنسان والرئيس. هذه السمة تلازمه بغضّ النظر عن المنصب الذي يتبوؤه. مدّ الرئيس عون الجيش بالمعنويات. فهو خبر الجيش. فعناصره وضباطه يعنون له الكثير، وهو يعني لهم الكثير. لقد أبكت زيارته الجرحى العسكريين عيوناً اعتقد البعض أنها أصبحت في خبر كان، أو باتت بعيدة عن كلّ إحساس وطني. أبكت أمهات وسيدات ظنّ البعض أنهنّ هجرن السياسة وقرفها، وأهل السياسة والحكم والفساد. لقد بكوا عندما رأوا الرئيس عون وقد بلغ به العمر 83 عاماً يمدّ من عافيته وبمعنوياته هؤلاء الجرحى.

وعليه فإنّ الرئيس الذي يواكب لحظة بلحظة معركة جرود رأس بعلبك والقاع… لم يترك مجالاً اجتماعياً رياضياً اقتصادياً إنسانياً يعتب عليه. فعلى سبيل المثال لا الحصر حضر إلى ملعب نهاد نوفل الرياضي لدعم المنتخب اللبناني بكرة السلة. قام بجولة تفقدية للسدود المائية. كلّ ذلك دفع أحد الوزراء إلى القول إننا في مجلس الوزراء مقصّرون. لا نستطيع مواكبته ونلهث وراء إنجازاته.

كلّ ذلك لا يغفل مواقفه الوطنية التي تعزّزت باستخدام المادة 59 من الدستور لتفادي الاصطدام المحتّم بين اللبنانيين. لقد أعطى هذا الرئيس وزناً للرئاسة. كرّس مفهوم الرئيس القوي. أعطى وزناً لبناء الدولة ووزناً للجيش والأجهزة الأمنية تنسيقياً واستباقياً على ما قال في خطاب القسم في التصدّي للإرهابي. أعطى وزناً لمفهوم السلطة، وللطائف بأن أخذ كلّ الصلاحيات التي منحها الدستور له بدءاً من المادة 59 وصولاً إلى دور الحكم الذي مارسه مع الهيئات الاقتصادية والعمالية وموظفي القطاع العام. رضي بحكومة كي يذهب الى استقرار سياسي في وقت لم تكن هذه الحكومة أداة حكمه المفضلة. اعتمد ويعتمد أسلوب تدوير زوايا مع رئيس السلطة الإجرائية ليعيد لمجلس الوزراء وهجه وسلطته.

يؤكد رئيس الجمهورية أمام زواره أننا أمام حقبة إنجازات حقيقية، لكن إنجاز مشروع بناء الدولة لن يستقرّ إلا بعد إجراء الانتخابات النيابية وتأليف حكومة تعبّر عن الارادة الشعبية التي هي مصدر كلّ سلطة.

إنّ حكمة الرئيس عون التوافقية المتمثلة بمخاطبة الأضداد وجمعه الآراء على طاولة مجلس الوزراء يتطلّب من الجميع، وفق مصادر وزارية، أن يلاقوه إلى منتصف الطريق. فمعركة الرئاسة انتهت. وبدأت معركة بناء الدولة. لا يجوز وضع العراقيل. لقد اعتاد رئيس الجمهورية أن يدعو مجلس الوزراء إلى جلسة الأربعاء. هذا الواقع يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار فمن غير المستحبّ أن تنسحب مواعيد السلطة التشريعية على مواعيد السلطة الإجرائية المعروفة، تؤكد المصادر نفسها.

الرئيس عون يمدّ اليد للجميع. صفحة الماضي طويت. من هذا المنطلق يدعو المراقبون المعنيين إلى العودة لكلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن رئيس الجمهورية في الرابع من كانون الأول الماضي خلال إحياء ذكرى القيادي مصطفى شحادة «الذي يسكن قصر بعبدا الآن رجل وقائد وصادق وشجاع ووطني و»جبل» ولا يُشترى ولا يُباع وشخصية مستقلة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى