الجيش والمقاومة يكتبان استراتيجية النصر

أسامة العرب

إنّ الفضل الأول والأخير للاستقرار الذي ينعم به لبناننا اليوم واستمرار حياتنا في مختلف مفاصلها، يعود لجسامة تضحيات الجيش والمقاومة، لا سيما لأولئك الشهداء الأبطال الذين استبسلوا في الدفاع عن وطنهم وتمكّنوا من دحر الإرهابيين عن أرضنا الطاهرة، والذين لولاهم لما كان هناك شيء اسمه لبنان.

كما أنّ السبب الرئيسي للنصر الساحق الذي تحقق في الجرود، يعود إلى التنسيق العالي والكبير بين الجيش والمقاومة، وإلى المعادلة الماسية التي خطّها الرئيس العماد ميشال عون، والتي أثمرت مفاعيلها في مواجهة الإرهاب في الجرود المحرّرة، ومَكّنت الدولة اللبنانية من أن تكون الأولى في المنطقة التي تدحر الإرهابيين التكفيريين بالكامل عن أراضيها، والتي تسطّر أروع الانتصارات في جبهات القتال، وتجعل العدو الصهيوني يتأهّب ويُجري مناورات شاملة على الحدود اللبنانية، تحسّباً من أنّ المعركة المقبلة سوف تكون في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من بلدة الغجر.

والجميع يدرك أهمية هذه المعركة المفصلية في تاريخ لبنان المعاصر، أولاً لناحية الخطر الجسيم الذي كان يشكّله ذلك التنظيم الإرهابي على الشعب اللبناني، وجوداً ودوراً ورسالة. وثانياً لناحية الحجم الكبير للتضحيات، التي قدّمها شهداؤنا الأبطال للقضاء على هذا التنظيم قضاء كاملاً لا لبس فيه. وثالثاً لوقوف الشعب اللبناني كعادته صفاً واحداً إلى جانب الجيش والمقاومة، وتأكيده للقاصي والداني أنّ هذه المنطقة العزيزة، التي مثّلت على الدوام نموذجاً للوحدة الوطنية والعيش المشترك والتآخي بين مختلف أطيافها ومكوّناتها، لا يمكن أن تكون في أيّ ظرف من الظروف، بيئة حاضنة للإرهاب والإجرام ولكلّ من تسوّل له نفسه الخروج عن القانون والمسّ بهيبة الجيش ودوره الوطني. وهذا ليس بجديد على دور جيشنا ومقاومتنا الباسلة في الدفاع باستماتة وتصميم وإرادة لا تقهر عن تراب هذا الوطن وشموخه، كي يبقى رافعاً راية الحرية عالياً في سماء لبنان الحبيب.

وإذا عدنا إلى تاريخ تلاحم قدرات جيشنا ومقاومتنا، فسوف نجدهما تاريخياً مكللين دائماً بالانتصارات ابتداءً من تحرير الجنوب اللبناني في أيار عام 2000 وصولاً إلى الانتصار على «إسرائيل» في حرب تموز عام 2006، ومروراً بالتصدّي المشترك للانتهاكات «الإسرائيلية» المتكرّرة، وانتهاءً بتسطير أعظم بطولات خارقة على أكبر تنظيم إرهابي في المنطقة، ما يساهم في تثبيت المعادلة الماسية كاستراتيجية دفاعية مثمرة في لبنان والمنطقة، ولكي تتحوّل إلى جبهة متكاملة للدفاع عن الوطن ولتشكّل جبهة خلاص أكيد للأمة من خلال التعاون والوحدة المتكاملين.

إنّ القيادة الحكيمة للجيش برئاسة العماد جوزف عون، قد مكّنت بالفعل من إعطاء دفعة قوية للمؤسسة العسكرية بعد اهتمام القائد الشجاع بالجندي اللبناني وبتأهيله نفسياً وجسدياً وتسليحه بالمعرفة القتالية والثقافية وتعزيز روح الفداء لديه، وتدريبه التدريب الصحيح وبث صفات القوة والشجاعة وحبّ الوطن والذوْد عن كلّ غال ونفيس من أجل الوطن وحمايته ورفعة شأنه، حتى باتت المؤسسة العسكرية في عهد العماد جوزف عون مؤسسة مثالية يُشار إليها بِالبَنان ويُضرب بها المثل والمثال في التقدّم والرقي. هذا إلى جانب الجهود الجبارة التي قام بها العماد في معارك التحرير، والتي وصل صداها حتى إلى الفضائيات الأجنبية.

إنّ جيشنا الوطني كان وسيبقى العين الساهرة التي تسوِّر حدود الوطن والدرع الحصين للذود عن حياضه والتصدّي للمؤامرات الداخلية والخارجية التي تهدف إلى زعزعة أمن واستقرار الوطن وسيستمرّ جيشنا بالتأكيد بتقديم قوافل الشهداء الأبطال القافلة تلو الأخرى، لينعم أبناؤنا بالأمن والطمأنينة ومقوّمات الحياة الحرة الكريمة. ولذلك فإنّ فهمنا ووعينا لمهمة الجيش اليوم في تصدّيه المستمرّ للعصابات الإجرامية المسلحة، وفي قيامه بتثبيت الأمن والاستقرار وحمايته للممتلكات العامة والخاصة ودفاعه عن المواطنين يندرج في إطار مسؤوليتنا الوطنية بضرورة تقديم الدعم الدائم للجيش. ذلك أنّ مدرسة التضحية والوفاء والفداء والتفاني والانضباط التي ينتمي إليها الجيش هي المتنفّس للمواطن للتشبّع بالقيم والمبادئ السامية التي تعزّز لديه الروح الوطنية وحبّ العمل والتوق الدائم للامتياز.

ولولا الأمان الذي تحقق بفضل جهود الجيش والمقاومة، لما كان هنالك أمل للّبنانيين في تحقيق أيّ تنمية اقتصادية واجتماعية مستقبلية، ولا في الحفاظ على مكاسب الوطن وثرواته، ولا بالاضطلاع في دور حيوي في دفع مسيرة الإصلاح إلى جانب القوى الحية بالبلاد ليكون ذلك في خدمة مشروع بناء الدولة القوية المقاومة والتي رسم معالمها فخامة الرئيس العماد عون والتزمت بها مكونات المجتمع كافة.

إنّ المعركة ضدّ الإرهاب هي مواجهة مستمرّة مع الصهاينة وعملائهم التكفيريين في المنطقة التي تمرّ بالتعقيدات والتناقضات، في ظلّ وجود بعض الدول العربية التى تسعى جاهدة لمصالحة «إسرائيل» والتخندق معها. إنّ محور المقاومة كله أمام اختبار صعب بل هو الأصعب، حين يريد أعداء هذه الأمة تغيير وجه المنطقة والانتقال بها إلى العصبيات الفئوية والمذهبية، ولكن خسئوا لأنّ زمن الهزائم ولّى وأتى زمن الانتصارات. كما أنّ الشعب اللبناني الذي ناصر الجيش والمقاومة، يعتبر أنّ هذه الاستراتيجية هي ثقافة بحدّ ذاتها قبل أن تكون مواجهة، ويؤمن بأنّ الحرب واستعمال القوة المسلحة للدفاع عن الوطن ليسا شأناً يخصّ المقاومين فقط، وإنّما من واجب الجميع أن يشاركوا ولو بالموقف في الحرب ضدّ العدو لمحاولة كسب المعارك، وهذا ما قاموا ويقومون به لينتصروا.

إنّ الهزيمة المذلّة للتكفيريين جاءت لتؤكد مرة أخرى صحة مقولة سيّد المقاومة السيد حسن نصرالله أنّ قوة لبنان ليست في ضعفه، كما كان يحاول البعض أن يُوحي لترسيخ الأفكار الانهزامية في عقول اللبنانيين ووجدانهم، بل بشجاعة شعبه وجيشه ومقاومته، الذين أذهلوا العالم أجمع ببطولاتهم، فلا قوة صهيونية لا تُقهر ولا وحشية تكفيرية لا تُهزم، ما دام لبنان محصّناً بمعادلة الكرامة: الشعب والجيش والمقاومة. وليس أمراً عابراً أن تكشف القناة العاشرة في التلفزيون «الإسرائيلي» أنّ هزيمة داعش في مواجهة الجيش والمقاومة، تقلق صنّاع القرار في تل أبيب.

على الجميع أن يقف اليوم إجلالاً وإكباراً للدماء الزكية الطاهرة لشهداء الجيش والمقاومة الذين لم يكن دفاعهم فقط عن لبنان، بل كان دفاعهم عن المنطقة بأكملها من شرّ هذه العصابات الوحشية التي كان بإمكانها أن تُشعل المنطقة بالفتن والقتل، وهذا ما شهدناه في بعض المناطق التي استولى عليها داعش وارتكب فيها مجازر يندى لها جبين الإنسانية.

وأخيراً، نوجّه تحية فخر واعتزاز ووفاء إلى الشهداء الأبطال، إلى حماة الحرية وحصن الكرامة ودرع الاستقلال. قليلٌ قليل أن نقبّل تراب الوطن عند خطاكم، وأن نفرش لكم القلوب والأهداب وفاء واعتزازاً لدمائكم الطاهرة. وألف تحية إلى أهاليكم الصامدين الذين واجهوا ببسالة الضغوط التي مورست عليهم في الآونة الأخيرة، وكانوا هم الملهم الأول لكلّ مقاوم في معركة تحرير الوطن. كما أنّ الدولة ملزمة بأن تقدّم كلّ ما يمكن تقديمه من الرعاية والدعم لأهالي الشهداء الذين ضحّوا بأغلى ما يملكون من أجل الوطن. إنّ التضحيات الجسيمة للشهداء المقاومين الأبطال ستبقى صفحة مضيئة في تاريخ وذاكرة لبنان، ينبغي تخليدها كي تظلّ حاضرة في أذهان ووجدان اللبنانيين جميعاً.

محام، نائب رئيس

الصندوق الوطني للمهجرين سابقاً

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى