هل ينجح الضغط السعودي على إيران من الساحة اللبنانية؟

روزانا رمّال

في مرحلة ما بعد اغتيال الحريري وهي «مفصلٌ» في تاريخ السياسة اللبنانية الحديثة ومحطة تقابل المشاريع الدولية، كان واضحاً أن القوة الخليجية في لبنان أكان بالحضور السعودي أو القطري هي الأكثر تفوقاً مع دعم مباشر من واشنطن ففي تلك المرحلة، لعب السفير الأميركي جيفري فيلتمان لعبة التوازنات هذه وباعتراف سياسيين كثر فإن فيلتمان استطاع إدارة المعركة التي تخوضها الولايات المتحدة في المنطقة عبر لبنان بشكل هام ومنقطع النظير.

الأزمة السعودية القطرية كشفت أن الأميركيين غير منحازين لفكرة دعم السعودية فقط، وكشفت أيضاً أن أي خطوة من نوع «لجم» أو «كبح جماح قطر» غير موجودة حتى الساعة، فمجرد الحديث الأميركي عن ضرورة الحوار ولعب الكويت دوراً وسيطاً يعني ان واشنطن وان ارادت الانحياز للمملكة بوقت من الأوقات فشلت اليوم بالقدرة على توفير ذلك، مع العلم ان لحظة الاشتباك السعودي القطري الإعلامي كان الأميركيون على علم فيها، وولو ان الرياض نجحت في إخضاع الدوحة، لكان الأميركيون مضوا وتأقلموا مع المستجدّ بشكل طبيعي أو براغماتي، هذا ما أكدته أحداث مصر الكبرى بين الثورتين، فعندما فازت القوى التي تدعم الرئيس محمد مرسي الذي يمثل فصيلاً إسلامياً دعمت واشنطن الحكم باعتباره نتيجة ثورة شعبية، وعندما أسقط مرسي أيضاً باجتياح كبير من ملايين المصريين الذين رفضوا احتكار السلطة وإداراتها ما كان على الأميركي إلا رفع الغطاء عن مرسي مجدداً وتقبل الأمر الواقع الجديد.

هذه الواقعية الأميركية هي أكثر ما تحتاجه الدول العربية في مطالعة المتغيّرات، وفي المنطق السياسي اللبناني الذي يقدر أن يؤسس لشكل التوازنات الإقليمية فتحضر الدول الأساسية المؤثرة والمشتبكة في لبنان عبر مواقع سورية وإيران والسعودية وقطر. وبمراقبة التطورات الميدانية لصالح النظام في سورية يصبح الحديث عن ارتياح أصدقاء هذا النظام في لبنان طبيعي، وعلى هذا الأساس تتراجع تدريجياً إمكانات التأثير القطري أو السعودي المحلي، خصوصاً أن إيصال العماد ميشال عون لسدة الرئاسة بعد أن كان أول مَن رشحه هو حزب الله وبدون اعتراض سعودي هو أكثر الدلائل على ذلك.

الامتعاض الذي ساد بعض شارع تيار المستقبل ومنه الجزء المنشقّ نحو أسماء تطرّفت سياسياً عن المستقبل مثل «أشرف ريفي» وغيرها رأت في مواقف الحريري استسلاماً لرغبة حزب الله والمتغيرات الإقليمية، الا ان الحريري الذي يدرك تماماً ان الامور تغيرت فعلاً، لا يبدو أنه يبالي كثيراً بهذه الاصوات ولا ينوي الخروج عن هذا «التوافق» فأمامه تحدٍّ كبير جداً ويتجسّد بالانتخابات النيابية المقبلة ربيع 2018، ويدرك أن العلاقة الجيدة مع حزب الله وحلفائه من بينهم التيار الوطني الحرّ والمردة والقومي وحركة أمل وحدها القادرة على إعادة تسميته رئيساً للوزراء من جديد كيف وبالحال أن الانتخابات ستجري وفق قانون جديد لا تبدو النتائج فيه مضمونة والمفاجآت مرتقبة؟

دخلت السعودية على خطّ هذا السجال من بوابة حفظ الحضور السني في لبنان بعد أن بات منضوياً ضمن التسوية غير المباشرة مع حزب الله، على الرغم من ان السعودية نفسها هي التي لم تعارض هذا الأمر عند وقوعه. الصعود التدريجي السياسي لنفوذ حزب الله في الحكومة مع حلفائه والاتفاق معه على أكثر الأمور العالقة من استحقاقات إنتاج قانون انتخاب وسلسلة رتب ورواتب وتعيينات مع زيارات لوزراء من حزب الله لسورية من دون أن تتخطّى الانفعالات حدود الكلام الإعلامي، كلها أمور أكدت أن التغيير وقع وبات الحضور السعودي مطلوباً، لتأكيد أن الرياض لا تزال حاضرة في بيروت وأنها ستتصدّى لحزب الله ونفوذه فدخلت حديثاً باسم «تامر السبهان» الى لبنان وهو سفيرها السابق في العراق.

تستخدم السعودية «السبهان» لاستخدام ما وراء الاسم من تاريخ قريب، وهو بعيون العراقيين احد السفراء الذين طلب منهم مغادرة البلاد بسبب تصريحات خرجت عن حدود البروتوكول الدبلوماسي، لكن هذا لم يؤد إلى أي تغيير في سياسة العراق تجاه السعودية في ذلك الوقت ولا سياسة السعودية تجاه العراق، وفي محطة قريبة لوحظت زيارة هامة لوزير الخارجية عادل الجبير الى العراق رغبة بالتقارب الذي فهم أنه تقارب مواجه لإيران عبر مساعٍ سعودية عمل عليها السبهان، كما تحدثت المعلومات حول لقاءات مكثفة للسبهان مع شخصيات دينية شيعية بارزة.

السبهان المعروف بتوتير العلاقات مع حلفاء إيران في العراق موجود بشكل دوري كزائر للبنان، لكن هذه المرة ليس بصفة سفير كي لا تتكرّر مسألة طلب الاستبدال ربما، وهو الأمر الذي يقلق اللبنانيين المرتاحين لأجواء التوافق..

اختيار المسؤول السعودي الذي يرتبط اسمه بالاشتباك السياسي هو إعلان لـ «الاشتباك». وفي هذا كله محاولة سعودية للعبث بما تعتبره الصحن الإيراني، رغبة منها لعدم ترك الساحة خالية لطهران، لكن هذا غير صحيح في الحالة اللبنانية التي يحكمها التوافق، وبالمحصلة فإن أي تحدٍّ جديد من السعوديبن للإيرانيين والسوريين وحلفائهم عبر الساحة اللبنانية سيكلف هذه المرة إخراج الحريري من المعادلة السياسية، فهل هي مستعدة لذلك؟

اذا كان هذا جدّي، فإن هذا يعني أن الحريري لم يعد الاسم السعودي السني الأول في لبنان، وأن هناك من يريد التصويب على مهماته وإلا فإن كل ما يجري يوضع ضمن التنسيق وتبادل الأدوار معه للضغط على إيران في أكثر من محور بانتظار توضّح التسويات المقبلة وخواتيمها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى