عون: تحقيق كي لا يُبرَّأ متّهم ولا يُدان بريء أهالي الشهداء: باقون في خيمتنا

كتب المحرّر السياسي

لبنان المتشح بالسواد باقٍ تحت خيمة الحداد على عسكرييه الشهداء حتى تنجلي الحقيقة التي وعد بها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وأهالي الشهداء باقون في خيمة الاعتصام حتى تنجلي هذه الحقيقة، بينما أطلق مجلس الدفاع الأعلى التحقيق العسكري لجلاء الحقائق كلّها، بحضور رئيس الحكومة سعد الحريري الذي قال نريد تحقيقاً بلا كيدية ولا خلفيات واتهامات مسبقة لكشف الحقيقة كلّها، قال الرئيس السابق للحكومة تمام سلام إنه يطلب رفع السرية عن محاضر مجلس الوزراء حتى يعرف اللبنانيون كلّ المواقف على حقيقتها، بينما كان قائد الجيش العماد جوزف عون يعاهد الشهداء على مواصلة مسيرتهم ويعاهد اللبنانيين بالجهوزية لكلّ المهام للدفاع عن لبنان.

في سورية حيث الحرب على مسلحي داعش، وهم أنفسهم قتلة العسكريين اللبنانيين، أعلنت قيادة الجيش السوري بدء عملية «وثبة الأسد» لاستكمال التحرير الذي بدأ بفك الحصار عن القوة المحاصرة في دير الزور وصولاً لتأمين التواصل بين مناطق انتشار الجيش، خصوصاً المطار، وصولاً للمدينة وأحيائها، بينما بقيت تداعيات الغارة «الإسرائيلية» محوراً لتوقعات وتقديرات ومخاوف «إسرائيلية» وتساؤلات عن كيفية تعامل كلّ من الأطراف المعنية بها فكيف ستنظر سورية لاستهتار رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بتحذيره من مغبة عمل عسكري طائش، وكيف ستتصرّف إيران وحزب الله وسورية كمحور مقاوم لا يستطيع تقبّل الغارة وتحمّلها من دون ردّ يحمل رداً للتحدّي من جهة، ورداً على الرسالة التي تضمّنتها الغارة من جهة مقابلة، وهي الأسئلة التي حفلت بها الصحافة «الإسرائيلية» بالتعليقات والتحليلات التي كانت الغارة محورها، بينما كان الثابت أنّ القلق يحكم القرار بالغارة باعتماد إطلاق الصواريخ من الأجواء اللبنانية، وعدم دخول الأجواء السورية من قبل الطائرات «الإسرائيلية» من جهة، وبتوقيت يتزامن مع المناورات العسكرية على الحدود مع سورية ولبنان تحسّباً لأيّ ردّ. وهذا التصرف القلق نفسه لم يجنّب «إسرائيل» ردات الفعل التي كان أبرزها دخول لبنان على الخط دبلوماسياً مع إعلان وزير الخارجية جبران باسيل، أنّ استهداف سورية من الأجواء اللبنانية يشكل سابقة خطيرة، وتوقعت مصادر دبلوماسية أن يثير لبنان الأمر مع سفراء الدول الكبرى، لافتاً إلى أنّ أيّ مناقشة تتمّ في مجلس الأمن للغارة ستسجِّل موقفاً لبنانياً قوياً من التصرف «الإسرائيلي» باستخدام أجوائه للعدوان.

بانتظار الردّ تبقى المناورات «الإسرائيلية» مستمرة، ويجري الحديث عن توقعات بردّ بعد نهاية المناورات، وحاجة «إسرائيل» للحفاظ على الاستنفار والجهوزية لأيام طويلة وربما أسابيع.

سياسياً، كان اللافت كلام وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان مصحِّحاً تصريحاته السابقة، وما تركته من التباسات حول موقف فرنسا، فقال خلال لقائه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إنّ تنحّي ورحيل الرئيس السوري ليس شرطاً ولا هدفاً للعملية السياسية.

لبنان ودّع الشهداء والأهالي ينتظرون الحقيقة

في أجواء من الحزن الممزوج بالفرح والفخر والاعتزاز، ودّع لبنان الشهداء العسكريين العشرة الذين قتلوا غيلة وغدراً في جرود عرسال صيف العام 2014، في احتفال رسمي حاشد في وزارة الدفاع حضره الرؤساء الثلاثة ووزير الدفاع وقائد الجيش والأهالي وحشد كبير من الشخصيات السياسية والعسكرية والأمنية والدينية وسط حداد عام على أرواحهم، وشقت مواكب الشهداء طريقها من اليرزة إلى بلداتهم التي اتشحت بالسواد واستقبلت أبناءها العائدين إلى تراب الوطن بإطلاق الرصاص وذرف الدموع ونثر الورود والأرز. ومن الشمال إلى البقاع إلى الجبل تنقلت جثامين الشهداء بعد أن عرجت على خيمة العسكريين في ساحة رياض الصلح التي انتظرتهم طويلاً وعادوا اليها شهداء في نعوش، وقد اختصرت المشهد، صورة مؤثرة لنجل العسكري الشهيد علي المصري وهو على نعش والده المحمول على الأكفّ رافضاً التخلي أو النزول عنه.

لكن أعراس الشهادة تحوّلت مأساة في بعض المناطق الشمالية، بعد أن أصيب ثمانية أشخاص متراوحة إصاباتهم بين المتوسطة والحرجة والخطيرة نتيجة الرصاص الطائش خلال التشييع، بينما كان لافتاً مشهد المسلحين الذين كشفوا عن وجوهم وهم يطلقون النار بكثافة في الهواء في بلدة فنيدق على مرأى ومسمع عناصر الجيش اللبناني.

وفي حين رقد الشهداء بسلام، لم تبرد دماء ذويهم الذين ينتظرون من الدولة جلاء الحقيقة بعد أن انتظروا عودة أبنائهم أحياءً ثلاث سنوات، لكن وعد رئيس الجمهورية لهم بكشف الحقيقة والوصول في التحقيقات حتى النهاية، أثلج قلوبهم، مع أنّ القلق والحذر لم يفارق وجوههم من تسييس قضيتهم ونجاة المتورّطين، رغم إيلائهم الثقة التامة بالعمادَيْن ميشال وجوزيف عون.

فهل تتوحّد الدولة بجميع أركانها خلف قيادة الجيش والقضاء العسكري للإسراع في التحقيقات وكشف خبايا وخفايا القضية وتوقيف المتواطئين والمتآمرين على الجيش والوطن مهما علا شأنهم، قبل أن تفلت الأمور من عقالها ويُقدم الأهالي على أخذ حقهم بأيديهم كما سبق وفعل والد الشهيد محمد حمية؟ أم أن النظام الطائفي البغيض والحسابات السياسية الضيقة و«تسويات الضرورة» ستحُول دون جلاء الحقيقة وتوقيف الرؤوس الكبيرة؟

وفي وقتٍ جدّد أهالي العسكريين ثقتهم بالدولة لكشف الحقيقة، هدّد بعضهم بالثأر إن لم تتمكّن الدولة من إعدام قاتلي أبنائهم، وتوجّه والد الشهيد علي الحاج حسن إلى نجله بالقول: «إذا لم يأخذوا حقك سأبكيهم وأعاهدك والله على ذلك، وإذا لم أبكِهم فأرفض أن أعيش».

أوساط أهالي العسكريين قالت لـ «البناء» إن «خيمة رياض الصلح ستبقى في الساحة ولن تُزال قبل جلاء الحقيقة الكاملة في الملف وكشف المقصّرين والمتواطئين في خطف الشهداء وقتلهم، كما سينظم الأهالي اعتصامات وتظاهرات كل أسبوعين لتذكير الدولة بقضيتهم»، وأشارت الأوساط إلى أن «ثقة الأهالي كاملة في الدولة لا سيما برئيس الجمهورية وقائد الجيش، لكنهم حذرون لجهة أن تدخل السياسة إلى قضيتنا لا سيما أنّ المتورّطين هم من الرؤوس الكبيرة في الدولة ويمكن أن ينجوا من التحقيق والمحاسبة، لذلك لن نترك الساحة».

ونقل الأهالي عن رئيس الجمهورية وقائد الجيش عزمهما وإصرارهما على «الذهاب بالتحقيق حتى النهاية، مهما كلّف الأمر، لا سيما القرار السياسي والعسكري في العام 2014 الذي خذل الجيش وتركه وحيداً في أرض المعركة من دون سلاح وقتال ثم الوقوع في قبضة الإرهابيين الذين سهّل لهم القرار السياسي آنذاك نقلهم إلى الجرود وقتلهم في ما بعد».

غير أنّ المصادر استشعرت أملاً بكلمة الرئيس عون في حفل تأبين الشهداء أمس، في وزارة الدفاع بوضع اليد على جرح التآمر المتمثل بالسلطة السياسية، كما أشارت أوساط الأهالي إلى أنّ «تحرّك الجيش باتجاه عرسال لإلقاء القبض على الإرهابي مصطفى الحجيري أبو طاقية ورئيس بلدية عرسال السابق علي الحجيري أبو عجينة بداية مشجّعة لبدء التحقيقات، لكنها رفضت أن يقتصر الأمر على هؤلاء الأشخاص بل يجب أن يطال التحقيق الرؤوس الأكبر».

في وزارة الدفاع

وفي ساحة العلم في وزارة الدفاع، أقامت قيادة الجيش مراسم تكريم للشهداء الأبطال، بحضور رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، وزير الدفاع الوطني يعقوب الصراف، قائد الجيش العماد جوزف عون وقادة الأجهزة الأمنية ووزراء ونواب ممثلين عن رؤساء الطوائف والبعثات الدبلوماسية وأهالي الشهداء وعدد من الشخصيات. وبعد أن تمّ تقليد الشهداء الأوسمة الثلاثة وسام الحرب، وسام الجرحى ووسام الاستحقاق العسكري عاهد الرئيس عون في كلمته ذويهم «بأنّ دماء ابنائكم امانة لدينا حتى تحقيق الاهداف التي استُشهد أبناؤكم من اجلها وجلاء كل الحقائق»، وأكد أن الشهداء العسكريين الذين خطفوا وقتلوا على يد التنظيمات الإرهابية في جرود السلسلة الشرقية، وقفوا في العام 2014، على خطوط الدفاع عن لبنان، غير آبهين بما ظلل تلك المرحلة من غموض في مواقف المسؤولين، سبّبت جراحاً في جسم الوطن.

وأكد قائد الجيش أنه «ورغم الانتصار الذي حققناه، لا تزال أمامنا تضحيات كبرى لا تقل أهمية عن دحرنا للإرهاب العالمي، فالجيش سينتشر من الآن وصاعداً على امتداد الحدود الشرقية للدفاع عنها»، مشدداً على «التزامنا التام القرار 1701 ومندرجاته كافة والتعاون الأقصى مع القوات الدولية للحفاظ على استقرار الحدود الجنوبية»، ومعلناً «أنّ ردّ الجيش مستقبلاًً سيكون هو نفسه على كلّ مَن يحاول العبث بالأمن والتطاول على السيادة الوطنية او التعرّض للسلم الأهلي وإرادة العيش المشترك. والجيش سيكون على مسافة واحدة من مختلف الأطياف والفرقاء وفي جميع الاستحقاقات الدستورية، وسيكون في أعلى الجهوزية للدفاع عن وطننا الغالي».

واُقيمت مراسم مغادرة جثامين الشهداء ساحة العلم، وتوجّه بعدها الموكب إلى ساحة رياض الصلح التي احتضنت خيمة الأهالي، فاستقبلها المواطنون بنثر الأرز والزهور وإطلاق الزغاريد، ومن رياض الصلح توجّهت مواكب الجثامين إلى القرى والبلدات.

اجتماع مجلس الدفاع الأعلى

وعلى وقع مراسم تشييع الشهداء والدعوات لكشف الحقيقة، التأم المجلس الأعلى للدفاع في قصر بعبدا برئاسة الرئيس عون، الذي تداول في ضرورة جلاء ما حصل في عرسال عام 2014. وفي السياق، أكد الرئيس عون أن «التحقيق في حوادث عرسال سيحدّد المسؤوليات ويريح أهالي الشهداء الذين من حقهم أن يعرفوا كيف استُشهد أبناؤهم»، مشدداً على ان «التحقيق سيأخذ مجراه كي لا يُدان بريء ويُبرَّأ متهم»، لافتاً إلى أن التحقيق الذي طلبه في أحداث عرسال وجرودها في 2 آب 2014 وما تلاها هدفه وضع حدّ لما يصدر من مواقف واجتهادات وتحليلات».

وأشار الرئيس الحريري إلى أن «التحقيق لا خلفيات انتقامية أو كيدية له بل يهدف إلى معرفة حقيقة ما حصل في تلك الفترة، قائلاً «من غير الجائز استباق نتائجه وتوجيه اتهامات من هنا وهناك، واستغلاله في السياسة ووسائل إلاعلام». وأعلن «أننا انتصرنا لكن للأسف، لا نعرف الاتفاق على هذا الانتصار، وكأن البعض كان يريدنا أن نخسر».

وأوضح وزير العدل سليم جريصاتي «أنّ التحقيق في حوادث عرسال سيتناول العناصر الجرمية لتفادي أيّ اتهام سياسي». وأكد المجلس في بيان بعد الاجتماع، أنّه «تمّ عرض الأوضاع الأمنية وكان اتفاق على ضرورة التصدّي لكلّ الأعمال الجرمية والإرهابية. وتمّ التركيز على احترام الكفاءة عند التلاميذ الضباط والحديث عن الخرق الإسرائيلي غير المسبوق. وأبقى المجلس على مقرراته سرية».

..وسلام يردّ على عون

وخرج الرئيس تمّام سلام عن صمته، وردّ على كلام رئيس الجمهورية في مسألة العسكريين، داعياً إلى فتح التحقيق على مصراعيه وإلى رفع السريّة عن محاضر جلسات مجلس الوزراء ليتسنى للبنانيين، وفي مقدّمتهم عائلات الشهداء، الاطلاع عليها، حتى لا تصير أضاليل اليوم كأنّها حقائق الأمس. ولفت سلام إلى أنّ «من حق المواطنين اللبنانيين أن يعرفوا طبيعة الوقائع الميدانية في عرسال وجوارها يومذاك، وما هي مواقف مَن يتاجرون اليوم بأرواح الشهداء. من حقهم أن يعرفوا من أيّد التفاوض مع الإرهابيين الخاطفين ولماذا ومَن رفضه ولماذا؟ ومَن أحبط المساعي التي قامت بها هيئة العلماء المسلمين وغيرها ولماذا؟».

فرار «أبو طاقية» إلى الجرود

وواصل فوج المكافحة بالتعاون مع المجوقل تطويق المبنى الخاص بمصطفى الحجيري في عرسال، منذ ليل الخميس الماضي، حيث يتألف منزله من 3 طبقات: الطابق الأول مستوصف الرحمة الميداني والثاني مسجد والثالث المنزل الذي يقيم فيه.

وعلمت «البناء» من مصادر عرسالية أنّ «وحدات الجيش التي تطوّق المبنى المذكور غادرت مساء أمس، مرجّحة فرار الحجيري إلى جهة مجهولة في الجرود المحيطة بعرسال»، مؤكدة أنه «لو كان الحجيري موجوداً في المكان لكان الجيش اقتحمه وألقى القبض عليه». كما أكدت المصادر أنّ «المكان الذي حاصره الجيش هو نفسه المكان الذي اقتيد إليه العسكريون الأسرى عند أبو طاقية عام 2014 قبل نقلهم إلى الجرود».

وأشار رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري لـ «البناء» إلى أنّ «أهالي عرسال وفاعلياتها تقف خلف الجيش في أيّ قرار يتخذه لا سيما إلقاء القبض على أيّ متورّط في قضية العسكريين والاعتداء على الجيش وسيادة الدولة، ولن يقف الأهالي مع أيّ متورّط مهما كان موقعه بل خلف الجيش والدولة»، مشيراً إلى أنّ «الأهالي يلتزمون تعليمات الجيش وسيقدّمون المساعدة عندما يُطلب منهم ذلك».

ودعا الحجيري «الجميع للوقوف خلف الجيش والقضاء اللبناني وترك التحقيق يأخذ مجراه، وأن تسلّم كلّ الأطراف للعدالة وعدم إطلاق التهديدات بالثأر في ظلّ وجود دولة وعهد جديد وقضاء يسعى ويحقق لكشف ملابسات الجريمة».

وعن تحرير جرود عرسال من الإرهابيين، نقل الحجيري ارتياح أهالي المدينة للوضع الجديد بعد تحرير أرضهم وجرودهم، كاشفاً بأنّ «الأهالي يستعدون للعودة إلى جرودهم لإعادة زرعها واستثمارها بعد سنوات من الاحتلال».

قاووق: تحرير الجرود لا يعني نهاية المعركة

وأكد عضو المجلس المركزي في حزب الله الشيخ نبيل قاووق أنّ «تحرير الجرود والحدود الشرقية للبنان، لا يعني انتهاء المعركة مع داعش والنصرة، كما أنّ حزب الله سيُكمل المعركة في دير الزور والبادية وإدلب، التي يوجد فيها أكبر تجمّع تكفيري للقاعدة في العالم، وهي قريبة من لبنان»، سائلاً: «هل يكون لبنان بمأمن إذا بقيت إدلب تحت سيطرة القاعدة والنصرة؟ وهل يكون لبنان بمأمن وهناك مقار للنصرة وداعش داخل سورية؟ لذلك فإنّ حزب الله سيُكمل المعركة في سورية حماية للبنانيين كلهم وللوطن كله».

وشدّد قاووق على أنّ «لبنان لن يُستدرج إلى الفتنة الداخلية، التي تراهن عليها السعودية، بدفعها اللبنانيين إلى انقسام داخلي جديد»، مشيراً إلى أنّ «مواقف جميع المسؤولين اللبنانيين كانت رافضة للانصياع لدعوات الفتنة السعودية، وهذا ما جعل السعودية تنهزم وتفشل مجدّداً».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى