اكثر من جدار للصوت …

روزانا رمّال

ربما يكون هو جدار الصوت الأكثر «قيمة» منذ أن بدأت «إسرائيل» تعدياتها على لبنان في شكله ومضمونه، والأكثر صخباً على الساحة السياسية المحلية، لكن هذه المرّة بمنظار آخر يسهل على من يقطنون المنطقتين الجنوبية من الجهة اللبنانية والشمالية من جهة كيان الاحتلال تلقّيه.

فبعد أن كانت «إسرائيل» تستبيح الأجواء اللبنانية وتكثر هذا النوع من التعديات، وبعد أن كان صوت جدار الصوت اعتيادياً عند أهل الجنوب لأكثر من عشرين سنة ولا يؤخذ بعين الاعتبار، على أنه «حدث» أصبح اليوم بعد 11 عاماً فوق منطقة صيدا والجوار للذي يصدّق أو لا يصدّق «حدثاً» بكل ما للكلمة من معنى، وهذا بحد ذاته تحوّل سياسي وإعلامي لافت.

القدرة «الإسرائيلية» التي أصبحت منوطة باستخدام «جدار الصوت» كرسالة للبنانيين تؤكد حجم العجز الذي صارت فيه «إسرائيل» بعد مرحلة حرب تموز عام 2006 حيال لبنان، وتؤكد أيضاً أنها وبالرغم من تعدياتها وخرقها الدائم للقرارت الدولية في مختلف الملفات المتعلقة بالاراضي العربية، فإنها ولأول مرة تحسب خطواتها امام تحذيرات كانت قد أطلقتها قيادة حزب الله في لبنان في وقت سابق عن أنه لن يتم السكوت على تحليق طائرات «إسرائيلية» وتعديات من هذا النوع لوقت طويل لتصبح مسألة الطلعات الجوية المكثفة وتنفيذ غارات وهمية مسألة نادرة الحدوث.

اللافت هنا احتراز «إسرائيل» من أي انهيار دراماتيكي بحال «التمادي» في معرض إرسال رسائلها الى لبنان، وتحديداً حزب الله فيه لتصبح رسالة بحجم غارة وهمية كافية عند «الإسرائيليين» لاحتسابها «هدفاً» في العمق اللبناني، لكن وبربطها بغارة مصياف السورية منذ أيام والاحتراز من دخول الأجواء السورية وطريقة الاستهداف جواً واحتساب المسافات بين التعدّي على السيادة السورية ورسم مسافة تسمح لها بالمحافظة على علاقة جيدة مع روسيا وحفظ وجودها ومحاذيرها بسورية «جواً وبراً»، في ما يتعلق بالاقتراحات حول الجنوب السوري وهو صلب الملف الذي يخضّ المؤسسات الأمنية «الإسرائيلية»، فإن هذا يؤشر على أن حجم القلق «الإسرائيلي» من التمادي بات أكبر بكثير من نيات تنفيذ عملية عسكرية ولو جاءت مكرهة لإثبات الوجود الذي اهتزّ منذ أن فشل مشروع نشر التكفير في سورية وامتداده لعمق الجوار العربي من لبنان والأردن والعراق ومصر.

تخرق «إسرائيل» الأجواء اللبنانية هذه المرة في ظل مرحلة «توافقية» غير مسبوقة منذ مرحلة ما بعد عام 2006 وبظلّ ترؤس العماد ميشال عون رئاسة الجمهورية. وهو الأمر الذي لن يكون بالنسبة إليها سوى أحد أبرز المعضلات التي تحول دون تحقيقها هدفها الأساسي الذي لعبت على وتره في عام 2006، وهو قلب اللبنانيين على حزب الله ونشاطه في لحظة اعتبرها بعض الداخل مغامرة فشقت المواقف بين رئاسة الحكومة ورئاسة مجلس النواب ورئاسة الجمهورية. وهو الذي لن يتكرر هذه المرة في لحظة يغيب عنها «الهجوم» أو الذريعة من الجهة اللبنانية امام المجتمع الدولي، وتغيب عنها نيات محلية في فسخ التوافق لأسباب عديدة فتصبح أي حرب مرتقبة على لبنان مزيداً من الجنوح نحو اللحمة الوطنية بدرجة أعلى من تلك التي شهدها لبنان في حرب تموز.

غياب «الذريعة» يجعل من أي حرب على لبنان حساباً غير موفق من الجهة «الإسرائيلية» ليصبح الخيار الأوسع المزيد من الاعتداءات في سورية مع المزيد من «التكبيل» أمام الرادارات الروسية، كل هذا يُعيد الى سؤال أبرز حول إمكانية خوض «إسرائيل» فعلاً حرباً مع لبنان غير محسوبة النتائج، في وقت يقول امين عام حزب الله فيها إن حزبه هو في أقوى مرحلة من عمره العسكري ويكشف بأحد خطاباته بتحذير موجّه لـ«الإسرائيليين» أنه اذا فكرت تل ابيب بأي اعتداء فإنه سيكون هناك آلاف المقاتلين القادمين من وراء الحدود المستعدين للدفاع من سورية واليمن وأفغانستان .. وصولاً حتى فتح ملف معركة فلسطين الكبرى والمعروف أن «إسرائيل» تأخذ خطابات نصرالله على محمل الجد وربما أكثر.

فشل زيارة نتنياهو في تحقيق نتيجة حسية تجعل من مطالبة «إسرائيل» إخراج إيران وحزب الله من الجنوب السوري في هذا الوقت من عمر الحرب السورية ما يرفع من منسوب التحدّي «الإسرائيلي» أمام فشل المشروع الغربي في سورية بشكله الذي بدأ ينحو باتجاه إيجاد أرضية حل سياسي للأزمة بنشاط روسي غير مسبوق بدون الأخذ بعين الاعتبار المخاوف «الإسرائيلية» في الجنوب السوري الذي يشكل نصف الحرب في العين الاستخبارية والأمنية «الإسرائيلية». الأمر الذي يفسر الرسائل «الإسرائيلية» في اكثر من اتجاه بضعف قدرتها على تحقيق نتيجة مباشرة، أكان في جدار الصوت في لبنان أو غارة مصياف كإنذارات، من دون ان يعني إمكانية ان لا تلعب روسيا دوراً وسطياً قادراً على فك هذا الاشتباك المحتمل بالشكل الذي يتوافق مع المشهد أمراً مستبعداً.

ستنتظر «إسرائيل» بعد جدار الصوت في لبنان وفيها صوت «الالم» «الإسرائيلي» الناتج عن فشل المشروع التكفيري الذي دعمته في سورية باعتراف مسؤوليها، وبعد انتهائها من أكبر مناورة في تاريخها بالشمال التي تحاكي حرباً على لبنان، وبعد غاراتها على سورية مدى وصول أصداء رسائل ردود فعل الأطراف الدولية المعنية في الأخذ بعين الاعتبار هواجسها، قبل إقفال الملف السوري لتكشف طبيعة الرسائل «الإسرائيلية» الحذرة مدى الخوف «الإسرائيلي» من المبادرة الى حرب من دون مقدمات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى