التسليم ببقاء الأسد على طريقة اغتيال الحريري

روزانا رمّال

صار الحديث عن بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في التسوية السياسية المقبلة محسوماً بالنسبة لأطراف النزاع في سورية الذين جهدوا من أجل إحداث تغيير فيها على قاعدة ضرورة فك الارتباط بين سورية وإيران وانخراط سورية ضمن المجموعة العربية الأقرب لحسابات أميركية منه الى حسابات اقليمية. وعلى هذا الأساس صار إسقاط النظام السوري تحدّياً كبيراً لدى عواصم دولية كبرى بينها واشنطن ولندن وباريس. الحديث اليوم عن المعارضة السورية من الجهة المقابلة بات موضوعاً ضمن دائرة الضعف أو الضياع المسند كصفة حالت دون ارتقاء المعارضة إلى مشروع سياسي يتم تقديمة للشعب السوري على اسس واضحة المعالم بالتزامات وطنية بحتة، فصار البحث عن المعارضة السورية وهيكلتها أكثر ما يحول دون التوصل الى حلول قريبة للأزمة وبين واشنطن والرياض اللتين وفرتا ما أمكن لتطوير حيثية المعارضة بين تسليح وتمويل وإعلام ونشاط دولي داعم، فإن الأكثر اقتناعاً اليوم أن المعارضة السورية لا تزال غير قادرة على تسلم زمام الامور. هي الأطراف نفسها التي اقتنعت بضرورة الخضوع للواقع الجديد وهو ان حلفاء الرئيس السوري بشار الاسد أظهروا تفوقاً غير مسبوق على الارض السورية فصار على الرياض مهمة الاقتناع ثم إقناع المعارضة التي اجتمعت في اروقتها مراراً بأن المرحلة الجديدة يحكمها حضور وازن للأسد.

يقول مصدر سياسي رفيع لـ «البناء»، وبحسب معرفته بسلوك النظام السوري السياسي بأن أي عملية سياسية لحل سياسي في سورية لن تبدأ من دون أن تكون صورة المعارضة المفترضة ظاهرة أو معلن عنها أمام الشعب السوري واضحة بالأسماء والخلفيات والأدوار، ويضيف «سيحرص النظام في سورية على اهمية إحاطته بكل ما يتعلق بشخصيات المعارضة المفترض أن تتشارك معه الحكم، لا بل انه من الممكن ان يساهم في الإسراع في تكوين المعارضة المقبلة، بحيث تتناسب مع ثوابت لن يتخلّى عنها تتعلّق بوحدة سورية وعدم السماح للارتباطات الخارجية أن تحكم العمل المعارض. وبحسب التجربة مع سورية فإن أي حل سياسي لن يولد إذا كان هناك شكوك من قبل النظام حول دور المعارضين الجدد. وكل هذا قبل ان يتم التفاوض حول الحل النهائي، ولهذا تؤكد المعلومات ان النظام في سورية رعى أكثر من اجتماع لمعارضة بالداخل والخارج في إحدى عواصم الجوار وأن أياً من هذه الاجتماعات لم يغِب عنها النظام وهو ما يدلّ من جهة أخرى على أنه لا يزال قادراً على السيطرة على المشهد بشكل وازن، وأن الضعف الذي يتوقعه خصومه مستقبلاً لم يأتِ حسب المأمول».

في الوقت الذي يتم فيه قبول بقاء الرئيس السوري بشار الاسد رئيساً لسورية أو مرشحاً سيخضع لحكم الشعب السوري بصناديق الاقتراع غربياً وخليجياً، فإنه بالمقابل يزداد التشدد حيال إيران لتتحوّل التهم والحساسيات المنوطة بالنظام في سورية لاتهامات موجّهة نحو طهران يرافقها تركيز على ضرورة إخراجها من سورية وحليفها حزب الله وكأن الرئيس الأسد أقرب الى المجتمع الدولي اليوم من إيران ليتبين أن المسألة تتعلق بانسحاب واضح الأثر وهو ما من شأنه نثر الغبار على هزائم مُني بها المشروع الأميركي على الارض السورية. فالتركيز على خطورة الدور الإيراني في سورية والهالة التي يحملها بحضوره العسكري بالنسبة لـ «إسرائيل» من على الحدود مع الجولان أكثر قدرة على تعمية الحقائق على مشهد الهزيمة الذي أدى لتخطي مسألة بقاء الأسد في الحكم، لكن هذا يأخذ الى لبنان وتحديداً الى بيروت وأجواء اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والتعامل مع المتّهمين بعيون محددة.

في بداية الأمر اتهم النظام السوري او نظام الوصاية كما كان يعرّفه خصوم سورية في لبنان باغتيال الرئيس الحريري، من دون أن يحمل ذلك نوعاً من الشك في ذلك الوقت. فقد كان الاتهام السياسي حاضراً وكان المتهمون أيضاً، أولئك الذين سيغطون عناصر تنفيذها حاضرين ايضاً فصارت سورية على كل لسان معارض للعلاقة معها أبرز المتهمين بتنفيذ اغتيال الحريري وما تبعه من اغتيالات وبأقل تقدير هي من سهّل العملية، ليصبح فجأة هذا الكلام غير موجود ويصبح معه السؤال أكثر ريبة، فالأصابع توجّهت فجأة نحو حزب الله وأربعة متهمين من قادته أو عناصره يذكر منهم القائد مصطفى بدر الدين الذي اغتيل في سورية إبان قيامه بعمله العسكري هناك، وصار حزب الله بالنسبة لأولئك الذين اتهموا سورية هو من وراء اغتيال الحريري وصارت المحكمة الدولية متخصصة بالبحث عن المتهمين والمقرّبين منهم ورسم سيناريوات وتقارير ووثائق عن نشاطهم تبرر ضرورة ملاحقتهم.

يشبه الأمس اليوم إلى حد بعيد ويشي بأن صانع الحدث الشرق أوسطي لا يزال هو نفسه، وأن المدرسة السياسية القادرة على الانتقال بشكل براغماتي من خيار إلى آخر لا تزال هي السائدة، وهي مدرسة النظرية الأميركية المعدّلة في علاج المسائل.

تكشف الاحداث أن هناك من أراد رفع منسوب الخطر الذي تشكله إيران وحلفائها كمخرج جيد لتغطية «الهزائم» فتتقاطع المصلحة مع «إسرائيل» مباشرة وتكشف ايضاً أن هناك رغبة في تكبير «الفزاعة» الإيرانية من اجل الانسحاب من المشهد المحرج. وهو الأمر الأكثر قدرة وجاذبية على إقناع الخليجيين بالأسد وبحصر العدو «الدائم» بطهران، حيث لا ولن ينازعها أحد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى