التطبيع مع العدو… ليس وجهة نظر!

د. خليل خيرالله

وقف زياد دويري أمام المحكمة العسكرية اللبنانية مزهواً بإخلاء سبيله، وهو الذي دخل فلسطين المحتلة وأقام فيها أشهراً عام 2010، وصوّر فيها فيلماً سينمائياً أسماه «الصدمة»، بالتعاون والتواصل مع محتلّي أرضنا وقاتلي شعبنا.

بعد عودته إلى لبنان مع فيلم «قضية 23» أوقف إجرائياً وسرعان ما أُخلي سبيله. الأمر الذي شجّع البعض على إصدار مواقف متضامنة معه!

إنّ ما قام به زياد دويري وغيره، يثير مسألة التطبيع الثقافي مع العدو، كما مسألة الحريات، وبالتالي دور الفن في قضايا المجتمع خاصة في سياق حربنا المصيرية مع «إسرائيل».

أولاً: التطبيع مع العدو خيانة

ومقاومته واجب قوميّ

ليست المشكلة مع زياد دويري «قانونية» أو «قضائية» فقط، ونحن نعرف أنّ يد القضاء في قضايا مماثلة كانت رؤوفة وبذرائع متعدّدة، تحوّلت معها النصوص القانونية إلى دواء ملطّف لا فعالية له سواء على صعيد العقوبة أو التربية أو الردع.

إنّ موقف القضاء والأجهزة الأمنية اللبنانية مستغرَب، فهل تكفي مظاهر البراءة وادّعاء عدم وجود النية الجرمية لدى الأديب أو الفنان أو المنتج، كي يَفْلَت من عقاب التطبيع الثقافي والتعامل والتواصل مع العدو وزيارته الأرض التي اغتصبها هذا العدو، ويقيم عليها جرائم الفصل العنصري، والتنكيل المستمرّ بحق شعبنا!

والسؤال: متى كانت «إسرائيل» تفعل أشياء من دون مقابل؟ أم أنّ بعض المثقفين لا حدود لـ «طموحاتهم» ولو باعوا كرامتهم الوطنية لقاء احتفال وتصفيق في عواصم أجنبية ما يفتح أمامهم باب الشهرة والنجاح الحرام؟

فيلم «الصدمة» تطبيعيّ بامتياز، وهو بمثابة صكّ براءة لليهود من إراقة دماء الفلسطينيين، وعشرات المقابلات التي أدلى بها للإعلام «الإسرائيلي» مليئة بعناصر التعامل مع العدو، وكلها رُميتْ في سلة مرور الزمن الثلاثي. علماً أنّ زياد دويري زار لبنان أكثر من مرة، وباعترافه قبل مرور الزمن الثلاثي ولم يعترضه أحد!

إنّ موقف القضاء اللبناني هذا لا يردع المتعاملين مع العدو، ولا المطبّعين، والأخطر أنه يتعامل مع بعضهم كرموز وطنية! وهذه الخفة تجعل آخرين يستسهلون هذه الارتكابات وتتحوّل هذه المسألة الى مسألة أخلاقية وثقافية ووطنية وسياسية تجعل من واجب المواطن الحرّ أن يقاوم انحرافاتها.

ثانياً: مفهوم حرية التعبير

جوهر الحرية هو الصراع لتحقيق الأفضل للشعب كله، شعبنا، ولا معنى للحرية وراء ذلك، ما يعني أنّ لها ضوابط وحدوداً، يقتضي احترامها، وإلا بطُلت أن تكون حرية وانقلبت فوضى أخلاقية.

ليست «إسرائيل» خياراً للمثقف، كي يتصل بها ويستعين بمؤسساتها المدعومة بمقوّمات العالمية كلّها، فيقيم معها العلاقات ويقبل بالمغريات، وليست السيادة أو الدستور وجهة نظر تخدم ذوي الأغراض الخصوصية والفئوية، لمجرد نيل الشهرة والنجاح العالمي. فكم من مفكر أو فنان أو مبدع، رفض جوائز عالمية، لأنها تشترط تنازلاً أخلاقياً معيناً أمام العدو «الإسرائيلي»، أو ظهوراً في محطاته التلفزيونية والإذاعية.

نحن في حالة عداء وجودي مع «إسرائيل»، التي تسخّر دولاً ومؤسّسات عالمية لإخضاعنا واحتلال عقلنا قبل أرضنا، بغية إقامة علاقات طبيعية معنا، وكأنّها هي دولة طبيعية، فهل نسهّل لها هذه المهمة، بذريعة حرية التعبير، والحق في طرح المواضيع، أو تناولها من وجهة نظر «إسرائيلية» ثم الإقامة والتمثيل وإنتاج الأفلام مع صهاينة، كما حصل مع فيلم «الصدمة»؟!

إنّ التطبيع الثقافي مع «إسرائيل» يساعدها على اختراق عقولنا وتخدير نفوسنا بوهم السلام المزعوم، وهو خيانة موصوفة جوهرها مسألة كرامات لا معركة حريات.

ثالثاً: دور الفن

في قضايا المجتمع

الفنان أو المبدع، بشكل عام، يرفع النفوس الى مثال أعلى، ويثقفها، وهو يعطي للحياة ألوانها الزاهية ويبث الأمل والقوة في النفوس، فيساهم في التعبير عن قضايا المجتمع، لأنه ابن المجتمع يعيش قضاياه ويتفاعل معها، ويعبّر عن حاجاته النفسية ومصالحه في الحياة.

ليست المسألة مسألة إبداع في التقنية أو التمثيل أو الإخراج، أو اختيار المواضيع، من أية وجهة نظر سياسية أو اجتماعية داخلية كانت، فهذه مجال قبولها أو رفضها يعود للنقد والصراع الفكري، صراع المفاهيمز لكن المقصود هنا، هو عدم إحلال المثل اللاأخلاقية الغريبة محلّ مثلنا العليا، لأنّ في ترويجها مساساً بقيمنا وحضارتنا وهويتنا.

قد يكون زياد دويري من المبدعين في مجال فنه، لكن ما قيمة الإبداع حينما يذهب باتجاه التطبيع الثقافي مع عدونا، والقبول بكامل وجوده الاصطناعي، وبما يقوم به لتثبيت احتلاله، وهو منافٍ لوجودنا وحقنا في الحياة.

وهنا نسأل: هل يجرؤ من أقام العلاقة الفنية مع «إسرائيل» على نقد جرائمها وممارساتها العنصرية واضطهادها شعبنا واقتلاعه من أرضه وعدم الاعتراف بحق عودته إليها، والضغط لتوطينه حيث لجأ؟… أليست هذه مسبّبات وجود الفلسطينيين في لبنان والشام والأردن وكلّ المشاكل الناتجة عن هذا الوجود؟ ثم أليس هذا هو جوهر قيام «إسرائيل»؟ فكيف نتبنّى إذن ما تدّعيه، تحت عنوان حرية الرأي وحرية التعبير!

إنّ بين العار والشرف فرقاً كبيراً، و«يا لذلّ قوم لا يعرفون ما هو العار وما هو الشرف».

عميد الثقافة والفنون الجميلة

في الحزب السوري القومي الاجتماعي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى