w

روزانا رمّال

لا تزال الأزمة الخليجية العربية مع دولة قطر في أوج محطات التحدي بين مختلف الاطراف التي تحمل على الدوحة مبررات القطيعة من وجهة نظرها. ففي وقت تبدو المملكة العربية السعودية رأس حربة الصراع الخليجي مع المواقف القطرية، خصوصاً لجهة دعم مشاريع الاخوان المسلمين وكذلك الإمارات، تأتي مصر لتذكر باستباقها للتموضع بوجه الخيار القطري الذي يدعم الإرهاب كما يؤكد المسؤولون في القاهرة، مع ما ترافق من اتهامات حول تدخل قطري في الثورة الاولى من بوابة دعم الاخوان المسلمين ودور قناة الجزيرة آنذاك في التأثير على الرأي العام المصري الذي وضع ثقته بالقناة لسنوات، قبل ان تبدأ مرحلة التموضعات السياسية والإعلامية عند قطر وعند الدول المقاطعة بأدوات متعددة.

لكن لا يبدو أن قناة الجزيرة بقيت وحدها في ممارسة لعبة التأثير والجذب واستغلال المنابر التي نجحت في التأسيس لرصيد وازن من المتابعين لصرفه أخيراً في خدمة السياسة من دون أن تنكر قطر هذا الدور، باعتبار القناة تخدم سياسة الدولة. فكان أن تعززت لعبة صرف نفس النفوذ الذي يعتمد على الثقة والتجربة الدقيقة في المجال الإعلامي لدى القناة ليبدأ بالظهور بالاستراتيجية نفسها على خط الأزمة العربية مع قطر، لكن هذه المرة من بوابة أعرق الصحف الغربية العالمية وبالتحديد الأميركية والبريطانية في مشهد لافت لجهة قبول هذه المؤسسات العريقة بالدخول على خط البيع والشراء والقبض والصرف والعرض للنشر مقابل مبالغ طائلة في صفحات مخصصة للحديث عن هذه الأزمة، وبكل ما يتعلق بنشر وثائق او معلومات متضاربة بين الطرفين تخدم الطرف الذي تستفيد منه الصحيفة.

تضع كل من قطر والسعودية مئات ملايين الدولارات في عقود مع شركات العلاقات العامة والاستشارات الإعلامية ببريطانيا واميركا تحت عنوان تحسين صورة كل منهما، لكن ذلك يكون عبر «الإساءة» لصورة الآخر وعبر تسابق هذه الشركات، وهي الممثل الرسمي لكلتا الدولتين على حجز مقالات الصفحة الأولى بالصحف المهمة التي لها باع طويل في التأثير على الرأي العام الدولي.

استطاعت قطر كسب منبر بحجم مجلة «الايكونوميست». وهي بمصاف أهم مجلة اقتصادية في العالم وصحيفة الاندبنديت البريطانية اضافة الى صحيفة واشنطن بوست الأميركية، مقابل كسب المملكة العربية السعودية منبر صحيفة نيويورك تايمز الأميركية والغارديان البريطانية مقابل عقود لنشر مقالات تحمل عناوين على سبيل المثال «انشقاقات في العائلة الحاكمة في قطر»، مقابل مقال للصحافي جمال خاشقجي في واشنطن بوست للتشهير بالأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي والسياسة الحاكمة، ككل بمنظار ان الجميع ضاق ذرعاً من هذه السياسة حتى مَن كان أقرب المقربين مثل «الخاشقجي».

الإعلام الغربي المهدّد بالإفلاس بدوره وجد نفسه امام فرصة «انقاذية» للاستثمار في هذا الملف، وبات الصحافي او المجلة او القناة التي تعاني من اي أزمة مالية امام فرصة لعرض منبرها مقابل السعر «الأعلى» للانضمام الى الجوقة نفسها.

وبما أن هناك معايير يعمل على أساسها الإعلام الغربي ولا يستطيع النشر بدونها، فإن العمل يجري حسب معلومات لمصدر إعلامي عربي كبير لـ «البناء» على أساس نشر فضائح «موثقة» فتكون فرصة أمام الرأي العام لمعرفة أمور لم يكن ممكناً معرفتها لولا هذه الفرصة. على سبيل المثال قرصنة «هكر» للبريد الالكتروني للسفير الإماراتي في واشنطن ونشرها معلومات حول موقف بلاده حول استضافة «طالبان»، في وقت صارت القضية احد عناوين التشهير الإماراتي لقطر ان الدوحة تدعم الإرهاب وتستضيف طالبان لينشر ما كان في الإيميل ليحكي العكس في التسريب.

من جهة أخرى، كمثال جديد نشرت الواشنطن بوست تقريراً حول خطة الأمير محمد بن سلمان تقول فيها إن خطة وزير الدفاع التنموية لعام 2030 «وهمية».

لكن المصدر يتابع بحديثه لـ «البناء» ليؤكد «ان كل هذا يجري على حساب «النزاهة» التي تأخذها الصحف الغربية بعين الاعتبار، لان هذه الصحف المذكورة تعمل حسب «معايير» لا يمكنها مخالفتها، حتى لو كانت تخدم السياسة، لأنها تشترط النشر اذا تقاطع مع تقديم مواد موثقة على اسس «وثائق» تمّ الحصول عليها عبر إدراج سفارات أو وزارات أو أجهزة مخابرات دولية، فيكون ذلك بمنظار هذه الوسائل فرصة لإعطاء الرأي العام مواد مثبتة أو مسندة كانت مخفية بين كواليس السياسة التي لم يكن ليتسنّى لهم معرفتها فتصبح المادة صحافية أو معرفية، هدفها نقل «واقعة» مثبتة ليست مفبركة. الآن وقت حرب «الفضائح» بين الأطراف، لكن ليس عبر «الشتائم» ولهذا ناتج إيجابي، لانه يعطي الشعوب فرصة معرفة معلومات كانت محظورة عنه لاختيار تموضعه عملاً بالثقة بهذه المنابر.

وبالمحصلة ترتكب هذه الوسائل فيما تقوم فيه نسفاً للأخلاق الصحافية في استغلال القضايا السياسية لتغطية مديونيتها. نذكر هنا صحيفة نيويورك تايمز التي كانت تعاني من أزمة مالية أوقفت على أثرها إصدار النسخة الورقية لتصبح مادة الكترونية.

مقال جمال الخاشقجي الذي أخذ حيزاً من الضجيج بين الرأي العام نشر على اساس أن اسمه يبرر النشر، لأنه مقرب من العائلة الحاكمة السعودية ولا تقوم الصحيفة باختلاق شهود عيان على أسس الاختلاق العربي الذي انتهجته أغلب الوسائل الاعلامية، خصوصاً في فترة الثورات العربية عام 2011.

الإعلام الغربي دخل الحرب بين السعودية وقطر من بابه العريض مستغلاً الأزمة السياسية في تغطية أزماته المالية التي عصفت بالإعلام في العالم كله مؤخراً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى