كردستان العراق و«هامش التراجع» الأميركي المحفوظ

روزانا رمّال

ربما يكون ملف انفصال كردستان عن العراق بالنسبة لأطراف النزاع في سورية احد ابرز الخيوط القادرة على تشكيل جبهة موحدة للمرة الاولى تجمع بينهم، بغض النظر عن الموقف الأميركي. وبهذا الإطار يصبح موقف روسيا وتركيا وسورية والعراق ومعها إيران أحد أكثر الدول المعارضة للتقسيم. وهي أرضية يمكن البناء عليها في التقدم باتجاه حل أشمل للأزمة السورية مع تسهيل مندرجات العمل السياسي بين الدول المذكورة التي قدمت مواقف حازمة باتجاه حسم مسألة التقسيم، لأن هذا من شأنه التأثير على باقي الملفات في المنطقة القادرة على طرح التقسيم كواقعية لن يحول دونها فك النزاعات أكان في اليمن او سورية وقبلها في السودان كما بات معروفاً.

لكن التقسيم الذي تقاومة الدول المذكورة امام الأميركيين هو خيار مجمّد بالنسبة لواشنطن لم يتم الغاؤه من ادراج العمل الاستخباري الأميركي «الإسرائيلي» الموجود في كردستان، حيث من المفترض ان تكون القوى «الديمقراطية» التي رعتها واشنطن عسكرياً في الحرب السورية إحدى خطوات التأسيس نحو الألف ميل باتجاه دولة مستقلة للأكراد يتغيّر على أثرها شكل ادارة السلطة في العراق التي يرأسها رئيس جمهورية من اصل كردي، في وقت كان هذا الخيار مخرجاً لإرضاء الطوائف على الطريقة اللبنانية.

انفصال كردستان فيما لو تمّ يعني سياسياً كسب «نصف نتائج الحرب» التغييرية القائمة منذ عام 2011 في المنطقة بالنسبة للأميركيين و«الإسرائيليين» الذين يضمنون على هذا الاساس الوجود على الحدود مع العراق كحديقة خلفية تنطلق منها كل مشاريع «إسرائيل» والحليفة الولايات المتحدة التي ترعى خياراتها مباشرة من تلك الأرض الى مجمل دول المنطقة. وهي نقطة ستعزز فيها الحضور الاستخباري الغربي «الإسرائيلي» الوازن بحيث تصبح قاعدة عسكرية مناسبة لانطلاق مشاريع تهدد إيران وتخرق استقرارها. وهو هدف لم يكن ممكناً تحقيقه في الحرب السورية.

تستطيع فكرة فصل كردستان عن العراق تحقيق أهداف استراتيجية كبيرة للمحور الغربي قادرة على خلق توازن في وجه القوى التي حمت سورية من الانقسام الذي بنيت عليه الحرب السورية. والمفارقة أن المساعدة التي قدمتها الولايات المتحدة الأميركية في القتال داخل الاراضي السورية تقاطعت مصلحياً مع اهداف الدولة السورية والنظام عسكرياً لتبدو بالمحصلة خطة التحرير من أجل إعلاء سقف المطالب في المنطقة ككل ككيان قادر على تغيير المعادلات.

نسف العلاقة بين العرب والأكراد ابرز الأهداف المرجوة من التقسيم او إنشاء دولة تتمتع بهوية ولغة وانتماء مغاير عن الجوار ليصبح الكيان الكردي نموذجاً أو هدفاً مناسباً لتبرير العنصرية بين العرب واليهود في الأراضي المحتلة. وهي اليهودية النابعة من الصهيونية، وبالتالي مؤاتٍ لتبرير نشوء كيان يهودي صرف واعلان القدس عاصمة لـ»إسرائيل».

اما واشنطن التي تبتغي الاقتراب اكثر من المحيط الإيراني حماية لموقع «إسرائيل» وتكريساً للحضور في المنطقة في أكثر من نقطة قادرة على تكريس نفوذها فيها وسط تصاعد الحضور الروسي فيها والمعروفة بعدم تمويلها لقوى عسكرية في المنطقة بشكل مباشر، فيما لو لم تكن هذه القوى تعمل لمصلحة أميركية أولى فهي ترى في انفصال الأكراد تهديداً جدياً مباشراً لخصومها أولاً وطريقة لرفع سقف المفاوضات حول سورية والعراق ثانياً، خصوصاً في ما يتعلق بالحدود، حيث تبتغي واشنطن الضغط على روسيا لتلعب دوراً أفضل في ما يتعلق بالوجود الإيراني في سورية وحزب الله على الحدود.

إيران التي تدرك جيداً ان الانفصال هو تهديد مباشر لها ارتأت إرسال رسائل مباشرة وسريعة قبل الاستفتاء بيوم واحد 24 ايلول 2017 عبر إطلاق مناورات برية للحرس الثوري الإيراني قرب الحدود مع كردستان العراق، بعد أن كانت أحزاب كردستانية أعلنت في اجتماع لها برئاسة رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني، تحديد يوم 25 أيلول لإجراء استفتاء شعبي حول الاستقلال.

اللافت أن قرار الانفصال مرفوض أميركياً في التصريحات السياسية الرسمية، وهي التي تتناقض بالكامل مع دعم الحالة الكردية العسكرية منذ بدء الأزمة في سورية، حيث يؤسس التزخيم العسكري لحضور سياسي قوي بشكل بديهي. وهو ما يزيد الأمر تعقيداً حيال الموقف الأميركي الذي يضع المسألة في إطار يحتمل الوجهين ويؤكد أن مسألة الاستفتاء ككل لما كانت لتكون من دون دعم غير معلن من قوى كبرى لاستحالة ان يواجه الاكراد قوى دولية بحجم القرار الذي لقي رفضاً من بغداد وعدد من الدول، أبرزها روسيا وتركيا وإيران.

الإدانة الأميركية لفكرة الانفصال الكردي عن العراق تعني انتفاء الثقة الأميركية بإمكانية النجاح في تحقيق هذا الهدف بحساب «خط الرجعة» امام الدول المجاورة وروسيا، لكنه ايضا تكريس للبراغماتية الأميركية التي تتصرف وفق ميزان القوى، بحيث تعطي واشنطن الضوء الاخضر لإجراء الاستفتاء الكردي وتراقب النتائج وبحال تطور الأمور ايجاباً بزخم كردي شعبي تضخ واشنطن جرعات سياسية من الدعم تحت شعارات الديمقراطية وضروراتها. وهو الأمر نفسه الذي جرى في مصر في الثورتين الاولى والثانية حيث تدعم السلطات في أول ايام الحراك، حتى ما تلبث لتعود وتصطف مع خيار الشارع لتحجز مكانة في الحالتين تكريساً للازدواجية كهامش ضروري. وهو ما ترغب واشنطن بتقديمه بالحالة الكردية التي تهدف فيما تهدف بالمحصلة لتقوية الحضور «الإسرائيلي» العنصري الواقع في أزمات وانتكاسات واضحة عززتها الازمة السورية ونتائجها على الحكومة «الإسرائيلية».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى