الحروب الثقافية المقبلة

أمين الذيب

تُجمع مراكز الدراسات، والمواقف السياسية المحلية والدولية، ووقائع الميدان في سورية والعراق، أنّ الحروب العسكرية اتّخذت مسارها الانحداري، ما يؤشّر إلى بداية نهاية الحرب، بسبب الانتصارات التي شكّلت وقائعَ جديدة، تُبنى عليها مسارات جديدة قد تكون أكثر خطراً وحساسية على مجتمعاتنا الشرقية. فموقعها الجيو ـ سياسي والجيو ـ استراتجي ـ اتقتصادي ـ ثقافي ـ حضاري ـ تاريخي، يجعلها مُستهدفة في لعبة المصالح الإقليمية والدولية، وهدفاً دائماً لمحاولات السيطرة على موارده، خصوصاً البشرية والحضارية.

في هذا السياق، تندرج الحروب السياسية والثقافية، كرديف وبديل عن الحروب العسكرية التي فشلت في تحقيق أهدافها المُعلن منها والخفيّ، تدمير وحدة المجتمع المشرقي وتفتيته إلى دول طائفية ومذهبية وإثنية جهيضة، يتسنّى من خلالها للدولة اليهودية أن تسيطر وتهيمن على مشروعها القديم الجديد والذي هو شعار محفور على مدخل «الكنيست الإسرائيلي»، «من الفرات إلى النيل حدودك يا إسرائيل»، والتي هي الجغرافيا السورية ذاتها، أي سورية الكبرى.

السيطرة على الغاز وممرّاته، وقطع الطريق على الغاز الروسي إلى أوروبا، مشروع نابوكو.

الحؤول دون تمكين الصين وحلف البريكس من استعمال خطّ الحرير القديم، البرّي والبحري، وأحداث مانيمار الحالية تقع في السياق ذاته.

لا بُدّ من أسئلة كثيرة، تُلزمنا البحث عن أجوبة لها، كي ندرأ عنّا أخطاراً وجودية ما زالت مُحدقة بنا، وتهدّد وحدة مجتمعنا، وتحرف انتماءه الوطني القومي عن أهدافه الوحدوية. مسألة الانتماء القومي، التي طغت عليها الانتماءات المتعددة من دينية ومذهبية وإثنية، والتي يمكن الإجابة عليها بقيام دولة مدنية مشرقية الطابع والمدلولات الحضارية التاريخية لهذا المجتمع الذي أسّس المدنية للعالم أجمع.

فكرة وحدة المجتمع، على قيم اجتماعية نهضوية تُعبّر عن حقيقة الشخصية المجتمعية القائمة على فلسفة الدورة الحياتية بين الإنسان والأرض التي تشكّل المُتّحد الاجتماعي السياسي الأخلاقي المُتشكّل عبر التاريخ كقيمة إنسانية راقية ومتقدّمة.

إيلاء الاهتمام للناشئة، وخصوصاً طلاب المدارس. والبرامج المدرسية، خصوصاً كتب التنشئة الوطنية، والتربية الوطنية، والتي تتضمّن اليوم: تنشئة دينية ومذهبية تفصل الطالب عن مفهوم الوطن والوحدة الوطنية، إضافة إلى نصوص، على سبيل المثال لا الحصر، في كتاب التربية الوطنية، «إسرائيل وعاصمتها القدس»!

الانتصار العسكري الذي تحقّق يستلزم أن تتكوّن ثقافة وطنية تحميه وتصونه، في العراق وسورية ولبنان، كي لا ندفع أثماناً في السلم لم نقبل أن ندفعها في الحرب.

كلّ مجتمع تتراخى فيه القيم الوطنية، يشكّل مدخلاً للطامعين بأرضنا، وبيئة حاضنة لمشاريعه التقسيمية والتفتيتية، ويبقينا في دوائر التخلّف والانحطاط، فتسهل الهيمنة على بلادنا.

لقد شكّل الانتصار على الرجعة التي عملت على تدمير حضارتنا وثقافتنا وتاريخنا، والتي بدت واضحة في تحطيم التراث الحضاري وسرقته على أيدي التكفيريين، أننا أمة حية لا يمكن أن تموت، ولا يمكن لكافة الموجات الغربية والإقليمية والتكفيرية أن تنال من إرادة الحياة لدينا.

نطرح مسألة تحصين شعبنا ثقافياً، على أسس وطنية وحدوية، وأن نرفع الخلل المتمثل بالمدارس الطائفية والمذهبية التي لا يمكن أن تُنتج سوى المزيد من التفتّت والانقسام.

شاعر وناقد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى