ترامب في UN: خطاب إدارة «مارقة»!

خليل إسماعيل رمَّال

أول دخولو شمعة ع طولو هي حال دونالد ترامب في إطلالته الأولى على العالم من خلال منبر الأمم المتَّحدة، حيث كان الظن أنَّه بعد أكثر من عشرة أشهر من التخبيص و التعفيص في البيت الأبيض سينتهز ترامب الفرصة لكي يُثبِتْ أنَّه رجل دولة بكلّ معنى الكلمة، لا رئيس تلفزيون الواقع كما كانت حاله خلال الأشهر المنصرمة!

لكن حسب رأي خبراء السياسة الأميركية ومنهم موظفون سابقون في سلك الخارجية والبنتاغون، ترامب خيَّب الآمال مرة جديدة وبعثر مصداقية رئيس أميركا الُمعيَّن هكذا زوراً قائداً للعالم الحر ، هذا العالم الذي يجب أنْ يوصف بالأحرى بالكر لا الحر بسبب تبعيته العمياء للسياسات الأميركية. غير أنَّ إحدى حسنات ترامب، إذا كان عنده ما يُسمَّى بالحسنات، أنَّه أحدث زلزالاً من التغيير في العقلية الذيلية الأوروبية والغربية التابعة لواشنطن بسبب صلفه وغروره، حيث جاءه الرد الذي ناقض كلامه، على الأقلّ في ما يخصّ الاتفاق النووي مع إيران، من فرنسا ماكرون!

في خطابه المارق حمل ترامب على إيران واصفاً إياها بزعزعة الاستقرار وبأنها دولة مارقة وأنّ الاتفاق النووي من أسوأ الصفقات وأكثرها انحيازاً في تاريخ أميركا، ملمّحاً إلى احتمال إلغائه ممَّا يرتب عواقب وخيمة على الولايات المتَّحدة والحلفاء. ولعلّ أفضل توصيف لخطاب ترامب جاء على لسان محسن رضائي، رئيس تشخيص مصلحة النظام في إيران عندما قال إنَّ نتنياهو الذي التقى بترامب قبل إلقاء خطابه هو الذي كتبه له. ولكن بعيداً عن الخطاب و الجعدنة الترامبية، لنر من هي الدولة المارقة هنا؟!

فإيران عادت إلى العالم بإطلالة قوية من بوابة الاتفاق النووي الذي استغرق عشر سنوات من التفاوض لإنجازه والذي يتمسك به الأوروبيون على أساس أنَّه أفضل الموجود، وأيّ إلغاء له من جانب أميركي واحد لن يُلزِم أوروبا بذلك ممَّا سيتسبّب بشرخ كبير بين حلفاء الناتو ، خصوصاً أنَّ دولاً لها ثقلها مثل ألمانيا وفرنسا بدأت تغرّد خارج السرب الأميركي ولو لم تستعد استقلاليتها الكاملة بعد كما فعل الزعيم الفرنسي الأسبق شارل ديغول. بالإضافة إلى ذلك فإنّ نسف الاتفاق من قبل ترامب سيعرِّض مصداقية أميركا للخطر ويجعلها دولة لا يُعتَدُّ بالتزاماتها وتعهّداتها التي قد تتغيّر وقد تنقلب على المواثيق والاتفاقات الدولية في أيّ وقت. ولهذا السبب لا يفاجئنا رفض العديد من موظفين حكوميين سابقين العمل في إدارة ترامب بسبب احتمال استقالاتهم السريعة عند التعامل الصعب مع الرئيس الذي هو قمة المشكلة!

ثم أنَّ إيران حالياً تُحارب الإرهاب التكفيري وتنتصر عليه وتقيم علاقات مع دول مارقة مثل تركيا وقطر للجمها من التمادي في دعم الإرهاب، وطهران أنقذت الدوحة من الحصار والتجويع وإلا لكانت نشبت الحرب الطاحنة، وحتَّى مملكة بني سعود رغم عدائها وحلفها مع تل أبيب أذعنت لضرورة إقامة علاقات مع طهران بينما ترامب نفسه كاد يشعل الحرب بين قطر والسعودية باستغلالهما معاً وهما غافلتان، بل ربَّما صاحيتان، عن هذا الاستغلال. وفي المقابل ساءت علاقات إدارة ترامب مع الكثير من الحلفاء بينما عزّزت إيران من علاقاتها مع دول بريكس والدول الأخرى المهمة في العالم وأصبحت قوةً إقليمية وازنة. كما أنَّ ترامب الذي لام سلفه بخلق داعش يبدو أنَّه يقف في سورية والعراق ضدّ القضاء الكامل على الإرهاب الوهَّابي وهذا هو موقف تل أبيب بالضبط، والسبب الحقيقي لاتهام إيران والمقاومة بزعزعة الاستقرار في المنطقة يعود إلى إنشاء منظومة ردع حديدية تزعزع استقرار إسرائيل .

فالمناورة العسكرية الإسرائيلية الكبرى التي قامت بها تل أبيب يبدو حسب التقارير الإعلامية الإسرائيلية نفسها أنها كانت مليئةً بالثغرات ولم تحلّ مشكلة كيفية الانتصار على المقاومة في أية حربٍ مقبلة. حتَّى طائرة إستطلاع من دون طيار حلقت فوق أجواء الجولان السوري المحتلّ لم يتمكن صاروخ باتريوت من إسقاطها ممَّا استدعى إرسال طائرة حربية لأجل ذلك!

فموقف ترامب متماشٍ ومتطابق تماماً مع موقف نتنياهو لكن الذي يحيِّر فعلاً هو أنَّ وسائل الإعلام الكبرى المتصهينة في أميركا التي يصفها ترامب بمصدِّرة الأخبار المزوّرة، تقف معارضةً بشدَّة لتعفيسات ترامب وتترصّده يومياً!

أمَّا الجزء الخطير الآخر في خطاب ترامب فهو دعوته إلى توطين اللاجئين في الدول الموجودة فيها حالياً، وهذا أيضاً حضّ إسرائيلي محض لأنّ التوطين هو أبو الأزمات في الشرق الأوسط ، ولأنّ اللاجئين هم قنابل موقوته تنتظر التفجير، وأيّ توتر ونزاع داخلي يفيد كيان العدو ويلهي الفرقاء عن التركيز على الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ولأراضٍ سورية ولبنانية. ولكن إذا كان التوطين مصلحة إسرائيلية فما هي المصلحة الأميركية في إبقاء فتيل التوتر مشتعلاً في المنطقة والذي قد يزعزع الاستقرار ويعرِّض مصالح أميركا للخطر؟! انها سياسة الصهر كوشنر وعصابة المحافظين الجدد والباقين منهم في الإدارة، التي ترى مصلحة إسرائيل أولاً وآخراً! وعلى الأقلّ مخطَّط التوطين في لبنان كان أحد أسباب الحرب الأهلية! قد تكمن مصلحة ترامب من وراء التوطين إعادة ابتزاز دول الخليج العربي بعد أنْ أنفق 400 مليار دولار او سينفقها على إعادة بناء ما دمّرته الطبيعة والأموال الحرام الطائلة التي جمعها من سلمان السعودي لم يكن فيها خير وبركة على ما يبدو وهو بحاجة للمزيد منها لإصلاح ما خرّبته الأعاصير.

ولكن إذا كان قلب ترامب على اللاجئين فلماذا منعهم من التوطن في الولايات المتَّحدة ويسعى جاهداً للقيام بحظر سفر إسلامي؟! ولماذا، إذا كان صادقاً وجاداً فعلاً في خطابه، لا يوطن 11 مليون شخص غير قانوني متواجدين في الولايات المتَّحدة ويُعرفون هنا بالحالمين Dreamers ؟ وماذا عن المكسيكيين وباقي اللاتين الموجودين بشكل غير شرعي هنا؟ لماذا لا يوطنهم؟! فترامب لم يرفض المهاجرين من المكسيك وباقي دول أميركا اللاتينية فحسب ووصفهم بأبشع النعوت، بل أنَّه يعمل على بناء جدار بين أميركا والمكسيك لمنعهم من التسلل إلى بلاده!

كلّ هذا ولم نتحدّث عن عدم وجود سياسة دبلوماسية ثابته غير استفزازية تجاه كوريا الشمالية وتهوّر ترامب الذي قد يفجِّر حرباً نووية معها لا تبقي ولا تذر!

دونالد ترامب هو آخر من يحق له الحديث عن الدول المارقة!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى