«فَعَلَها» البرزاني فصفّقت «إسرائيل»… وبدأ إقفال الحدود العراقية التركية الإيرانية عون من الأليزيه: أولويتنا عودة النازحين… وارتباك حريري بالسلسلة… وباسيل

كتب المحرّر السياسي

الحدث في كردستان والمنطقة برمّتها تحبس أنفاسها وترقص على صفيح ساخن. فالخطوة التي عزم رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني على المضيّ فيها حتى النهاية، رغم كلّ التحذيرات والنصائح تذهب بلعبة العبث بالجغرافيا والاستقرار في المنطقة إلى حافة الهاوية، وتضع أكراد العراق في مقدّمة المعرّضين لخطر خسارة ميزات استقلال فعلي كان لهم فيه برلمان وحكومة وجيش ومالية، وسيطرة غير شرعية على موارد النفط، وانتعاش اقتصادي وعمران وازدهار سياحي واستثماري حتى قورنت أربيل بدبي، ليحلّ مكان كلّ ذلك قطع موارد النفط، وإغلاق أجواء ومعابر برية ومناورات عسكريةز والمشهد الذي لم يجد له مصفقاً إلا «إسرائيل»، وجد دعماً إعلامياً غير ظاهر من القنوات السعودية والإماراتية، بينما تلاعبت واشنطن بالأكراد بإيفاد شخصيات مثل زلماي خليل زادة وسفراء سابقين يرافقونه لمشاركة البرزاني احتفالات الاستفتاء، وبقيت التصريحات الرسمية تراعي عدم القطيعة مع العراق وتركيا، فيما لو تمّت المجاهرة بالتأييد للانفصال، لتكون مقامرة بالأكراد يدفعون ثمنها، والأميركي و»الإسرائيلي» يلعبان بالوقت الذي ينفد من صندوق داعش ويراد استبداله بصندوق الأكراد لإرباك المنطقة وقواها، خصوصاً محور المقاومة وانتصاراته، وضمان بعض الطمأنينة للقلق «الإسرائيلي».

فعلها البرزاني، وصفقت «إسرائيل»، وبدأت الخطوات التي تضمّنتها الخطة العراقية التركية الإيرانية تسلك طريقها، فأعلن الرئيس التركي رجب أردوغان إقفالاً متدرّجاً للمعابر البرية والجوية ولبيع النفط المتدفق من كردستان، وبدأت إيران بإقفال الأجواء وأطلقت مناورات عسكرية على الحدود، ومثلها فعل الجيشان التركي والعراقي، ودخلت المنطقة في شدّ حبال قال الرئيس التركي إنّ الخيار العسكري فيه موضوع على الطاولة عند الضرورة.

في سورية ميدان يحقق المزيد من الانتصارات، خصوصاً في ريفي إدلب والرقة ودير الزور لحساب الجيش السوري والحلفاء، ومواقف سياسية لوزير الخارجية السوري وليد المعلم، تضع تركيا في امتحان إثبات النية بتصحيح المواقف عبر بوابة أستانة والمسؤوليات التركية في إدلب، وتؤكد الحلف المتين مع روسيا وإيران والمقاومة، مشيراً إلى أن سورية دخلت مرحلة كتابة الفصل الأخير من الحرب، وأن تغيّر مواقف الدول التي شاركت في الحرب بات ملموساً، مؤكداً أنّ مشاركة الأوروبيين في إعمار سورية مشروط برفعهم للعقوبات الظالمة التي فرضوها على سورية، مشيراً إلى لقائه بوزير الخارجية جبران باسيل كتعبير طبيعي عن علاقات البلدين، معبّراً عن راحته لمضمون اللقاء.

لقاء المعلم – باسيل لا يزال مصدر ارتباك لتيار المستقبل ورئيسه رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي أوكل مهمة تناول اللقاء لوزير الداخلية نهاد المشنوق منعاً لتصعيد العلاقة مع باسيل والتيار الوطني الحرّ، ومع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على وجه الخصوص، الذي فتح من باريس ملف عودة النازحين، مؤكداً أن هذا الملف أولوية للعهد، فيما قالت مصادر مطلعة إن رئيس الجمهورية سيحمل إلى الحكومة بعد عودته من باريس مخارج جدية لارتباكها في قضيتي النازحين ومن خلالها العلاقة مع سوريا من جهة، وسلسلة الرتب والرواتب ومن خلالها قضية الموازنة والضرائب من جهة ثانية، وأن المخارج ستراعي بعضاً من إحراج رئيس الحكومة، لكنها لن تساوم على الثوابت، كدفع الرواتب وفقاً لقانون السلسلة، وضمّ الضرائب للموازنة، أو كفتح قناة التنسيق الحكومية الرسمية مع الحكومة السورية في ملف النازحين، ولم تستبعد أن يستخدم رئيس الجمهورية صلاحية توجيه رسالة للمجلس النيابي بصدد ملف الضرائب والموازنة، أو أن يستخدم حقه بإيفاد وزير الخارجية كمبعوث رئاسي إلى دمشق.

اتجاه حكومي الى دفع السلسلة وتعليق المادة 87

على وقع الإضرابات التي عمت مختلف القطاعات النقابية والعمالية والتربوية أمس وتستمر اليوم، تتجه الأنظار الى السراي الحكومي والى القرارات التي من المتوقع أن يتخذها مجلس الوزراء في جلسته برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري لمواجهة الأزمة التي خلفها قرار المجلس الدستوري إبطال قانون الضرائب، بينما يترقب موظفو القطاع العام مصير سلسلة الرتب والرواتب التي أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمس، بأنها «ستُطبق واذا حصل بعض التأخير التقني فيها سيتم استدراكه في وقت لاحق من خلال الاعتمادات المتوافرة لدى وزارة المال». بينما قال رئيس المجلس النيابي نبيه بري إن «حكم» «الدستوري» لم تأت به الملائكة»، مشيراً إلى أن «المجلس النيابي هو الذي يسنّ القيود دستورياً وليس مَن تُسنّ عليه القيود».

فما هي خطوات مجلس الوزراء التي ستسمح بصرف الرواتب وتراعي الثغرات التي حدّدها المجلس الدستوري في قراره؟ وهل سيتّجه مجلس الوزراء الى تعليق المادة 87 من الدستور لتسهيل إقرار الموازنة وضمّ الضرائب الجديدة إليها، كما أوصى الدستوري؟

مصادر وزارية مطلعة قالت لـ «البناء» إن مجلس الوزراء سيتخذ إجراءات طارئة اليوم للخروج من الأزمة، وأبرزها:

تعليق المادة 87 من الدستور لثلاثة أو أربعة أشهر لتسهيل إقرار الموازنة، وبالتالي ضم الضرائب الجديدة الى الموازنة، والمادة المذكورة تلزم الحكومة بقطع حساب الموازنات السابقة قبل إقرار الموازنة. وبرأي المصادر تكون الحكومة بذلك قد خطت الخطوة الأولى على طريق تنفيذ قرار المجلس الدستوري.

ثانياً: سيعلن مجلس الوزراء التزامه بتنفيذ سلسلة الرتب والرواتب لوجود قانون من المجلس النيابي، وبالتالي لا تستطيع الحكومة إيقاف العمل بالقانون إلا بقانون وليس بمرسوم.

ثالثاً: البحث عن إيرادات ضريبية جديدة لصرف الموازنة والسلسلة وتعديل الأخطاء الواردة في قانون الضرائب، كما ورد في قرار الدستوري المتعلّقة بالضرائب على الأملاك البحرية وعلى مداخيل الشركات الكبرى.

وأكدت المصادر أن «السلسلة ستدفع هذا الشهر، وأن الرئيس عون مصرّ على تنفيذ قانون السلسلة بعد الأخذ بتعديلات المجلس الدستوري».

وعلمت «البناء» أن «اتصالات ولقاءات مكثفة تمت خلال اليومين الماضيين على خط بعبدا عين التينة بيت الوسط وبين رئيس الحكومة ووزير المالي علي حسن خليل، لتدارك الأزمة واحتواء الغضب الشعبي الذي يتّسع في الشارع، لا سيما بعد أن شاهد المعنيون حجم المشاركة الواسعة في إضراب أمس».

لكن ماذا لو لجأ عشرة نواب الى الطعن بتعديل المادة 87 أو بالتعديلات الجديدة على الضرائب؟ فهل ستتجدّد الأزمة الشهر المقبل؟

خبراء ماليون أوضحوا لـ «البناء» أن «مسألة تعديل أو تعليق الدستور ليست سهلة في ظل التجاذبات السياسية في البلد، ويشكّل سابقة قد تتكرّر في أي أزمة مالية أو سياسية في المستقبل». وأشاروا إلى أن «تعليق العمل بمادة في الدستور تشوبها بعض الإشكالات القانونية وتفتح المجال أمام تقديم طعن جديد إلى المجلس الدستوري، الأمر الذي سيخلق ازمة جديدة».

وتساءل الخبراء: ماذا لو استمر تعليق المادة 87 إلى وقت طويل وأُقرت الموازنة من دون قطع الحساب؟ فماذا عن مصير مبلغ الـ11 مليار دولار التي صرفت من خارج الموازنة في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة؟ وكيف سيُستردّ المال العام الى خزينة الدولة ومَن سيحاسب على هذا الهدر؟

ولفت الخبراء الى أن «مجلس الوزراء بات ملزماً دفع السلسلة بموجب القانون الجديد الذي تمّ نشره في الجريدة الرسمية»، ورجحوا أن يلجأ المجلس في جلسته اليوم الى اتخاذ قرارات تخفيض الإنفاق كتمويل جمعيات وهمية وإيجارات مبانٍ لحساب الدولة ومستشارين لا عمل لهم في الوزارات».

ولفتوا إلى أن «الحكومة تحاول تمرير ضرائب جديدة على المواطنين بحجة دفع سلسلة الرتب والرواتب من دون اعتماد سياسة الإنفاق، حيث يذهب جزء كبير من موازنات الوزارات كإنفاق على المقرّبين من الوزراء والنواب والسياسيين».

ورجّحت المصادر أن تعمل الحكومة على تصحيح قانون الضرائب وضمّها إلى مشروع الموازنة. وفي السياق كشف وزير العدل سليم جريصاتي لقناة «أو تي في»: أن العمل بدأ على صياغة جديدة للضرائب لإقرارها مجدداً».

وأعلن وزير المالية علي حسن خليل أن الوزارة حضّرت جداول دفع الرواتب وفق السلسلة الجديدة التزاماً منها بالقانون النافذ، وأنه سيؤكد على هذا الأمر في جلسة مجلس الوزراء اليوم، كما أنجز الوزير خليل التعديلات المتعلقة بالضرائب التي أشار إليها قرار المجلس الدستوري تمهيداً لإقرارها وفق الأصول.

.. والإضراب مستمرّ

ويبدو أن الإضرابات والاعتصامات آخذة في التوسّع بعد انضمام الكثير من نقابات العمال والمؤسسات التربوية الخاصة والرسمية، ونفذ الاتحاد العمالي العام وموظفو الإدارة العامة وهيئة التنسيق النقابية إضراباً عاماً أمس، مطالبين السلطة بصرف الرواتب الجديدة، كما أقرّت في سلسلة الرتب والرواتب، وأعلنوا استمرار تنفيذه تحذيرياً غداً اليوم.

وأعلنت رابطة موظفي الإدارة العامة، الإضراب المفتوح في الإدارات كلها ابتداء من اليوم، الى حين اتخاذ القرار بتحويل رواتب موظفي القطاع العام على أساس القانون رقم 46.

تفاعل سجال باسيل – المشنوق

على صعيد آخر، تفاعل الاشتباك السياسي بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل على خلفية لقاء وزير الخارجية جبران باسيل ووزير الخارجية السوري وليد المعلم. وبعد أن ردّ الوزير باسيل على تصريحات وزير الداخلية نهاد المشنوق بأنها «تندرج في إطار الصوت التفضيلي لا أكثر ولا أقل»، اتخذ وزير الداخلية من دار الفتوى منبراً للتصويب على باسيل وعلى رئيس الجمهورية، حيث أكد أن لقاء باسيل – المعلم «يضرّ بالتضامن الحكومي، ويخالف التسوية السياسية التي قامت عليها الحكومة».

وقال بعد لقائه مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان: «ما جرى يعبّر عن تحوّل سياسي كبير وليس عن خلاف صغير داخل الحكومة»، في حين أوضح عضو كتلة المستقبل النائب أحمد فتفت من وزارة الداخلية «أن أحداً لن يجرّنا إلى المحور السوري – الإيراني».

وقالت مصادر حكومية لـ «البناء» إن السجال حول لقاء باسيل – المعلم وملف النازحين لن يطرح في جلسة مجلس الوزراء اليوم، وأشارت الى أن «هذا الملف سيبحث في جلسة مقبلة في بعبدا بعد عودة رئيس الجمهورية من فرنسا»، غير أن مصادر بعبدا أشارت لـ «البناء» الى أن «الرئيس عون مصرّ على التنسيق بين الحكومتين اللبنانية والسورية في ملف النازحين ولن يتراجع في هذا الملف لإعادة آخر نازح سوري الى سورية في أقرب وقت». ويأتي موقف عون هذا بعد أن استشعر خطراً خلال وجوده في الأمم المتحدة من مشروع أميركي «إسرائيلي» لتوطين اللاجئين في الدولة المضيفة. الأمر الذي أعلنه الرئيس الأميركي بوضوح»، ولفتت المصادر الى أن «الرئيس عون مصرّ رغم اعتراض بعض القوى السياسية التي ستقر في النهاية بصوابية رؤيته، فلا يمكن اللعب في هذا الملف»، مؤكدة أن «الرئيس عون سيتوصل مع الرئيس الحريري الى صيغة للتنسيق مع الحكومة السورية رسمياً»، مستبعدة «سقوط الحكومة او اهتزازها، فلا مصلحة لأحد بذلك».

عون من الاليزيه: لبنان لن يقبل التوطين

واعتبر الرئيس عون أن «عودة النازحين تكون في عدم تحويل القضية أمراً واقعاً للتوطين، لأن لبنان لا يمكن أن يقبل بهذا الأمر تحت أي ظرف كان»، لافتاً الى «أن الهدف من عودة النازحين يكمن في إنهاء معاناتهم الإنسانية، خصوصاً أن لا قدرة للبنان على تأمين متطلباتهم».

وأكد عون بعد لقائه نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون من الإليزيه أن «تطبيق القرار 1701 هو أولويتنا للحفاظ على السلام في المنطقة ونحيي الدور الهام الذي تلعبه القوات الفرنسية ضمن قوات اليونيفيل»، مشيراً إلى «أننا توقفنا سوياً عند أهمية عودة النازحين السوريين إلى بلادهم وأبلغت الرئيس ماكرون أننا مع العودة الآمنة لهم».

وأشار الى أن «الحرب في سورية باتت قريبة من وضع أوزارها، وبوادر الحل السلمي بدأت تلوح في الأفق، وننتظر نجاح المفاوضات، كاشفاً أنه أثار موضوع الصراع العربي الإسرائيلي، حيث لا زالت «إسرائيل» تخرق السيادة اللبنانية في تحدٍّ فاضح للقرارات الدولية.

من جانبه أعلن ماكرون «اننا سنعمل مع لبنان والأمم المتحدة على مواجهة أزمة اللجوء السوري»، لافتاً الى «ان لبنان عانى كثيراً ونحن سنعمل للتوفير عليه الدخول في الأزمات المحيطة به».

وأكد «أننا سنعمل من اجل حل سياسي للأزمة السورية وعلى مواجهة أزمة اللجوء السوري ونشيد بجهود لبنان في استقباله للنازحين»، معتبراً أن «لبنان يحمل اليوم عبئا ثقيلاً من خلال استقبال النازحين السوريين وغياب أي حل في سورية يمنع عودتهم ونتمنى أن نجد حلاً سياسياً للازمة».

وأشار ماكرون الى «أن سياسة النأي بالنفس التي تتبعها الحكومة اللبنانية هي أفضل وسيلة للمحافظة على الاستقرار». وكشف «أننا سنعمل على إقامة مؤتمر جديد لدعم لبنان لتشجيع المستثمرين وتحريك العجلة الاقتصادية في البلاد».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى