لن تتوقف الجرائم في وطن تخطّت أخلاقه الخط الأحمر

د. أحمد عياش

جريمة بسكنتا التي أدّت لمقتل سيدة من آل خوري على يد خادمتها الأجنبية تفتح من جديد النقاش حول تكرار الجرائم في لبنان على يد عاملات أو عاملين بصفة خدم أو مستخدمين أو ما شابه ذلك. وكنا تقدّمنا بكتاب إلى الأمن العام اللبناني بتاريخ 21 أيار 2017 نلفت به انتباه الأمن العام، وبصفتنا طبيباً نفسياً ومتابعاً اضطرابات اللبنانيين ومعاناة الأجانب النفسية، إذ شرحنا بكتابنا عن ضرورة طلب تقرير طبي نفسي في البلد الأم للعاملات أو العاملين الأجانب يوضح خلوهنّ أو خلوهم من الأمراض النفسية، وليس فقط خلوهنّ من الأمراض المعدية. فالعمل في البيوت وبين العائلات اللبنانية ليس بالأمر السهل أبداً. فمعظم اللبنانيون أصبح على درجة عالية من التوتر النفسي والعصبي تخطّى الخط الأحمر النفسي بحكم العيش المهين في بلاد تفتقد للماء والكهرباء والكرامة الإنسانية، بالإضافة للقمامة ومشهدها القبيح المستفز للمشاعر الإنسانية والعامل على رفع توتر النفس البشرية عامة.

ومن أجل كل هذا فعلى اللبناني أيضاً الذي يودّ استضافة عاملة أجنبية في بيته أن يحصل الكفيل على تقرير من طبيب نفسي يوضح قدرة الأخير على التعامل باحترام أولاً مع خادمته، وثانياً أنه لا يعاني من أمراض نفسية أو شذوذ جنسي على سبيل المثال فقط. فالعلاقة كفيل خادمة – عمل يجب أن تكون محكومة بضوابط ومنظمة بقانون ومراقبة طبياً ونفسياً. والأسوأ في الموضوع أن شركات التأمين، وهي المعروفة بتلاعبها لا تغطي معاينات الطب النفسي، ليس للعمال الأجانب فقط بل وأيضاً للبنانيين، مما يجعل الرقابة والعناية الطبية النفسية أبعد ما تكون عن الصحة النفسية، ويجعل اللبناني والأجنبي أقرب ما يكون للجريمة أو ما شابهها… فمن المعروف أن أي رب عمل ليقبل سكريتيرة كحد أدنى يجري لها مقابلة ليقبلها أو ليرفضها فكيف الحال إن كانت تلك العاملة ستسكن بيت رب العمل لتكون أحد عناصر حركة العائلة ومالكة أسرارها والأمينة على المنزل عند غياب الجميع…!؟

إنّ ما تتحمّله العاملة أو العامل الأجنبي السويّ من «هضامة» اللبناني السويّ أو غير السويّ لا تتحمّله الجبال. هذا عدا التحرش الجنسي والعنصري والتمسخر على الآخر المعروف، بها اللبناني المتهاضم… طبعاً، لا نتحدّث عن اللبناني المواطن الصالح، بل نتحدّث عن ذلك اللبناني المقهور في وطنه والمضطرب نفسياً، والذي يعبر عن احتقانه باحتقاره الآخر…

وقد ردّ الأمن العام اللبناني على كتابنا بتاريخ 03 تموز 2017 موقعاً من الرائد فرنسوا الأسمر، يقول الكتاب: إن وزارة العمل ستبدأ بمفاوضة شركات التأمين لتشمل خدماتها الطب النفسي للعاملات الأجنبيات في المنازل. وأما في ما خصّ التقرير من طبيب نفسي للعاملة فمن صلاحية وزارة العمل…

ولم نكتفِ بذلك، بل رفعنا كتاباً أيضاً لوزير الصحة السيد غسان حاصباني بتاريخ 07 آب 2017 وزدنا عليه ما جاء في كتاب الأمن العام اللبناني. وما زلنا في انتظار ردّ الوزير!

فالمسألة في الجوهر مسألة عنف وعدوانية وأمراض نفسية. انظر كتاب «الشر والجريمة»، دار الكتاب اللبناني والمصري . وهذا من جوهر عمل وزارة الصحة…

لا نفهم المعنى والمغزى من وجود خادمة وسط عائلة أفرادها أصحاء ويستطيعون خدمة أنفسهم. فالخادمة عليها أن تكون وسط عائلة لديها حاجات واقعية وحقيقية للخدمة كالمرض أو غياب الأبناء بداعي السفر على سبيل المثال، وليس من واحبات الخادمة المسحوقة في لبنان أجر متدنٍّ جداً أن تأتي بالنرجيلة لسيدة المنزل وأن تعمل في بيت أخيها وأمها. وعادة ما تكون تلك السيدة مليئة بالعقد النفسية وتعاني من اضطرابات في المزاج وما على الخادمة المسكينة إلا التحمّل…

وأيضاً والأهم كيف تقبل وزارة العمل الموقّرة عاملات لا يُجدنَ اللغة العربية ولا الإنكليزية أو الفرنسية للعمل في البيوت. فالعائق الأول في علاقة بين إثنين هو التعبير بلغة محكية، وليس بالإشارات والابتسامات، لأن العبوس والغضب واللكم والضرب أيضاً لغة إشارات متخلّفة من زمن ما قبل تطوّر اللغة المحكية…

أيّ قانون هو ذلك القانون الذي يُحجز بالتذرع به جواز السفر لإنسان؟ وأي مكتب خدم هذا الذي يضرب الخادمات بحجة أن الأفارقة السود لا يفهمون إلا بالضرب! وأي أخلاق تلك التي تجعل تلك العاملات يتعرّضنَ للتحرش والاغتصاب والاستغلال الجنسي وينمن على الشرفة أو قرب الحمام؟…

الجرائم ستتكرّر ولن تتوقف، لأن المعالجة لموضوع الخدم كباقي المعالجات إجرامية أكثر من الجريمة، لذلك نبشركم بوطن العلاقات الإنسانية فيه انحدرت إلى مستوى خطر جداً..

طبيب نفسي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى