ضغط أميركي على إيران قبل التسويات من أفغانستان وصولاً للبنان

روزانا رمّال

بتوقيت متقن تشتغل الولايات المتحدة الأميركية على تزخيم ثوابتها وإعادة تفعيل ما من شأنه إحداث توازن مناسب يسمح لعدم احتساب نقاط الفشل والربح مقصداً لقراءة الاستراتيجية الأميركية التي اهتزّت في أكثر من ملف إقليمي وازن، أكان لجهة الحضور الروسي المباغت لحظة القدوم الى سورية بعتاد عسكري حربي فاعل في ايلول 2015 أو لجهة الفشل في منع إيران من استكمال طريقها النووية وإذ بها تشارك وترعى المؤتمرات التي أفضت الى الوصول لصيغة اتفاق نووي بينها وبين دول الغرب يؤسس لعلاقة جدية معها.

الولايات المتحدة الأميركية التي صار تعاطيها مع حلفائها في المنطقة واقعاً ضمن اطار الاولوية وحفظ الأمن الحيوي لها في المنطقة وتأمين أمن «إسرائيل» بدلاً من المشاريع التوسعية التي تحضر عبرها مباشرة الى الارض سياسياً وعسكرياً، بدأت في الانكفاء منذ لحظة تسلّم الرئيس الأميركي باراك اوباما الحكم. وهو كان قد وعد في برنامج عمله الانسحاب من العراق وأفغانستان وتوصل لإيجاد حل مع إيران إضافة الى حل النزاع التاريخي بين الولايات المتحدة وكوبا. هذا بغض النظر عن نتائج هذه الخطوات على الأصعدة كافة إلا أن المتغيرات كانت واضحة الأثر.

تأتي الإدارة الأميركية الجديدة بظلّ حكم الرئيس ترامب لا لتغيير ما قام به أوباما تبعاً لخيار المؤسسة الأميركية الحاكمة وفق المصلحة العليا للدولة العميقة، بل لتحفظ ما يمكن له أن يُعيد هالة الصورة والحضور وسط الخيار الروسي الذي صار مستساغاً لدى دول المنطقة، بل وتتعاطى معه بتقبّل بما أشبه الأمر الواقع الجديد في الوقت الذي تبدو فيه أجواء التنسيق الأميركي الروسي حاضرة في بعض المحطّات بما لا يشبه الاتفاق منه إلى الواقعية التي تجنح نحوها الإدارة الأميركية غالباً في التعاطي مع الأحداث، فإذا كانت المصلحة الأميركية تقتضي تسليم الروس لنفوذ جديد في المنطقة بناء على تفوّق روسي محسوب، فإن هذا هو أحد الخيارات التي تختارها واشنطن من دون تردّد وهذا ما يبدو اليوم واقعاً بظل التقارب الحاصل بين السعوديين والروس على خط حل الأزمة السورية، وما تمثله المملكة من حليف وازن للأميركيين في المنطقة. لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التاريخي بأول ملك سعودي يزور روسيا هو الملك سلمان، فيه الكثير مما يشرح المرجعية الروسية الحاكمة في المرحلة المقبلة وتقبّل حلفاء واشنطن هذه النتيجة.

لكن وبالمقابل، فإن لهذه النتيجة جوانب أخرى غير قابلة للخضوع ضمن هذه الخلاصة لا عند واشنطن ولا عند حلفائها. وهو ما يتعلق بالعلاقة مع إيران ومنطق الحضور الإيراني بعد التصفيات والتسويات الأخيرة. وإذا كان ممكناً تقبل التفوق الروسي، فإنه من غير المقبول على ما يبدو القبول بأن يُحسب هذا التفوّق لصالح الإيرانيين كحلفاء أساسيين للروس، اضافة الى انه صار مؤكداً أن مسألة حسم الحل السوري بظل وجود الرئيس الاسد هو أمر واقع حتماً عند كل الاطراف الدوليين، وها هو الملك سلمان يشيد بمباحثات استانة التي تقودها موسكو من قلب العاصمة الروسية. وهو ما يعني قبول الحل بالمنظار الروسي أو تحت مظلته التي تعني الحفاظ على الأسد رقماً صعباً في المعادلة.

قبول التفوّق الروسي وبقاء الأسد أسهل على الأميركيين وحلفائهم في المنطقة من تقبّل التفوّق الإيراني، نظراً لما في ذلك من مخاطر على الأمن «الإسرائيلي» الحليف الأول للأميركيين وللمنافسة الحاصلة خليجياً والحساسية المطلقة من إيران. وعلى هذا الأساس بدأت ايحاءات التصعيد الأميركي تستبق الحلول السياسية التي اقتربت أكثر نحو المنطقة لتبدو صورة متشنّجة تجاه إيران، وعلى المقلب الآخر هادئة ومتقدّمة تجاه روسيا.

كل هذا لتأكيد أن الأميركيين لم ولن يسحبوا أوراقهم من دون تأكيد الثوابت الاساسية التي لا تترك لروسيا هامش التفوق وحلفاءها إلى حد يلغي الولايات المتحدة وحلفاءها. وعلى هذا الاساس قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب إعادة تثبيت الحضور «المعنوي» للأميركيين في افغانستان بإعادة نشر بضعة آلاف من الجنود الأميركيين فيها بعد أن كان الانسحاب منها بناء على موعد محدد نهاية العام الماضي هو التوقيت الذي ينهي الوجود الأميركي العسكري في المنطقة. والتهديد يُضاف الى هذا التلويح المستمر بنسف الاتفاق النووي بين طهران والغرب. وهو الأمر الذي يهدّد فيه ترامب باستمرار وعند كل مناسبة في أقوى ردّ على رفض اي نوع من ارساء مشاعر التفرّد الإيراني بمصير محيطها بعد انفتاح الدول الاوروبية عليها.

تُضاف الى ذلك أيضاً محاولة دعم الانفصاليين الأكراد للتلويح بالخطر أمام الإيرانيين ثاني أكثر المتضررين بعد الاتراك من الملف، وصولاً الى اعادة ضخ الحياة معنوياً الى العلاقة التي تجمع بين الأفرقاء اللبنانيين حلفاء الرياض والسعودية والذين يشكلون خصوم حزب الله حليف إيران في البلاد لتبدو ايضاً مسألة إنشاء تيار شيعي جديد يتحضّر لخوض المعركة السياسية والانتخابية واحدة من محطات الضغط على إيران وحلفائها. والتأكيد قبل اي تسوية أن واشنطن لن تترك الساحة خالية لإيران من افغانستان حتى لبنان، ليبقى السؤال عن قدرة هذه الضغوط والمشاريع الانفصالية التي تبدو أنها ولدت ميتة في أن تشكل فعلاً رادعاً بوجه الصعود الإيراني.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى