إدلب 2017… الاسكندرون 1937!

محمد ح. الحاج

لم أستطع فهم الشعور الذي اجتاحني وأنا أشاهد على الشاشة الصغيرة قوافل آليات عسكرية ترفع العلم التركي وتدخل عبر المنافذ الحدودية إلى الداخل السوري، يقول الخبر إنّ هذا الدخول يجري بموافقة الدول المتباحثة في أستانة لفرض منطقة خفض توتر في إدلب…! وكنا نعتقد أنّ المقرّرات هي استبعاد النصرة «هيئة تحرير الشام» من أية تسوية، لكن قوات النصرة كانت ترافق القوات التركية وتستقبلها…! هل جاءت تركيا لتحارب الفصيل الإرهابي حسب التصنيف العالمي أم لحمايته، أم لتجميله وتغيير الاسم والراية ثم لتستثمره؟

كما لو أنها مطرقة، بدأت الأفكار تتوارد وتدفع بي إلى استعادة مجريات الأحداث التاريخية في سنجق الاسكندرون ما بين الأعوام 1932 حتى 1939، وإجراء مقارنة ما بين الماضي والحاضر، وهي مقارنة تفرض نفسها بقوة بسبب تشابه التصريحات في الحالتين، وأيضاً الظروف، حتى ولو خرج كثير من الناس على قولي هذا معترضين أنّ روسيا ليست فرنسا، ولو أنني أشيد بموقف فرنسي أعلن في حينه أنّ التنازل عن السنجق ليس من حق فرنسا، وأنّ فريقاً سورياً هو من طلب ذلك، واتهموا حكومة الشيخ تاج الدين الحسيني وكانت غايته التخلص من شريحة معينة من السوريين هم أغلبية سكان اللواء إضافة إلى الضغوط البريطانية لضمان الملاحة في المضائق التركية وجذب الحكومة التركية إلى جانب الحلفاء!

هل نكتشف يوماً رغبة روسية لضمان الملاحة في المضائق وتعاون تركي مع الروس وابتعادهم عن الناتو، وأيضاً نكتشف أنّ هذا الأمر يستحق مكافأة بحجم محافظة إدلب؟

بعد التجميع الذي حصل لكثير من فصائل التخريب من كلّ المحافظات وضمان نقل هؤلاء إلى محافظة إدلب مترافقاً، بل، مسبوقاً بهجرة واسعة لأغلب سكان إدلب ممّن يؤيدون الدولة أو يقفون على الحياد، وما يتمّ الهمس به من أنّ أصول أغلب هؤلاء تركمانية فقد لا يمكن استبعاد التزامهم ومطالبتهم باستمرار الوجود التركي للحماية في الظروف الحالية وقد يمتدّ الوجود لسنوات يختفي معها شعور الارتباط بالدولة السورية وبعدها من يدري ما تؤول إليه التطورات؟

في ثلاثينات القرن الماضي أعلن وزير الخارجية التركي أمام مجلس عصبة الأمم أن لا أطماع لتركيا في أراضي سنجق الاسكندرون وإنما الغاية الحفاظ على حقوق الأقلية التركية فيه، وثبت بعدها أنه كاذب هو وحكومته، ورغم إعلان المندوب الفرنسي رفضه متسلّحاً بأنّ صكّ الانتداب لا يسمح لفرنسا ولا يبيح لها التصرّف بالأراضي والحقوق الوطنية المنتدبة عليها وبالتالي استقالته، فقد رضخت فرنسا تماشياً مع تحقيق مصالحها ومصالح الحلفاء وعقدت مع الحكومة التركية اتفاقية تنازلت بموجبه عن اللواء، ولما لم تعترف الحكومة السورية لاحقاً بعد الاستقلال وقدّمت الطعون بصحة الإجراءات والاستفتاء… ما أدّى إلى استمرار القضية معلقة في أدراج العصبة وبعدها الهيئة، فإنّ تركيا ما زالت تحتلّ اللواء وتؤكد أنّ أطماعها لن تتوقف عند حدّ، وكما تنبأ أنطون سعاده فإنّ حيوية التمدّد التي لا تجد من يصدّها سوف تستمرّ ولو بعد حين…

الدخول العسكري التركي إلى إدلب اليوم، هل هو مقدّمة، وهل يشبه الدخول العسكري عام 1937 أم أنّ هناك ضمانات لدى الحكومة السورية، ومتى كان العالم يحترم الضمانات في زمن القوة؟

على خطى وزير الخارجية التركي قبل ثمانية عقود، يصرّح داوود أوغلو وبعده بن علي يلدريم أنّ تركيا حريصة على سلامة الوحدة الإقليمية سواء لسورية أو العراق، بينما لمّح أردوغان أنّ هذا الاعتراف يترافق بكثير من الألم…! إذن، هي الظروف تجبرهم على قول كهذا وما من ضمانة عند تبدّلها، وهذا محكوم بموازين القوة والضعف في المنطقة، الوجود التركي على أرض الواقع مع انحسار سلطة الدولة السورية عن هذه المحافظة يفتح بالتأكيد شهية الاستمرار وفرض واقع جديد، يحاول في المقابل الأكراد فرضه في مكان آخر ويشكل ذريعة لاستمرار الوجود التركي حتى لا يتمكّن الكرد من التواصل والوصول الى شاطئ المتوسط فتقوم لهم دولة، ما الذي يجري خلف الستارة وداخل الكواليس الدولية وكيف يقيمون الحقوق الوطنية السورية وهل ينظرون لها من منظار قوة الدولة أو أنها ضعيفة وتحت الوصاية ويحق للقوى العظمى فرض وصاية ما والزامها بما لا تقبل به؟

قانون القوة يفرض نفسه وليس القانون الدولي، أميركا المثال القدوة!

تتقن الإدارة الأميركية عبر تجارب كثيرة الاحتيال على القانون الدولي، تحييداً، تجميداً، وحتى تتجاوزه عن طريق تشكيل تحالف دولي يضمّ على الأقلّ ثلاثة من دول حق النقض الفيتو حتى لا يكون قرار يدين انتهاكها لسيادة الدول، على هذا الأساس يمكن لنا الادّعاء بأنّ القواعد التي تقيمها عبر العالم وعلى أراضي الدول الأخرى ليست بموافقة تلك الدول على الأرجح، بل أنها تقوم تحت التهديد أو الترغيب مع التهديد فلا تجد الدولة المعنية بداً من الموافقة حفاظاً على الشكل وماء الوجه، أما في الحالة السورية فهي أقامت قواعدها بذريعة دعم وتدريب معارضات سورية معتدلة، لكنها وسعت التدريب ليصبح قواعد ترفع العلم الأميركي على أرض سورية ولا ترفع حتى علم ما أسموها ثورة، وإذ يحار المواطن العادي غير المدرك أبعاد اللعبة في أسباب حالة الصمت العسكري على هذا الوجود وعدم توجيه إنذار أو التصدي لهذه القواعد بضربها رغم الاحتجاج الرسمي، المترافق بتصريحات روسية تعتبر هذا الوجود غير شرعي وهو غير شرعي ولا قانوني، ومن حق الدولة السورية ضرب هذه القواعد وهي تملك الوسيلة والأدوات، وكان من الأولويات ضرب قاعدة التنف التي تحوّلت إلى ملجأ وقاعدة انطلاق لداعش بعد أن سهّلت لهم القوات الأميركية ذلك، لكن!

قد لا يستسيغ البعض تكرار موضوع الوجود الأميركي على الأرض السورية دون موافقة الدولة صاحبة الشأن ليكون مشروعاً كما الوجود الروسي، وأنا لا أرغب بتكرار الحديث إلا لأمر هامّ هو المثال والقدوة السيئة، فأميركا باعتبارها القوة العظمى تتحمّل مسؤولية أدبية وأخلاقية عن إنفاذ وتطبيق القانون الدولي، أما تجاوزها لهذا القانون فإنه يدفع به جانباً ويفقده قوته المادية والمعنوية، وحينها تأخذ الدول الطامعة أياً تكن قواها العسكرية هذا السلوك طريقاً تنتهجه في تجاوز سيادة الدول المجاورة، وتعلم أنّ القوة القادرة على ردعها ستلتزم الصمت طالما هي تفعل ذلك، لن تكون أميركا اليوم كما كانت عليه في الخمسينات يوم أنذرت دول العدوان الثلاثي بالخروج من مصر، وربما كان للإنذار الروسي دوره الداعم، اليوم أميركا هي رأس العدوان، وروسيا تتغاضى وتكتفي بالاحتجاج، وأعتقد لو أنّ روسيا أعلمت من تسمّيهم شركاء الأمريكان أنها تتفهّم الموقف السوري في حال تصدّى لهذا الوجود، لما استمرّ أو لما توسع على الأقلّ، التركي له مصالحه، والروسي أيضاً والإيراني بحكم الموقع والروابط، أما المصالح الأميركية فهي صهيونية ولا علاقة لها بالمصالح الحقيقية للشعب الأميركي وهذا ما يشكل دفعاً تركياً بوجه أيّ اعتراض أميركي على التدخل التركي، على العكس، فإنّ تدخلاً كهذا يخدم المصالح الصهيونية طالما يؤدّي إلى تفتيت الأرض السورية والقوة السورية.

العمل لتحقيق الأهداف الصهيونية في تحطيم القوى المحيطة بالكيان جغرافياً واقتصادياً وعسكرياً، لن يتوقف طالما يجد طريقه لتجنيد العملاء والدخول إلى العقول تحت ستارة الدين والتعصب، وطالما استمرّت عمليات التنمية البشرية الاجتماعية في حدودها الدنيا، وذلك بتشجيع الحركات الدينية واستمرار تدخل رجال الدين في السياسة والتعليم والقضاء، وأغلب هؤلاء دعوا لمبايعة الحركات التكفيرية أو الالتجاء إلى السلطنة العثمانية الجديدة.

صرخة نطلقها من جديد مقتدين بالزعيم سعاده الذي حذّر من الأخطار التي تعرّضت لها الأمة على التوالي، الخطر اليهودي، والخطر التركي قبل احتلال الاسكندرون، كما حذر من استمرار الأطماع التركية عام 1948، وأيضاً من قيام دولة كردية…

صرخة، لتحذير شعبنا، ليفتح عينيه على الأخطار المحدقة بنا، والقادمة، ليدفع بمثقفيه، وحكامه إلى الفعل وليس الاكتفاء بالمراقبة.

أبعدوا رجال الدين عن السياسة وعن القضاء أطلقوا مفاهيم الدولة العلمانية، النظام العلماني طريقنا إلى الارتقاء… إلى التحرّر إلى النهوض، كفاكم تحاربوننا خدمة للأعداء.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى