عصام زهر الدين ومرزوق الغانم

ناصر قنديل

– معادلة غير مفهومة تستولي على المشاعر المتناقضة، فمن جهة بدموع الوداع لترجّل فارس ورحيل بطل كاللواء عصام زهر الدين. وهو يكتب سيرة صمود سورية وأسطورة نصرها وملحمة قادة يكتبون بالدم، معادلة خوارزمية لوصفة النصر، القادة في الصف الأمامي للحرب شهداء تعادل صناعة نصر الوطن، ومن جهة مقابلة نبض فرح بكلمات رئيس البرلمان الكويتي مرزوق الغانم في مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي في بطرسبورغ وهو يتوجّه للوفد البرلماني الإسرائيلي بكلماته الصارخة وهو يقول «احزم حقائبك وارحل يا إرهابي يا قاتل». لكن في العقل البارد، وحيث تشتعل الشرارة الأولى للعواطف الحارة، للحدثين رسالة واحدة، إنّه زمن الروح الحية لمقاومة تنبض في العروق، لم تنجح الفتن ولا سياسات الترويض والتطبيع والحروب بقتلها.

– في بلد قدّم عشرات الآلاف، بل مئات الآلاف من الشهداء ليحيا، لا يتقدّم خبر استشهاد اللواء عصام زهر الدين فيه إلا كتفسير لسرّ النصر، حيث القادة يُستشهدون كبشارة للنصر الذي يتقدّم، بمثل ما كان وقع أقدام القادة والجنود يرسم التقدّم في الجغرافيا السورية من موقعة إلى موقعة ومن ملحمة إلى ملحمة، وحيث صورة الشهيد يلاقي رفاقه الذين قدموا عبر البادية لفك الحصار عن مطار دير الزور وهو يهتف لهم كأبطال فاتحين في يوم الفتح العظيم، تلاقي صورته وهو يحمل أحد الجنود الجرحى في إحدى المعارك على كتفه ويمضي به وسط النار والدخان والركام. كما ترتسم صورة سورية وجيشها، فوق أكذوبة العصبيات والمناطق والطوائف، وأسطورة النصر السورية بمحطات البطولة مليئة بمئات الحكايات عن خريطة الدم ترسم وحدتها، وعن فاتورة الشهادة الغالية مهراً لنصر، نصر عظيم يولد من رحم عظيم الصبر وعظيم الألم، ومهر النصر العظيم لوطن عظيم لا يمكن أن يكون أقلّ من دماء قادة عظام.

– في بطرسبورغ، حيث يحتشد عشراتُ رؤساء البرلمانات في مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي وحيث الحال الرسمية العربية في أسوأ ما مرّ عليها من تفكّك وضياع وانخراط في التطبيع مع العدو الذي يغتصب فلسطين ويستعدّ للمزيد من العدوان وحيث تعريف العدو خصوصاً في دول الخليج، يحطّ رحاله في إيران كبديل يشغل مقعد العدو، بدلاً من كيان الاحتلال وحيث الأولوية إسقاط روح المقاومة وقواها، تتفوّق وتتقدّم على كلّ ما عداها، خصوصاً حيث لا مانع من اللعب والعبث مع التطرف والإرهاب كشريك مضارب في حرب إسقاط المقاومة وحيث يُحتفل بالرئيس الأميركي المتباهي بكونه أكثر أصدقاء «إسرائيل» بين رؤساء أميركا، يُحتفل به كمخلّص وبطل بين حكام الخليج وحيث في بلادنا لا يعبّر البرلمان عما يناقض سياسة الحكومة، يخرج مرزوق الغانم من مقعده بين الحضور كرئيس للبرلمان الكويتي ولوفد بلاده المشارك في المؤتمر، وقد امتلأت رئتاه غيظاً وغضباً من كلام الوفد «الإسرائيلي» عن الإرهاب، فلم يتردّد ولم يتمهّل، ولم يقم الحسابات المريضة التي تفترضها أحوال السياسة والتحالفات والتحليلات والتأويلات، وأمسك المذياع أمامه وفي ثوانٍ قليلة خاطب رئيس الوفد «الإسرائيلي» قائلاً، «أيها الإرهابي، يا قاتل الأطفال، احزم حقائبك وارحل». وبقي يصرخ مكرّراً، ارحل، حتى رحل الوفد «الإسرائيلي».

– ليس مهمّاً تفسير وتحليل شهادة اللواء عصام زهر الدين، كما ليس مهمّاً تحليل كلمات الرئيس مرزوق الغانم، فكلتاهما تعبير عن نبض يمتدّ عميقاً بين القلب والرئة، لا يخضع للحسابات الباردة عندما تغلي الدماء الحارة لتكتب، أنّ روح المقاومة أقوى من أن تروّضها دعوات الواقعية السياسية البليدة والمتخاذلة، والعقلانية الصفراء الباهتة، وأنّ «إسرائيل» ستبقى العدو، والمقاومة ستبقى وصفة النصر، والقادة العظماء مهر الطريق المعبّد بالدماء.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى