كيف سقط البرزاني؟

مصطفى حكمت العراقي

لا تزال تداعيات استفتاء البرزاني وسعيه إلى تقسيم العراق مستمرة وتتصاعد، خصوصاً بعد اتفاق الجنرال قاسم سليماني مع الاتحاد الوطني الكردستاني والذي أفضى إلى تسليم المناطق الخاضعة لسيطرة الاتحاد الوطني للقوات الاتحادية وعلى رأسها كركوك، رغم تشبث البرزاني ومن دفعه إلى الاستمرار بمشروع الانفصال الذي اتخذه بعد أن أمرته مجموعة الصهيوني ليفي والسفير السابق زلماي وعدد من أدوات واشنطن وتل أبيب في أربيل.

وبعد أن أيقنت واشنطن أنّ مشروعها الأساسي في استثمار «داعش» وأخواته قد ولى إلى غير رجعة، وأن خيار الاعتراف والركون للهزيمة النكراء مستبعد، لجأت إلى إشغال المنطقة في حرب جديدة أرادت لها تكون أشد ضراوة من الحروب السابقة لتعويض الهزائم السابقة، ولا يوجد أفضل من الورقة الكردية ليتم رميها على الطاولة لشغل العراق وإيران وتركيا وصولاً إلى سورية لتحقيق حلم التقسيم الذي سيضرب الجميع، إن تحقق مشروع البرزاني ووصل إلى غايته. فالأكراد وهم الرابح الأول من الدستور العراقي الذي لم يمض إلا بالموافقة الكردية، كما أكد أحد أعضاء لجنة كتابة الدستور، حصلوا على حكم ذاتي خاص بهم يمتلك كلّ مقومات الدولة فحكومتهم وبرلمانهم وأموالهم ومؤسساتهم كلها مستقلة ولا ترتبط بالعراق إلا شكلياً ومالياً لجهة الدعم وتمويل الخزائن، فهم يستفيدون من موازنة الدولة العراقية بما يصل إلى ربع الموازنة الاتحادية، رغم أنهم لا يقدمون للحكومة الاتحادية لا حسابات النفط المصدر من قبلهم ولا أموال المعابر الحدودية والجمارك والضرائب، كما أنهم يعقدون اتفاقيات عسكرية واقتصادية مع الدول من دون العودة لبغداد، وهذا ما أكدته عضو قيادة الاتحاد الوطني آلا طالباني في وصفها لخطوات البرزاني الخاطئة التي ستؤدي إلى فقدان كلّ هذه المكتسبات..

ساهم البرزاني في نشوء «داعش» وقدم التسهيلات والدعم في غرفة أربيل التي كشف عن وجودها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي اعتبر أنّ هدف وجود «داعش» هو تقسيم العراق عبر انفصال إقليم كردستان، أضف إلى ذلك استغلال ميليشات البرزاني انهيار المؤسسة الأمنية في تموز 2014 فامتدت إلى مناطق واسعة في نينوى وكركوك وصلاح الدين وديالى، إضافة إلى الاستيلاء على نفط كركوك وتصديره عبر شركة نفط تابعة لحزب البرزاني، فالأموال الناتجة عن تصدير النفط لايعرف أحد مصيرها لا في بغداد ولا في أربيل إلا البرزاني وعائلته، بحسب تعبير آلا الطالباني، حتى وزير مالية إقليم كردستان السابق. وبعد كل ذلك كان لزاماً التحرك واحتواء الأمر ممن يرفضون الانفصال حقاً لا زيفاً، لأن ثمن التحرك اليوم أقل بكثير من تأجيله للغد. لذلك اتخذت المؤسسة الأمنية العراقية، بكافة فئاتها، وبالتنسيق مع الحلفاء في طهران خصوصاً، قراراً بعودة إقليم كردستان إلى ما كان عليه عام 2003 وتطبيق الدستور حرفياً، رغم بعض ثغراته وبالتعاون مع بعض قيادات الصف الثاني في الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يسيطر على كركوك التي رأت القتال أمراً بلا جدوى لأن المنتفع الوحيد مما يحصل هو البرزاني ولا منفعة للأكراد مما يجري، فتوالت خطوات حسن النوايا من الاتحاد الوطني إذ جاءت مصادقة ممثل الاتحاد في الدولة العراقية رئيس الجمهورية فؤاد معصوم على إقالة محافظ كركوك المقال من البرلمان بعد أيام من الشدّ والجذب، إضافة إلى تنصل الاتحاد من الاستفتاء والسعي إلى العودة للحوار تحت كنف الدستور، وهو ما ينبغي تثمينه بخطوات عملية ترفع الحصار عن السليمانية وتسمح بعزل أربيل لخطواتها الانفصالية وهو ما أكده نوري المالكي في تصريحات صحافية مؤخراً.

ما حصل في كركوك خطوات حكيمة لجهة سحب البساط من تحت أقدام الانفصاليين الذين وضعوا العراق والمنطقة في مأزق التقسيم أو الحروب لإعطاء تل أبيب مزيداً من الوقت وهي التي التي تباكت على حليفها البرزاني بعد أن رأت قواته تهرول هرباً أمام القوات العراقية التي أعادت هيبة الدولة إلى جميع المناطق المتنازع عليها وأخرجت البيشمركة منها بلا قتال.

هذه الخطوات أنقذت العراق من الحرب وشكلت ضربة قاصمة لمن أعدّ مشروع الاستفتاء فانقلب السحر عليهم، وها هم اليوم وحيدون منقسمون على أنفسهم حتى أنهم خسروا مكتسبات لم تكن الحكومة العراقية تنوي مطالبتهم بها، رغم أنها مطالب استراتيجية كسنجار مثلاً التي حققت الحكومة العراقية باستعادتها هدفاً استراتيجياً لجهة ارتباطها بملف الأقليات في العراق وارتباطها بالواقع الميداني للحرب في سورية لأنها كسرت الامتداد الكردستاني الانفصالي المدعوم أميركياً بين العراق وسورية، وبذلك يسقط حلم كردستان الكبرى التي يحلم بها الصهاينة.

خلاصة القول إنّ محور المقاومة قد نجح مجدداً في نزع فتيل الحرب وفوّت على المستعمرين فرصة إشغالنا بحرب جديدة تبعدنا عن الهدف الحقيقي وهو زوال الاحتلال بكل أشكاله، فانتصار العراق وحلفائه ومحافظته على وحدة أراضيه وفرض هيبة الدولة إنجاز وانتصار لا يقل أهمية عن الانتصار على الإرهاب وستعمّ الفوائد والخدمات كلّ المنطقة، خصوصاً بلدان الجوار العراقي، إذ انتهت صفحة استفتاء الأكراد وانفصالهم إلى غير رجعة. وكما قال العبادي نتعامل معه وكأنه لم يكن أصلاً وإنّ التقسيم قد دُفِن في مهده وبهذا نتهيأ لنهاية البرزاني ومن معه من الانفصاليين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى