حزب الله و«درجة القياس»: التقارب مع القوات اللبنانية

روزانا رمّال

عرف اللبنانيون حزب الله بخياراته الواسعة ومروحة انفتاح غير مسبوق على كافة الخيارات التي يُسمّي بعضها ضرورات وبعضها الآخر استراتيجيات محلية أنتجتها تطورات إقليمية، فمثلاً هو الذي تقارب من التيارات المسيحية كالتيار الوطني الحر وتيار المردة وحزب الكتائب في مراحل عدة منذ عام 2000 حتى اليوم استطاع أيضاً تخطي مرحلة «سلاح الغدر» وحرب الجبل في 2008 والهجوم الصارخ للنائب وليد جنبلاط عليه مروراً بموقف حادّ من النظام السوري منذ اندلاع الازمة السورية عام 2011 وانخراط الأخير كعنصر فاعل في تعزيز مواقف المعارضة في كل فرصة او مناسبة وهو الذي لم يخلط ما بين مواقفه ومصالحه المحلية المشتركة مع الأفرقاء ليكون الرئيس سعد الحريري الدليل الكبير على ديناميكية هذا الحزب وتعاطيه السياسي الفريد. فتيار المستقبل الذي يعتبر رأس حربة الأزمة المحلية منذ عام 2005 هو شريك مباشر لحزب الله في صياغة شكل الحكم الحالي كلها أمور تؤكد انتهاج حزب الله طريق التسويات أو تقبل الامر الواقع الذي يحكم الصيغة اللبنانية بلا غالب ولا مغلوب، بإدارة العمل السياسي، تحسباً لحساب طائفي عريض يبدأ بلبنان لكنه قد ينتهي خارج الحدود على شكل كرة ثلج تتدحرج تأسيساً للهيب الفتنة التي يعمل عليها كمطلب «إسرائيلي» أميركي قديم جديد ليس داعش وأخواته الا نسخة واضحة عن تلك النيات التشويهية للمجتمع العربي المختلط والحافل بأرضية الخلافات المجهّزة لاندلاع اللهيب بطوائفه الكبرى.

السؤال عن موقف حزب الله اليوم من الحكم الصادر بحق حبيب الشرتوني في قضية اغتيال بشير الجميل خصوصاً، بعد الرد الذي جاء على لسان نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم والذي يحكي بمضمونه التفات الحزب لضرورة إسكات شارعه المندهش لما جرى، والذي بدأ يتساءل عن جدوى التحالف مع التيار الوطني الحر، إذا كانت بديهيات كتصنيف العملاء ليس متفقاً عليها، صار كله بمكان آخر بعد أن بدا أن شارع حزب الله والجزء الأغلب من حلفائه بين حركة أمل والقومي والمردة رافضاً الحكم ومتفرعاته.

تشكّل الساعات الثماني والأربعون الماضية مفصلاً كبيراً في قراءة ردود فعل الشارع اللبناني ككل وشارع حزب الله، بالأخص على مفاعيل الحكم على الشرتوني وما ظهرته اللحظة بما يشبه تبرئة للجميل وإدانة «متطرفة» للشرتوني الذي يصوّر أحد أبرز المدافعين عن كرامة السيادة الوطنية باعتباره قاتل فكرة لا شخص برفضه الخضوع لمبدأ أخذ لبنان نحو التعامل مع «إسرائيل» في ذلك الوقت، عندما كانت «اسرائيل» تطمح لترسيخ الحضور في بالبلاد وتغيير الموقف اللبناني منها كحالة وجودية عادية.

استياء عارم من قلب الصورة لما بدا إعلان بشير الجميل بطلاً والشرتوني قاتلاً لرئيس جمهورية لبنانية. هذا هو المشهد الذي وصل بوضوح للضاحية الجنوبية التي يوضع على عاتقها الحفاظ على التحالف الاستثنائي بينها وبين التيار الوطني الحرّ من جهة والمحافظة على هالة وقيمة المقاومة ومفهوم قتال «الإسرائيليين» ورفض العمالة والعملاء، إلا أن الأهم من المشهد الذي قد يغيب بعد أيام وتخفت مفاعيله ما هو أبعد من ذلك بكثير ويتعلق بإمكانية تطبيق فكرة أو خيار وإسقاطه على شارع المقاومة كخيار تقارب حزب الله من القوات اللبنانية، وما كان قد ساد لمرحلة سابقة وهو ما يبدو اليوم بعد إصدار الحكم على الشرتوني أمراً مكروهاً لدى قاعدة وجمهور حزب الله وحلفائه، فما جرى يشكل قياساً فعالاً لدرجة التعاطي الشعبي مع فكرة المصالحة مع القوات اللبنانية من دون أن تعتذر الأخيرة أو تعترف بجريمتين أساسيتين، إحداهما تتعلق باغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رشيد كرامي والثانية مع عائلة فرنجية على الرغم من ان التقارب بين فرنجية والقوات اللبنانية هو احد المسارات الممكنة مستقبلاً والتي يعمل الطرفان عليها تدريجياً.

الكلام الذي خرج نعيم قاسم ليسمعه لجمهور حزبه المندهش مما يجري بدا وكأنه ضروري قبل انفلات الأمور أكثر وغليان الشارع والشارع المقابل على كافة المنابر المباشرة، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي وكلها أمور لا تغيب عن حزب الله وطبيعة إدارته لسير العملية السياسية في البلاد وسقف توقعاته لأي تقارب ممكن مع تيارات أخرى تشوب العلاقة فيها علامات استفهام. كل هذا على الرغم من انفتاحه الكبير على مختلف الأفرقاء اللبنانيين.

القوات اللبنانية التي حاولت إرخاء أجواء من التقارب الممكن قبل أشهر والتي حاولت أيضاً تحسين الأوضاع مع الإيرانيين اقله من باب الواجب الاجتماعي بعد زيارة أحد وزرائها للسفارة الإيرانية لتقديم واجب عزاء حينها، كانت كلها مساعٍ او ترجمة لرغبة من طرف واحد، حسب تأكيد مصدر مرتبط رفيع لـ «البناء». وبالتالي فإن أي تقارب ممكن بين الطرفين لم يكن وارداً في ذلك الوقت. ويضيف المصدر «أن اي تفاهم بين القوات اللبنانية غير وارد من دون تخطي ما يصعب على جمهور حزب الله وجمهور حلفائه فهمه بالسلاسة التي تبدو عليها العلاقات السياسية. وهي مسألة تسوية الوضع أولاً وقبل كل شيء مع عائلتي كرامي وفرنجية، ويكون حزب الله آخر الأطراف التي تتقدم حينها نحو البحث في المسألة».

وعليه، يلحظ حزب الله اليوم جيداً وقع الحكم بقضية بشير الجميل على قاعدته ويقيس اليوم أكثر من أي وقت مضى معنى التقارب مع القوات اللبنانية!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى