أبي خليل لـ«مهر للأنباء»: «إسرائيل» تسعى إلى تعميق الشرخ الاجتماعي في لبنان بالطائفية

أجرت الحوار: مريم معمار زاده

أكدت الباحثة الاجتماعية الدكتورة لور أبي خليل أنّ أهمّ هاجس مؤرّق لدى الكيان «الإسرائيلي»، هو التخطيط من أجل تعميق الشرخ في المجتمع اللبناني من خلال الزجّ بالطائفية في هذا المجتمع.

تشكّل الطائفية في لبنان المعضلة الأساسية والعبء المترسّخ منذ أن تمّ التوقيع على اتفاقية «سايكس ـ بيكو» التي أدّت إلى تقسيم المنطقة، إذ يزداد تأثيرها السلبيّ على الدولة والمجتمع اللبناني، مع تزايد الأزمات الداخلية والصراعات الإقليمية والدولية.

تعدّد الأديان والطوائف في لبنان ليس المشكلة، بل المشكلة تكمن في النظام الطائفي، في نظام إدارة المجتمع والدولة على أساس طائفي، ما يتيح استخدام الدين والطائفة في التجاذبات والصراعات الطبقية السياسية لقوى داخلية وخارجية ذات مصالح خاصة بها ومتعارضة.

في هذا السياق، أجرت «وكالة مهر للأنباء» حواراً مع الباحثة الاجتماعية والأستاذة في كلّية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية، وأيضاً في كلّية العلوم الاجتماعية، والاختصاصية في شؤون الفساد، الدكتورة لور أبي خليل.

ما هو عدد الطوائف في لبنان وكيف تتموضع جغرافياً؟

ـ هناك 18 طائفة في لبنان. تمّ إضافة طائفة أخرى أخيراً وهي طائفة الأقباط، إذ أصبحت ضمن قائمة الطوائف في لبنان بشكل رسمي.

الموارنة يتواجدون في جبل لبنان وقسم من الشمال وبعض المناطق في الجنوب. وبالنسبة إلى بيروت، فإنهم يتواجدون في منطقة الأشرفية. وفي الجبل يتواجد المنتمون إلى طائفة الموحّدين الدروز. الشيعة يتموضعون في جنوب لبنان وبعض المناطق من بيروت، بينما السنّة يتواجدون في شمال لبنان في منطقتَي طرابلس وعكّار، وفي بيروت ومنطقة صيدا في جنوب لبنان. والبقاع في لبنان، يتواجد فيه كلّ من الشيعة والسنّة والمسيحيين.

كيف تتطوّرت الطوائف في لبنان منذ نهاية الاحتلال العثماني إلى اليوم؟

ـ الطائفية ظهرت في لبنان منذ تكوين الكيان العثماني وتجذّرت عند مجيء الاستعمار الفرنسي. وكانت اتفاقية «سايكس ـ بيكو» التي جاءت بتقسيم المنطقة هي العمود الفقري في تجذّر الطائفية في لبنان. إذ أدّت إلى محاصصة السلطة اللبنانية بين ثلاث الطوائف، الطائفة المارونية والطائفة السنّية والطائفة الشيعية.

نستطيع القول إنّ معظم الأحزاب في لبنان هي أحزاب طائفية، إلا حزبان وهما الحزب «الشيوعي» والحزب السوري القومي الاجتماعي. حضور هذين الحزبين ليس ملحوظاً بشكل واضح لأنه غير محصور بمنطقة واحدة، بل إنّ أعضاءه متوزّعون في كافة المناطق اللبنانية.

ما هو تأثير الطائفية على المشهد السياسي في لبنان وخارجه؟

ـ الطائفية في لبنان أدّت إلى تقسيم لبنان مناطقياً بحسب الطوائف، وأدخلت مفهوم الفساد الذي استشرى في المؤسّسات الحكومية. وكانت لهذا تداعيات على الحياة السياسية في لبنان.

تمارس الطوائف والأحزاب الطائفية وزعماء الطوائف في النظام اللبناني، السلطة على الجهازين الإداري والتربوي وأيضاً الجهازين القضائي والأمني، ما أدّى إلى تفشّي الفساد في الأجهزة والدولة اللبنانية سواء في الإدارات والمؤسّسات والقضاء.

كما أنّ الطائفية في لبنان أثّرت على الدول المجاورة عبر العلاقات. فأصبح زعماء الطوائف مرتهنين للدول الأجنبية، وذلك لأنهم يحتاجون إلى حماية دولة إقليمية أو غير إقليمية. في سبيل المثال، بالنسبة إلى الطائفة المسيحية، فإنّ زعماءها يشعرون أنهم ينتمون إما إلى أميركا أو إلى فرنسا. وزعماء السنّة يعتبرون أنهم ينتمون إلى المملكة العربية السعودية، وأن هناك عدّة احتمالات تتحدّث عن أن الطائفة الشيعية هي طائفة تابعة لإيران، والسبب في هذا الارتماء أنّ هذه الطوائف تشعر بأنّ تلك الجهات تشكل حاضنة طبيعية بالنسبة إليها.

ولهذا السبب، نستطيع القول إنّ الطائفية هي السبب في عدم استطاعة الكيان اللبناني تحقيق استقلاليته، لدرجة أنّ المواطن اللبناني لا يستطيع أن يمارس حقه في الدخول إلى الوظيفة العامة من دون أن ينتمي إلى طائفة محدّدة. وذلك ما يؤدّي إلى الاعتراف بأنّ مفهوم السيادة الوطنية غير موجود في لبنان.

هل كانت الطائفية هي السبب الأقوى في الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرّت نحو 15 سنة؟

ـ وجود الطائفية والأحزاب المنتمية إلى الطوائف مهّد الطريق لاشتعال فتيل الحرب الأهلية في لبنان. وهناك حروب مستمرّة متجذّرة بسبب وجود الطائفية المتأصّلة في الأحزاب والمناطق اللبنانية.

هل يخدم نظام المحاصصة، الطائفية في لبنان؟

ـ بالطبع إن نظام المحاصصة يخدم الطائفية في لبنان، لأنّ كلّ طائفة ترى من حقّها أن توظّف وترى أنّ من حقها أن تتمثّل في السلطة، وهنا ينتفي معيار الكفاءة والجدارة في الوصول إلى المراكز السياسية أو في المشاركة في الإدارات العامة، وهذا الأمر يعيق التننمية الاجتماعية.

هل تعتقدين أنّ الأجيال الجديدة في لبنان والتي تقوم بالحراك مقتنعة بهذا التوزيع السياسي الطائفي في لبنان؟

ـ الشباب الذين يقومون بالحراك هم غير راضين على التوزيع الطائفي في لبنان، وهذه المسألة تشكّل محور الشعارات التي يهتفون بها عند نزولهم إلى الشارع.

المشكلة في هذا الحراك أنّنا لا نرى مشروعاً واضحاً لهؤلاء الشباب، ولا نظرة استراتيجية واضحة. إنهم متواجدون بشعارات تهتف بـ«كلّا للفساد وكلّا للإرهاب وكلّا للطائفية»، فتجذب المواطن اللبناني، لكنها تفتقد إلى جدوى استراتيجية لوضع خطة لنهوض المجتمع اللبناني. كما أنّ وسائل الإعلام تحدّثت عن ارتهان هؤلاء الشباب إلى جهات أجنبية لا سيما أميركا وإلى جمعيات أجنبية، تموّل حراك هؤلاء الشباب.

الجدير ذكره، أنّ هذا الأمر لا يمكن تعميمه على جميع من يشارك بالحراك، بل هناك بعض الشباب والأكادميين بالفعل يريدون إحداث تغيير جذري في المجتمع اللبناني، لكن الحديث يشمل منظمّي هذا الحراك بشكل عام.

ما مستقبل لبنان مع استمرار المحاصصة السياسية الطائفية؟

ـ الحرب الدائرة في سورية بُنيت على أسس الطائفية على غرار الحرب التي اشتعلت منذ عام 1975 في لبنان وأدّت إلى تمزّق النسيج المجتمع اللبناني. لبنان ما زال حتّى الآن يعاني من هذا التفكّك الاجتماعي الخطر الذي نجم عن الحرب الأهلية التي دامت لأكثر من 15 سنة وأودت بمؤسّسات لبنان وحداثته الاجتماعية وكادت أن تضع لبنان في زمرة الدول الفاشلة، التي سقطت بسبب الطائفية التي هي الأساس في تدمير المجتمع وتفكيكيه.

انتقلت عدوى الطائفية من المجتمع اللبناني إلى المجتمع السوري، وأصبحت هي المحرّك الأساس في شنّ الحرب على سورية. حتى الشعارات التي شكّلت المحفّز والمشجّع لدى الشباب والأشخاص الطائفيين، كانت ذات صبغة طائفية ولعبت دوراً هدّاماً من دون أن تساعد بتاتاً في بناء دولة.

وأؤكد أنّ «إسرائيل» هي الراغبة الأساسية لإبقاء القوى في لبنان طائفية مقسّمة، لأنّ الوحدة الاجتماعية تشكّل خطراً كبيراً على «إسرائيل». من مصلحة الكيان الصهيوني ودوره أن يعمّق الشرخ في المجتمع اللبناني وذلك لا يحصل إلا من خلال الزجّ بالتعصّبات الطائفية السياسية وغير السياسية.

إنّني أرى أن الهاجس الأكبر الذي يؤرّق الكيان الصهيوني، يكمن في كيفية زرع ثقافة هدّامة في المجتمع اللبناني، من خلالها يشدّ هذا المجتمع أعصابه لانتمائه الطائفي، لا لانتمائه الوطني والقومي.

وهنا أريد أن أشير إلى أنّ الطائفية في لبنان تحوّلت إلى المذهبية، ولذلك أصبح اللبناني متعصّباً لمذهبه لا لطائفته، وهذا يشكّل خطراً كبيراً في تطوّر المجتمع اللبناني وتماسكه الاجتماعي وفي التنمية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى