حربُ أميركا الجديدة في سورية… لا رصاص فيها!

حسن شقير

كلماتٌ معدودات أطلقها وزير الخارجية الأميركي بالأمس القريب، حول الموقف الأميركي «المستجدّ» من سورية، كانت كافية للإصابة بشظاياها، جميع المهتمّين بالشأن السوري، من ساسة وكتاب وباحثين.. ففي حين أنّ فئةً من هؤلاء أصابها «الزهو»، معتقدةً بأنّ أميركا – ترامب، قد أصابتها لوثة الحزم والعزم مجدداً، لا بل أنّ هذه الإمبراطورية قد قطعت – بهذا التصريح- الشك باليقين، بأنّ تغيير الموقف من النظام السوري، قد اتخذ بالفعل، وأنّ كلّ ما كان يروّجه البعض، حول القبول الأميركي، ببقاء الرئيس الأسد في السلطة، فضلاً عن ترشحه مجدّداً، ما هو إلاّ وهمٌ في رؤوس مروّجيه أما الفئة الأخرى، فقد انقسمت بين قائلٍ، بأنّ هذا الكلام الأميركي، ليس سوى أوراق ترميها أميركا في بازار المقترحات التي قد تطرح لوقف الحرب على سورية.. وبين قائلٍ، بأنّ هذا الكلام، ما هو إلا ّ رضوخٌ ترامبي للخطوط الحمراء التي يرسمها الكيان الصهيوني في لحظة اقتراب سورية من اجتثاث الإرهاب الداعشي من على أراضيها، ودخولها رسمياً في زمن خفض التصعيد الميداني.

ما ساقه أولئك وهؤلاء من تبريرات حول موقف تيلرسون، فيه الكثير من الحجج المقنعة، ولكنه لا يجانب حقيقة الموقف الأميركي، الأوبامي، وبعده الترامبي، من سورية.

إذا عدنا بالذاكرة القريبة إلى مواقف الوزير تيلرسون، والتي كان قد أعلنها أمام الكونغرس – عشية ترشيحه لمنصب وزير الخارجية -، مبيّناً خريطة الطريق الأميركية الجديدة لسورية، والتي تمحورت في ثلاث مراحل متتالية، تتمثل أولاها بالقضاء على داعش، أما ثانيها فتنشد إقامة مناطق استقرار فيها.. ليصل إلى مرحلتها الثالثة، والمتعلقة بوجود الرئيس الأسد في السلطة.

قبل ترسيخ خطاب الترشح ذاك، كانت قد عُطلت على الأرض السورية، العديد من المشاريع والخطط الأميركية فيها، والتي استطعت إجمالها بثمانٍ من المكائد السوداء الكبرى، وذلك منذ العام 2012، وفشلها في خندقة المجتمع الدولي خلف التفسير الأميركي لبيان جنيڤ الأول، ليليها، فشل هيلاري كلينتون – وزيرة الخارجية في حينه – في جزمها – على هامش «مؤتمر أفغانستان الجديدة» -، بأنّ «الفصل السابع سيطبّق في سورية، كونها أضحت دولةً فاشلة، تهدّد السلم والأمن الدوليين صيف العام 2012 ، أما الفشل الثالث، فكان في ما سُمّي بأزمة كيميائي الغوطة، ونزع روسيا لفتيلها في أواخر صيف العام 2013، وذلك بعد الإتفاق الشهير الذي رعته في حينه، لتتابع بعدها سورية وحلفاؤها مسلسل الإفشال هذا، والذي تمثل في العام 2014، بمنع استبدال الدولة الوطنية من الشمال، وذلك برفض السير بمقترح دي ميستورا في حينه بتجميد القتال في حلب وأريافها معاً.. مما فرمل ذاك المخطط الخطير، بنقل الشرعية السورية إلى حلب بدلاً من دمشق! ليحلّ بعده خريف العام 2015 ثقيلاً على المستثمرين في الإرهاب، لدى أميركا وبعض من حلفائها، مما دفعهم مرغمين إلى لفظ أخطر عاملٍ حيوي في تفتيت سورية والمنطقة برمّتها، وعلى كافة الأصعدة، ألا وهو الإرهاب، ومن ثم التحوّل قسراً نحو وراثته، فكان هذا الفشل الخامس الذي أصاب أميركا في المنطقة لتنتقل عدوى الفشل هذه، نحو ما حُكي بعدها عن الخطة الأميركية المسماة «الخطة ب»، والتي تمثلت، في ما كثر الحديث حوله في العام الماضي، بعيد تشكيل السعودية لما سُمّي بالتحالف الإسلامي، والتهديد بالتدخل المباشر، والذي عُطّل في حينه، مع تصريح الوزير لاڤروڤ الشهير، بأنه «يجب الامتناع عن ألاعيب خطرة في سورية»، ومن ثم إطلاق روسيا لمشروع «وقف العمليات القتالية« فيها، والذي تجسّد لاحقاً بالقرار الدولي 2268، ليُعبّر بعده الرئيس بوتين، بأنّ هذا القرار الأخير «مفاعيله كمفاعيل الاتفاق الكيميائي في العام 2013«، لينتقل الفشل أيضاً إلى مشروع «تيئيس روسيا» من قدرة حلفائها على هزيمة الإرهاب في الميدان، وذلك بعد التفعيل الأميركي للدعم العسكري للجماعات المسلحة في هجماتهم على إدلب وحلب وحماة وصولاً إلى أطراف الساحل السوري أيضاً فكانت استعادة مدينة حلب في نهاية العام الماضي، سقوطاً مدوياً لذاك التفعيل والدعم العسكري لتلك الجماعات المسلحة في سورية.

انتهت رحلة أوباما الرئاسية في البيت الأبيض في العام الماضي، بسبعٍ من المحطات الرئيسية في مسلسل الفشل الأميركي في سورية، لتبدأ معها أولى حلقات الرئيس الجديد ترامب ، ومشروعه الشهير في إقامة المناطق الأمنة، والذي كان قد «بشّر» به معهد «راند» الشهير، وذلك عندما طرح أماكن جغرافية للحكم في سورية، معزولةً عن الدولة المركزية، والذي سرعان ما أفشلته أيضاً كلّ من روسيا وإيران، وذلك كان بجرّ تركيا نحو السير بمسار «أستانة»، مما أدّى إلى فرملة المشروع الترامبي، وضربه في الصميم

إذاً، إنه الفشل الأميركي الثامن، والذي استدعى من الوزير تيلرسون، بالعودة إلى نفض الغبار عن تلك الخريطة الثلاثية، والتي تحدّثنا عنها سابقاً، ليجد أنّ مسرح العمليات السوري، يكاد يكتمل في القضاء على داعش المرحلة الأولى ، ومن ثم اكتمال الإتفاق على التحديد الجغرافي لمناطق خفض التصعيد في سورية الأرضية جاهزة للمرحلة الثانية ، والتي تتمثل في «إقامة مناطق استقرار».

عند هذه المرحلة ينبغي التوقف قليلاً، فما إن اكتمــل الإتفاق بين ثلاثي مسار أستانة إيران وروسيا وتركيــا على إقامة مناطق خفض التصعيــد الأربع، وما إن وصلت طلائع الجيش السوري وحلفائه إلى ديــر الزور، حتى تسارعت عمليات «قسد» في الرقة، وبدأنــا نشــهد عمليات تسليــمٍ وتسلّم مع الدواعش فيها، ومن ثم تسارعت عملياتهــا وبشكل فجائي نحو ريف دير الزور الشرقي، وما يختزن من ثروات اقتصادية مهمة جداً للدولة السورية، ولتطلق أميركا بعدها، شعار «الإشراف على إعمار الرقة»، فضلاً عن المناطــق الأخرى في الشرق السوري، والتي تستولي عليها قوات «قسد»… مــع التذكير بأنّ هذه الإدارة الأميركيــة، ترفع شعار «التدفيع، وليس الدفع»!

خلاصة القول، وبالعودة إلى كلام تيلرسون حول الشعب السوري ورفضه بقاء الحكم الحالي في سورية، وأنّ هذا الأخير، اقترب من نهايته – على حدّ قوله – وأنّ البحث جارٍ عن «الكيفية لحصول ذلك»… وعطفاً على كلّ ما أوردناه من مشاريع سقطت، ومشاريع وُضعت على طاولة الإدارة الجديدة، فإننا نستشرف، بأنّ تلك الكيفية التي تُفكر بها إدارة ترامب، ستتمثل في تثبيت وقف إطلاق النار في سورية لما بعد داعش، والشروع بعمليات الإعمار – ليس من الجيب الأميركي طبعاً – وذلك برز في الزيارة الطارئة للوزير السعودي السبهان إلى الرقة! ومن ثم العمل على تفعيل إجراءات الثقة ضمن مفاوضات أستانة، والعمل على تحفيز النازحين واللاجئين للعودة إلى تلك المناطق، وهذا كله يكون ضمن تأخير مقصود لعملية إنضاج الحلّ السياسي في جنيڤ، وذلك بهدف أميركي، محوره، ممارسة «حربٍ ناعمة» على السوريين في تلك المناطق، واللعب على حبل التقديمات المتعددة المستويات لما أسموه «الشعوب السورية» المثخنة بالجراح، ليُصار بعدها – أميركياً – إلى رمي ورقة الاستفتاء الشعبي في تلك المناطق، والتي ستكون – ربما – ممراً للخروج من مأزق إيجاد تيلرسون للكيفية التي يبحث عنها؟ الحذر واجب، بعد كلّ ذلك المسلسل الأميركي الفاشل في سورية.

بكلماتٍ معدودة، لقد سبق لمستشار الأمن القومي الأميركي الحالي، ماكماستر، بأن أوصى جنوده، عندما كان يعمل في أفغانستان، بضرورة «إقامة علاقات ودية مع السكان المحليين»، وذلك تجنّباً «لاستيلاد الإرهابيين»، وذلك في حال مخالفتهم لتلك التوصية!

فهل «الحرب الناعمة» والتي ترتكز على «الجاذبية» هي عنوان للمرحلة السورية المقبلة؟

وعليه، فكيف ستواجه سورية وحلفاؤها هذا النوع من الحروب الأميركية الجديدة؟ والتي – ربما – تكون بلا رصاص هذه المرّة؟

للحديث صلة…

باحث وكاتب سياسي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى