أبطال المقاومة وشهداؤها يُعيدون كتابة التاريخ وذكرى «وعد بلفور» ستُطوى في غياهب صفحاته

جمال محسن العفلق

عندما نظرت حكومة «صاحبة الجلالة» بعين العطف على الحركة الصهيونية، كانت تنظر إلينا بعين الازدراء والقتل وما زالت. فحكومة «صاحبة الجلالة لبريطانيا العظمى» والتي أعطت وثيقة تسليم أرض فلسطين للعصابات الصهيونية واعتبرت أنها أعطت «أرضاً بلا شعب لشعب بلا أرض»، هذه المعادلة الاستعمارية ليست الأولى في النهج البريطاني الذي كان يعتبر كلّ أرض يصل إليها الأسطول الملكي هي ملك له، وما فعله جنود حكومة «صاحبة الجلالة» في الهند وجنوب أفريقيا والأرض الجديدة الولايات المتحده الأميركية من إبادة واستعباد للشعوب وازدراء للمعتقدات، ومن ثم التحوّل من دور الاستعمار المباشر الى دور آخر وهو الاستيلاء على إرادة الشعوب وتقييدها والاستيلاء على ثرواتها من خلال قطعان الاستيطان الصهيوني التي كانت وما زالت تمارس كلّ طقوس القتل والتنكيل وبحماية حكومة «صاحبة الجلالة» نفسها والإدارة الأميركية والغرب عموماً.

إنّ مناسبة إحياء ذكرى الوعد المشؤوم تحوّلت مناسبة لتكرار ما ورد في ذلك الوعد! مئة عام والعرب يُعيدون تلك الكلمات وتلك الحروف! مئة عام وما زال العرب يعقدون الصفقات والاتفاقات مع بريطانيا، بل ويعتبرونها الشريك الرئيسي لهم، والحجّاج إلى لندن لا يتوقفون عن تقديم فروض الطاعة والمحبة لـ«صاحبة الجلالة» وحكوماتها المتعاقبة منذ «مراسلات حسين ـ مكماهون» المشهورة مروراً باتفاق سايكس بيكو حتى وعد بلفور في بدايات القرن الماضي وإلى يومنا هذا.

فما أنتجه وعد بلفور لم يتوقف عند توطين الحركة الصهيونية على أرض فلسطين، فما نراه اليوم على الساحة العربية هو استكمال لذلك المشهد الدموي الذي بدأ بذلك الوعد المشؤوم وحصول بريطانيا على موافقة دول عدة وعصبة الأمم. فبعد تهجير الشعب الفلسطيني وإعلان قيام الكيان الصهيوني كان لبنان هو الهدف التالي لتشعل الحركة الصهيونية حلم من استطاعت تجنيدهم لتقسيم لبنان وفق النهج الطائفي واجتياح بيروت وتهجير الفلسطينيين للمرة الثانية بعد مجازر صبرا وشاتيلا، فمن الشتات إلى الشتات ووعد بلفور هو الأساس. فجوهر ذلك الوعد يعتمد على إنكار وجود الشعب الفلسطيني وإقرار حق العصابات الصهيونية بأرض ليس لها أيّ حق تاريخي فيها.

فبعد مئة عام على الوعد المشؤوم نجد ألف ألف وعد لتدمير وتفكيك المنطقة بالكامل. فالحركة الصهيونية التي وصلت الى أربيل وأقنعت البرزاني بالانفصال هي نفسها التي تدعم الانفصاليين الأكراد في سورية بعد دعم الجماعات الإرهابية والعصابات المتطرفة والمعارضة السورية المسجونة في فنادق اسطنبول ومهمّتها فقط التسويق للكيان الصهيوني.

ففكرة إدخال بعض الفصائل الفلسطينية بالحرب ضدّ الجيش السوري كان الهدف منها خلق واقع جديد في وجدان المواطن العربي عموماً، بخاصة أنّ بعض الفلسطينيين اليوم نسي أرضه وأصبح يعمل لصالح المال السياسي وأنّ قضيته انتهت ولم يعد عدوّه الأول الكيان الصهيوني، كما انّ الحركة الصهيونية استطاعت تحويل بعض الحركات الإسلامية المسلحة أداة بيدها وأخضعتها لإرادتها حتى سمعنا مع كلّ قصف صهيوني للأراضي السورية تكبيرات التهليل والترحيب والفرح، والهدف نزع روح الدين وخلق فوضى فكرية في عقول الأجيال الشابة.

فهل ننتظر بعد ذلك اعتذاراً أو تعويضاً من «صاحبة الجلالة» أو حكومتها الحالية؟

هذه الرومانسية السياسية التي سمعناها على لسان مَن هم قادة، والمفروض أنهم يحملون راية المقاومة لا يمكن قبولها بعد هذا البحر من الدم وهذا التشريد والقتل. إنّ الاعتذار الوحيد الذي يمكن أن يعوّض علينا المئة عام الماضية هو صوت بندقية المقاومة الحقيقية التي لا تصالح ولا تفاوض، وغير ذلك ليس إلا تكرار للتجارب الفاشلة والتي كان ينتج عنها كلّ مرة خسارة كبيرة، ففي التحرير الأول أيار 2000 أثبتنا أنّ الكيان الصهيوني والعملاء عاجزون عندما ارتفع صوت الحق… وفي تموز 2006 بكى الصهاينة وبكى من كان يحلم بانتصارهم، واليوم ها هم يُهزَمون في سورية والعراق ومرتزقتهم يفرّون أو يُقتلون، فبالرغم من تجاوز أرقام الدعم العسكري لقطعان الإرهاب المليارات، خسروا معركتهم وسيكون الانتصار الكبير عندما تنزل صواريخ الحق على كلّ مركز صهيوني ومطار. وعلى قانون معاداة السامية الذي فرضته الحركة الصهيونية على محاكم أوروبا، واليوم تسرّب لبعض محاكم العواصم العربية فأصبحت تحاكم المقاوم وتبرّئ الخائن.

هذا ليس بالحلم، إنما هو الواقع المقبل ومَن يراهن على بقاء الكيان الصهيوني عليه ان يعيد حساباته. فمن يتابع بطولات المقاتلين على خطوط النار وكيف يسير القادة العسكريون أمام جنودهم، وكيف يستشهد القادة وهم يحمون جنودهم سيعرف لماذا نرى الحلم قريباً.

سيكون وعد بلفور ذكرى تغيب في صفحات التاريخ وسوف يخلد التاريخ الذي يكتب وتُعاد صياغته من جديد على يد الأبطال المقاومين وبدم الشهداء، والقائمة طويلة كان آخرها الشهيد عصام زهر الدين نافذ أسد الله الذي جمع بدمه كلّ مقاوم وصاحب عقيدة على وعد إكمال الدرب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى