الجيشان السوري والعراقي يقتربان من معركة الحسم في القائم والبوكمال سفير لبنان في دمشق يتسلّم مهامه استعداداً لتقديم أوراق اعتماده للأسد

كتب المحرّر السياسي

يضع الأميركيون ثقلهم لمنع انزلاق العلاقة بين بغداد وأربيل لمواجهة عسكرية يعلمون سلفاً أنها ستنتهي لصالح الجيش العراقي والحشد الشعبي وبسرعة قياسية، تشبه ما جرى في كركوك، وتنتهي معها حقبة عائلة البرزاني بين الأكراد ومعها كلّ ما بناه الأميركيون و«الإسرائيليون» والسعوديون، استخبارياً بين الأكراد، لينهار أمام قوى تؤمن بخيار المقاومة وتنظر لـ«إسرائيل» كعدو، وللاختراق «الإسرائيلي» في كردستان كخطر، مشروع راهن عليه الأميركيون و«الإسرائيليون» لإرباك محور المقاومة في أيّ مواجهة مقبلة.

الحكومة العراقية التي تجاوبت مع الدعوة الأميركية لاجتماع تفاوضي في الموصل لتفادي المواجهة تتمسك بأن تكون النتائج واضحة لجهة انتشار الجيش العراقي والأجهزة الأمنية العراقية، حيث سلطاتهم الدستورية على الحدود والمعابر والمطارات من دون أيّ نقصان، تفضل بلوغ الهدف تفاوضياً، لكنها أبلغت الأميركيين كما قالت مصادر مطلعة لـ «البناء» عدم الاستعداد لتقديم أيّ تنازلات على هذا الصعيد.

بالتوازي كان الجيش العراقي يكمل حصار مدينة القائم ويتقدّم في كتل الأبنية التي تشكل خط الدفاع الأول لتنظيم داعش، بينما أنجز الجيش السوري السيطرة الكاملة على مدينة دير الزور كمعقل لقادة داعش بتحرير حي الحميدية الذي يُعتبر عاصمة التنظيم، بعدما كان أنهى قبل أسبوعين تحرير مدينة الميادين، وصار قادراً على التفرّغ للتوجّه نحو مدينة البوكمال، التي يحاصرها من جبهتين، واحدة مع مجرى نهر الفرات من دير الزور، والثانية من المحطة الثانية في البادية، وعلى الجبهتين كانت الطائرات الروسية والسورية، والقاذفات الروسية الاستراتيجية وصواريخ الكاليبر التي تطلقها السفن والغواصات الروسية في بحر قزوين والبحر المتوسط، تصعّد حملاتها النارية على مواقع داعش في البوكمال، بينما تتولّى الطائرات من دون طيار التابعة للجيش السوري والمقاومة قنص المواقع المتقدّمة وأرتال الآليات للعناصر المنسحبة من المناطق التي خسرها التنظيم، وقد سجل في هذا السياق، وفق مصادر عسكرية في المنطقة، تسليم أميركي بالعجز عن مجاراة ومنافسة التقدّم السوري نحو البوكمال بدعم تقدّم موازٍ لـ «قوات سورية الديمقراطية»، واكتفوا بتأمين ممرات آمنة لبعض قادة داعش الذين يريدون إخلاءهم من البوكمال قبل سقوطها بيد الجيش السوري، لتنسحب نحو ريف دير الزور الشرقي بعبور نهر الفرات.

لبنانياً، أكد رئيس الحكومة سعد الحريري دعم السعودية للتسوية الحكومية، قائلاً إنّ الرياض تقف معنا في حماية الاستقرار، أمام مجلس الوزراء، الذي شهد مناكفة قواتية تمثلت بطلب عدم قيام السفير اللبناني في دمشق بتقديم أوراق اعتماده للرئيس السوري بشار الأسد، والسفير وصل دمشق أمس بمراسم بروتوكولية تمهيداً لتقديم أوراق اعتماده لوزير الخارجية بانتظار موعد تقديمها للرئيس الأسد، وكان لافتاً عدم مشاركة الرئيس الحريري وأيّ من وزرائه في هذا الجدل، الذي لقي تجاهلاً في الحكومة، بينما انصرف الحريري لمصالحة وزيرَيْ الخارجية والداخلية جبران باسيل ونهاد المشنوق على مائدة الغداء.

زخيا في دمشق ويقدّم أوراق اعتماده للأسد بعد أيام

وصل السفير اللبناني الجديد في سورية سعد زخيا الى دمشق أمس، على أن يُقدّم أوراق اعتماده الى الرئيس السوري بشار الأسد خلال الأيام القليلة المقبلة، وفقاً للأعراف الدبلوماسية القائمة بين الدول، رغم الأصوات الداخلية المعترضة على هذه الخطوة ومطالبتها الاكتفاء بتعيين سفير من دون تقديم أوراق اعتماده إلى الرئيس السوري.

وعلى الرغم من أن تعيين سفير لبناني جديد في سورية يأتي في إطار التشكيلات الدبلوماسية التي أقرّها مجلس الوزراء منذ حوالي الشهرين، غير أنها تشكّل خطوة إيجابية لتنقية الشوائب من طريق العلاقات بين لبنان وسورية وترفع التمثيل الدبلوماسي بين الدولتين من قائم بالأعمال الى سفير أصيل، كما أنّها تأتي في ظل الظروف الإقليمية الحسّاسة والدقيقة والصراع الذي يدور في المنطقة والضغوط السعودية على لبنان لعدم الانفتاح والتواصل مع النظام في سورية.

وأكد السفير زخيا بعد وصوله إلى دمشق أنه سيعمل لمصلحة لبنان وسورية الشقيقين. وقال: «أنا مسرور لأنني أتسلم مركز عملي في دمشق وسعيد، لأنني في بلدي وبين أهلي»، وتوجّه بالشكر لإدارة المراسم والسلطات السورية على الاستقبال.

وكانت جلسة مجلس الوزراء أمس، قد شهدت سجالاً على خلفية تعيين سفير لبناني في سورية، إذ سجّل وزراء حزب «القوات اللبنانية» ومعهم وزير التربية مروان حمادة ومن خارج جدول الأعمال تحفّظهم على التحاق السفير زخيا بمركزه في دمشق وتقديم أوراق اعتماده الى الرئيس الأسد، مطالبين بتحييد لبنان عن هذا الموضوع، وبالتريث الى حين عودة سورية إلى مقعدها في جامعة الدول العربية على الأقل، مذكّرين بأن سفراء أكثر من دولة، معينين في سورية، لم يقدّموا أوراقهم الى الأسد، منذ بدء الأزمة. غير أن اعتراضهم، بعد نقاش طويل، لم يؤخذ في الاعتبار.

وقد لوحظ تجاهل رئيس الحكومة سعد الحريري ووزراء حزبه السياسي لهذه الأصوات ما يعني قبولاً ضمنياً من الحريري وتياره بهذه الخطوة.

وأشارت مصادر السراي الحكومي لـ «البناء» إلى أن «من حق أي طرف الاعتراض على خطوة تقديم السفير اللبناني في سورية أوراق اعتماده إلى السلطات السورية، لكن قرار تعيينه اتخذ في مجلس الوزراء مجتمعاً في إطار إقرار التشكيلات الدبلوماسية الجديدة على صعيد كل الدول، وهو غير مرتبط بأي تعديل في مواقف القوى السياسية تجاه سورية أو إزاء سياسة الحكومة تجاه سورية التي لا تزال تعتمد النأي بالنفس».

فنيش: الخطوة تؤكد عمق العلاقات بين الدولتين

وفي سياق ذلك، أشار وزير الشباب والرياضة محمد فنيش الى أن «قرار تعيين سفير لبناني في سورية متخذ منذ إنجاز التشكيلات الدبلوماسية في مجلس الوزراء وبموافقة وزراء القوات أنفسهم، غير أن اعتراض البعض على تقديم السفير اللبناني في دمشق أوراق اعتماده الى الرئيس الأسد يأتي في إطار المزايدات السياسية والإعلامية فقط»، موضحاً أن «تعيين سفير للبنان في دمشق وتقديم أوراق اعتماده للرئيس السوري وقيامه بمهمته وأعماله أمر طبيعي بين دولتين شقيقين كلبنان وسورية وكأي سفير دولة أخرى في دولة ثانية، ما يؤكد عمق العلاقات والمصالح المشتركة بين الدولتين».

تبادل بين الفاتيكان والأرجنتين

وفي شأن دبلوماسي ثانٍ، تمكّن مجلس الوزراء الذي انعقد في السراي الحكومي أمس، برئاسة الحريري من إيجاد المخرج لمسألة السفير اللبناني في الفاتيكان جوني إبراهيم الذي لم يوافق الكرسي الرسولي على اسمه، فقرّر المبادلة بين اسمَي سفيري لبنان في الفاتيكان والأرجنتين، فأصبح أنطونيو العنداري سفيراً للبنان لدى الحاضرة الرسولية، وإبراهيم سفيراً لدى الأرجنتين.

وعلى صعيد آخر، أفادت مصادر قناة «المستقبل» الى أن «الرياض قبلت تعيين السفير اللبناني الجديد لديها بعدما كان الأمر مبهماً في السابق».

الحريري: المملكة حريصة على الاستقرار

وتطرّق مجلس الوزراء الى التصعيد السعودي تجاه الحكومة اللبنانية وحزب الله، فوضع رئيس الحكومة مجلس الوزراء في مستهلّ الجلسة، بشكل مقتضب في أجواء زيارته للسعودية، حيث أكد أن «المملكة مصرّة وحريصة على الاستقرار في لبنان، وأن كل ما يُشاع في الإعلام عكس ذلك، ومجافٍ للحقيقة». ثم أقرّ المجلس جدول الأعمال، وأبرز ما فيه «بند إنتاج الطاقة الكهربائية عبر الرياح في منطقة عكار».

كما دار سجال آخر بين وزيري الداخلية نهاد المشنوق والخارجية جبران باسيل الذي اعترض على مذكرة المشنوق حول رخص البناء، وقال إن «الأمر مخالف للقانون ومجلس الوزراء شكل لجنة للبحث في المذكرة».

وبعد تلقيه دعوة سعودية لزيارة المملكة، أعلن البطريرك الماروني مار بشارة الراعي أنه «سيلبي الدعوة الى السعودية بعد أسبوعين ليوم واحد، وأنه سيلتقي الملك وولي العهد ومسؤولين آخرين».

لبنان يتحرّك دولياً ضد الاعتداءات «الإسرائيلية»

على صعيد آخر تطرّق مجلس الوزراء الى الاعتداءات «الإسرائيلية» على لبنان، لا سيما لجهة ما كشفه رئيس المجلس النيابي نبيه بري لجهة قضم جزء من الأراضي اللبنانية عبر التخطيط لتشييد جدار عازل على الحدود مع لبنان. وطلب وزير الخارجية من مجلس الوزراء موقفاً موحّداً لإدانة هذه الاعتداءات وكيفية التحرك على مستوى الأمم المتحدة.

وقالت مصادر وزارية لـ «البناء» إن «جميع الوزراء أعلنوا إدانتهم للانتهاكات وضرورة اتخاذ موقف موحّد في مجلس الوزراء بهذا الشأن، كما تم الاتفاق على أن تتولى وزارة الخارجية استدعاء سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن والجامعة العربية واللجنة الأمنية في الأمم المتحدة في الناقورة لإبلاغهم اعتراض لبنان على الخروق «الاسرائيلية» كما ستقدم شكاوى الى الامم المتحدة».

الحريري جمع باسيل والمشنوق على الغداء

وفي حين تمّ تأجيل جلسة اللجنة الوزارية المكلفة البحث بآلية تطبيق قانون الانتخابات الى ظهر اليوم، أفادت مصادر أن «لقاءً عُقد بين باسيل والمشنوق في السراي الحكومي، بحضور رئيس الحكومة وذلك لترطيب الأجواء وخفض منسوب التوتر بعد حملة التصعيد التي اشتعلت بين الطرفين خلال اليومين الماضيين».

وفي حين تبحث اللجنة اليوم البنود العالقة في قانون الانتخاب الجديد لا سيما البطاقة البيومترية والتسجيل المسبق، قال وزير المال علي حسن خليل إن «التسجيل المسبق خارج مكان القيد بات حتمياً».

الخلاف حول آلية عودة النازحين

على صعيد ملف النازحين السوريين، أشارت مصادر مطلعة لـ «البناء» إلى أن «لجنة النازحين توصّلت الى حل لـ 90 في المئة من النقاط الخلافية في الملف لا سيما المتعلقة بتسجيل الولادات والأمور الصحية والتربوية وغيرها، غير أن الخلاف انحصر في آلية إعادة النازحين الى سورية لجهة التواصل مع الحكومة السورية أو عبر الأمم المتحدة أو عبر الدول الفاعلة في الساحة السورية، فلم تتبلور بعد وجهات النظر في هذه النقطة للوصول الى قواسم مشتركة»،

وأوضحت أن «إعادة النازحين ليست فقط شأناً داخلياً لبنانياً بل تحكمه اعتبارات عدة، اولاً التوافق الداخلي ثانياً التنسيق مع المجتمع الدولي لتأمين المساعدات اللازمة والضمانات الأمنية لهم وتحديد مناطق العودة والسكن».

في هذا السياق، أوضح الوزير فنيش لـ «البناء» أنه «اللجنة لم تعرض حتى الآن خطة موحدة على مجلس الوزراء وعندما تفعل سنناقشها ونبدي رأينا فيها، لكن حتى الآن لم يصلنا خطة كاملة من اللجنة»، لكنه أكد أن أي «خطة أو حل لأزمة النازحين المعبر الوحيد لتطبيقها على الأرض هو التنسيق مع الحكومة السورية والتعامل مع الدولة القائمة والرئيس الحالي الشرعي كأمر واقع، فلا يمكن نقل ملايين النازحين الى مناطق متعدّدة في سورية من دون التحدث مع الدولة السورية».

وأعاد البطريرك الراعي أمس، التحذير من خطر النازحين السوريين على لبنان، وأشار الى أن «وجود النازحين في لبنان يشكل خطراً اقتصادياً وسياسياً وأمنياً وبيئياً واجتماعياً».

العقوبات الأميركية لن تطال القطاع المصرفي

على صعيد آخر، أعلن رئيس جمعية المصارف جوزيف طربيه من قصر بعبدا، تلقّي الجمعية تأكيدات أن القطاع المصرفي اللبناني غير مستهدف إطلاقاً بالعقوبات الأميركية المرتقبة على حزب الله، «طالما أنه يتقيّد بقواعد الامتثال الجارية سابقاً، وأخذ لبنان على عاتقه عبر تعاميم صادرة عن البنك المركزي التقيّد بالإجراءات الدولية التي تتناول موضوع العمل المصرفي»، ناقلاً التأكيد الأميركي على الثقة بالبنك المركزي وحاكمه رياض سلامة «الذي يُشرف على أداء القطاع المصرفي اللبناني الذي لا يزال حتى اليوم ناجحاً وجرى التنويه به في الظروف كلها».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى