فرعون ممثلاً الحريري: وحده المجتمع الذي يتمتع بالاكتفاء مؤهل لحمل لواء رعاية البيئة والتخطيط للمستقبل

أطلق المنتدى العربي للبيئة والتنمية أفد تقريره عن «البيئة العربية في عشر سنين»، في مؤتمره السنوي العاشر الذي افتتح أمس في فندق «بريستول»، برعاية رئيس مجلس الحكومة سعد الحريري، ممثلاً بوزير الدولة لشؤون التخطيط ميشال فرعون، بحضور الرئيس فؤاد السنيورة، وزير الدفاع يعقوب الصراف، وزراء عرب، نواب وديبلوماسيين، رؤساء منظمات إقليمية ودولية وجامعات، وفود من صناديق التنمية العربية، رجال اعمال ورؤساء شركات وباحثين والهيئات الأعضاء في «أفد».

بدران

افتتح المؤتمر بكلمة لرئيس مجلس أمناء «أفد» الدكتور عدنان بدران، قال فيها: «كافح المنتدى على مدى عشر سنين من أجل بيئة مستدامة ينمو خلالها الاقتصاد الأخضر لتأمين حياة أفضل لمجتمعاتنا العربية من دون استنزاف الطبيعة. ان الاقتصاد الأخضر يعطي وزنا متساويا للاقتصاد والعدالة الاجتماعية والحد من الفقر والبطالة، ويحقق الأمن المائي والغذائي والطاقوي، وعلينا وضع معايير بيئية مستدامة موحدة للوطن العربي، للانتقال من مجتمعات ريعية إلى مجتمعات إنتاجية».

صعب

بدوره، قدم أمين عام «أفد» نجيب صعب تقرير أعمال سنة 2017، مفنداً مهمة المنتدى بدعم السياسات والبرامج البيئية الضرورية لتنمية العالم العربي، استناداً إلى العلم والتوعية. وقال: «إنّ العام 2017 حفل بالفرص مثلما حفل بالصعوبات والتحديات، فليس باليسير إيصال صوت البيئة وإثارة الاهتمام بها في منطقة تعاني نصف بلدانها حروباً ونزاعات، وتواجه تحولات اقتصادية غير مسبوقة. لكن بعد كل الحروب والنزاعات، لا بد للحياة أن تستمر من خلال إدارة متوازنة للموارد».

أضاف: «إن توصيات تقارير أفد عن وضع البيئة العربية اعتمدت هذه السنة في أكثر من عشر استراتيجيات وبرامج وطنية، خاصة في ما يتعلق بتعديل أنظمة دعم الأسعار، وتسعير الأصول الطبيعية، وتحسين كفاءة المياه والطاقة، وإدخال مصادر الطاقة المتجددة، والاقتصاد الأخضر. كما استخدمت تقارير أفد في أكثر من 500 دراسة وبحث. وتابع المنتدى ربط أعضائه من قطاع الأعمال بشبكات عالمية، واستمر في توفير المراجع الرئيسية للمعلومات البيئية بالعربية، خاصة عبر مواقعه على الإنترنت. وعرضت الأفلام الوثائقية البيئية الـ16 التي أنتجها 420 مرة على شبكات وطنية وإقليمية. وقدم مكتبات بيئية لنحو 300 مؤسسة تربوية، كما وضعت تقاريره في مكتبات أكبر 100 جامعة في العالم، وتم اعتماد برنامجه للتربية البيئية في مدارس إضافية من الجزائر إلى الأردن».

الخياط

وتحدث وزير البيئة الأردني الدكتور ياسين الخياط عن تجربة بلاده في التحول إلى الاقتصاد الأخضر واعتماد مصادر الطاقة المتجدّدة، عبر «سياسات وأنظمة استقطبت ثقة مؤسسات التمويل الدولية والقطاع الخاص، مما أدى إلى تطور كبير في المشاريع، بحيث تم تصنيف الأردن في المركز الأول عالمياً في زيادة استثمارات الطاقة المتجددة خلال سنة». وأشار إلى أنّ «السياسات الضريبية الملائمة لتشجيع السيارات الكهربائية والهجينة أدت إلى بلوغها نحو نصف عدد السيارات المستوردة سنة 2017، ما ساهم في تحسين نوعية الهواء».

كلمة رئيس الحكومة

وألقى فرعون كلمة الرئيس الحريري، مشيراً إلى أنّ

«الإدارة البيئية ليست ملحقاً يضاف إلى البرامج الإنمائية، بل هي جزء عضوي منها، والتنمية الصحيحة ليست ضد البيئة. فالأساس تأمين نوعية حياة جيدة لجميع الناس، تحمل مقومات الاستمرار في توازن مع محدوديات الطبيعة. والخدمات الأساسية، من مياه نظيفة وشبكات صرف وكهرباء ومواصلات حديثة، إضافة إلى خلق فرص للنمو الاقتصادي، كلها تساعد في تحسين الوضع البيئي. إذ أنّ الاستقرار الاقتصادي شرط أساسي للاستقرار البيئي. فالمجتمع الذي يتمتع بالاكتفاء والواثق بنفسه هو وحده المؤهل لحمل لواء رعاية البيئة والتخطيط للمستقبل».

ولفت إلى «أنّ التدابير التنفيذية للسياسة البيئية يجب ألا تقتصر على العقوبات وردع المخالفين. فمن الضروري أن تكون الحوافز جزءاً أساسياً في أية سياسة عصرية، بحيث يتم تشجيع الأفراد والمؤسسات على اعتماد إجراءات تحمي البيئة، بإعطائهم الدعم المادي والإعفاءات الضريبية، إلى جانب فرض ضرائب وغرامات على الملوثين. علينا جميعاً، مواطنين وقادة سياسة وفكر وصناعة وتجارة، العمل معاً من أجل ضمان بيئة معافاة للأجيال المقبلة».

وأشار إلى أنّ «تجارب العالم بينت أن حسن استخدام الموارد وحماية الطبيعة وتعميم الصناعات النظيفة التي تصدر عنها ملوثات ونفايات أقل، كلها تقود إلى نوعية حياة أفضل. وثبت أنّ الكفاءة البيئية لا تتعارض مع الجدوى الاقتصادية. فحماية البيئة، وإن كانت مكلفة، تؤدي إلى تخفيف الفاتورة الصحية واجتذاب السياح واستقطاب الاستثمارات».

وقال: «لفتني في تقرير أفد عن وضع البيئة العربية في عشر سنين أنه لا يقتصر على تعداد المشاكل، بل يستعرض التقدم في مجالات عدة، وإن كان بطيئاً، للانطلاق منه إلى إنجازات أكبر وأسرع. فقد اعتمدت جامعة الدول العربية عشرات الاستراتيجيات والخطط الخاصة بالبيئة والتنمية المستدامة، لكن التنفيذ كان بطيئاً، بسبب ضعف التعاون الإقليمي. أما على مستوى الدول، فقد تعزّزت المؤسسات البيئية بوجه عام، ما أسفر عن بعض التحسينات في الإدارة البيئية. فازدادت مساهمة الدول العربية في المساعي والاتفاقات الدولية البيئية، بما فيها اتفاقية باريس لتغير المناخ. وشهدت المنطقة تقدماً في اعتماد سياسات للطاقة المستدامة، بما فيها أهداف وخطط عمل لكفاءة الطاقة وسياسات الطاقة المتجدّدة. ومع أنّ مساهمة الطاقة المتجدّدة لا تزال هامشية، فقد أعلنت 12 دولة عربية عن أهداف محدّدة لإدخال الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة بنسبة تتجاوز 20 في المئة. وباشر لبنان تنفيذ برنامج طموح في هذا المجال».

وذكر أنّ العقد الماضي «شهد انتقالاً ملموساً للبلدان العربية نحو الاقتصاد الأخضر. فمن الصفر تقريباً في اعتماد أنظمة اقتصاد أخضر أو استراتيجية مستدامة، أدرجت سبعة بلدان عناصر الاقتصاد الأخضر والاستدامة في خططها. وأعطى هذا إشارة قوية للقطاع الخاص لزيادة الاستثمارات. وكان المصرف المركزي في لبنان رائداً في إطلاق برامج للتمويل الأخضر في قطاعات متنوعة».

وأضاف: «ومع إشارته إلى تطور ملحوظ في مجال الأبحاث العلمية البيئية، يلاحظ تقرير «أفد» أنّ نتائج المشاريع البحثية والدراسات في البلدان العربية قليلاً ما تنعكس على السياسات، ونادراً ما تساهم في إيجاد حلول للمشاكل البيئية. وهذا يستدعي تطوير بنية تحتية تربط الجامعات والمؤسسات البحثية والصناعة والمجتمع، وعكس اتجاه هجرة الأدمغة المتمثلة في نسبة كبيرة من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج ولا يعودون، بتشجيع الاستثمار في الباحثين الشباب ورأس المال الفكري».

وتابع: «بالإضافة إلى رأي الخبراء، أوصل إلينا تقرير أفد صرخة الناس، حيث أظهر استطلاع الرأي العام الذي أجراه في 22 بلداً عربياً أنّ الغالبية تعتقد أن وضع البيئة يتراجع، وأنّ الحكومات لا تفعل ما فيه الكفاية لمعالجة التحديات البيئية. وهذه رسالة واضحة تفرض علينا المزيد من العمل لرعاية البيئة وإدارة الموارد الطبيعية بشكل أفضل».

ورأى أنّ «على البلدان العربية تعزيز التعاون في ما بينها، وإقامة المشاريع المشتركة، خاصة في مجالات المياه والطاقة وإنتاج الأغذية، فضلاً عن الأبحاث والتعليم وبناء القدرات»، داعياً «إلى حلول سريعة وعادلة للصراعات والنزاعات في المنطقة، لأنّ الاستقرار السياسي والأمن شرطان ضروريان لتحقيق التنمية المستدامة ورعاية البيئة».

الجلسة الأولى: نتائج التقرير

وقدمت مجموعة من المؤلفين المشاركين في التقرير، النتائج الرئيسية لتقرير «أفد»، وضمت أستاذ البيئة في جامعة الخليج العربي الدكتور إبراهيم عبد الجليل، المدير العام السابق للمركز الدولي للزراعة في المناطق الجافة إيكاردا الدكتور محمود الصلح، مدير برنامج إدارة المياه في جامعة الخليج في البحرين الدكتور وليد الزباري، ورئيسة قسم الطاقة في الإسكوا راضية سيداوي.

بدأت الجلسة بعرض نتائج استطلاع الرأي العام، الذي أجراه «أفد» في 22 دولة، والذي أظهر أنّ «60 في المئة من الجمهور يعتقدون أنّ وضع البيئة في بلدانهم يتراجع، بينما تعتقد غالبية عظمى وصلت إلى 95 في المئة أنّ بلدها لا يقوم بما يكفي للتصدي للتحديات البيئية. وعلى رغم عشرات الاستراتيجيات والخطط الخاصة بالبيئة والتنمية المستدامة التي صدرت عن جامعة الدول العربية، لم يحصل تقدم في العمل البيئي على المستوى الإقليمي. لكن المؤسسات البيئية تعززت على المستوى الوطني بوجه عام. وتفاقمت ندرة المياه في المنطقة بسبب النمو السكاني وسوء الإدارة. وشكلت البلدان العربية خلال العقد الأخير أكبر منطقة عجز غذائي في العالم، إذ تضاعفت الفجوة الغذائية الإجمالية من 18 إلى 34 بليون دولار».

ودعا المتحدثون إلى «تخفيف الهدر وتحسين الكفاءة والإنتاجية والتعاون الإقليمي. وفي حين لا تتجاوز مساهمة الطاقة المتجددة 4 في المئة من مزيج الطاقة، إلا أنه من المتوقع أن يتضاعف حجمها حتى سنة 2020. وشهد العقد الماضي تدهوراً في نوعية الهواء في معظم المدن العربية، خاصة بسبب التوسع في توليد الطاقة بأساليب ملوثة وزيادة عدد السيارات».

وعرضوا تجارب ناجحة في التحول إلى وسائل نقل أنظف، خاصة في الأردن ودبي، بسبب حوافز تشجيعية للسيارات الكهربائية والهجينة أدت إلى مضاعفة أعدادها.

الآثار البيئية للنزاعات

وقدم مدير البرامج في «إدارة ما بعد النزاعات» في برنامج الأمم المتحدة للبيئة حسن بارتو عرضاً خاصاً عن الآثار البيئية للنزاعات، مع التركيز على العراق. وشرح بارتو العائد للتو من الموصل، المشاكل البيئية التي نشأت جراء الصراع المسلح في مدينة الموصل وجوارها، بناء على مهمة استطلاع نفذها برنامج الأمم المتحدة للبيئة بعد استعادة الحكومة العراقية للموصل. وقد تبين أن «الأثرين البيئيين المباشرين للأعمال العسكرية هما التلوث الناتج عن تدمير المنشآت الخطرة بما فيها المصانع ومحطات الطاقة ومصانع الأسلحة والمستشفيات، والكمية الهائلة من الردميات التي نتجت عن المعارك».

وأشار بارتو إلى أنّ «سياسة الأرض المحروقة، التي استهدفت بشكل ممنهج البنى التحتية الحساسة، خاصة المنشآت النفطية والمناجم، تعرض المجتمعات المحلية لمخاطر صحية وبيئية جدية»، وإلى أنه سيجتمع ببعض الجهات التي تولت إزالة الأنقاض ومعالجتها في بيروت عقب الحرب.

واختتمت الجلسة بمناقشة حول التحديات والآفاق، شارك فيها وزراء ورؤساء منظمات دولية وإقليمية.

الجلسة الثانية: سبل تمويل الاقتصاد الأخضر وإشراك القطاع الخاص

وتناولت الجلسة الثانية «سبل تمويل الاقتصاد الأخضر وإشراك القطاع الخاص»، أدارها مستشار وزير البيئة المصري وأحد مؤلفي التقرير حسين أباظه، وشارك فيها منسق خطة عمل برنامج الأمم المتحدة للبيئة في المتوسط جيتانو ليوني، مدير التخطيط الاستراتيجي والخدمات الاقتصادية في صندوق الأوبك للتنمية الدولية أوفيد فارس حسن، رئيس عمليات التنمية المستدامة في شركة أرامكس راجي حتر ورئيسة وحدة الاستثمارات الخضراء في وزارة الشؤون المحلية والبيئة في تونس منية إبراهيم.

واتفق المتحدثون على أنّ «العقد الماضي شهد انتقالاً ملموساً للبلدان العربية نحو الاقتصاد الأخضر. فمن الصفر تقريباً في اعتماد أنظمة اقتصاد أخضر أو استراتيجية مستدامة، أدرجت سبعة بلدان عربية عناصر الاقتصاد الأخضر والاستدامة في خططها. وأعطى هذا إشارة قوية للقطاع الخاص لزيادة الاستثمارات أضعافاً، خصوصاً في الطاقة المتجددة».

ونوّه أباظه بـ»السياسات المالية للمصارف المركزية في لبنان والأردن والإمارات، التي أدت إلى زيادة كبيرة في تمويل مشاريع وبرامج الاقتصاد الأخضر. لكن تحقيق أهداف التنمية المستدامة يتطلب استثمارات جديدة توازي أضعاف ما يتم صرفه حالياً».

الجلسة الثالثة: البحث العلمي البيئي

وتناولت الجلسة الثالثة «أهمية البحث العلمي من أجل بيئة أفضل»، تحدث خلالها مدير عام شركة «شيمونيكس المصرية» للاستشارات البيئية وأحد مؤلفي التقرير الدكتور أحمد جابر، الأمين العام للمجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان الدكتور معين حمزه، عضو المجلس الأعلى للتربية في الأردن الدكتورة ليلى حمدان أبو حسان، ومدير الوحدة الوطنية للأبحاث والخدمات البيئية في جامعة الكويت الدكتور حسين بهبهاني. أدار الجلسة مدير عام مؤسسة الكويت للتقدم العلمي الدكتور عدنان شهاب الدين.

ووفق نتائج التقرير التي عرضها جابر، فإنّ «أسرع المواضيع البحثية نمواً في مجال العلوم البيئية في العالم العربي هي الصحة والتلوث والمياه، أما أبطأ المواضيع نمواً فهي تغير المناخ والسياسات البيئية والتنوع البيولوجي وحماية الطبيعة. لكن قليلاً ما تنعكس نتائج المشاريع البحثية والمنشورات في البلدان العربية على السياسات، ونادرا ما تساهم في إيجاد حلول للمشاكل البيئية».

واتفق المتحاورون على «ضرورة تطوير بنية تحتية تربط المؤسسات البحثية والصناعة والمجتمع، وعكس اتجاه هجرة الأدمغة المتمثلة في نسبة كبيرة من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج ولا يعودون، بتشجيع الاستثمار في الباحثين الشباب ورأس المال الفكري».

يشار إلى أنّ الدورة العاشرة للمؤتمر مهداة لذكرى مارون سمعان، أحد الأعضاء المؤسسين للمنتدى، الذي غاب هذه السنة عن 62 عاماً، بعد حياة حافلة بالإنجازات المهنية والخدمة الاجتماعية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى