اعتقال «الوليد»: استكمال الصفقة مع ترامب والإصلاح في السعودية؟

روزانا رمّال

من دون الدخول في حادثة تقديم الرئيس سعد الحريري استقالته من الرياض التي لا تزال مسألة مبهمة بالنسبة للبنانيين الذين يطلبون تفسيراً، بعدما أحرج تيار المستقبل في تبرير الاستقالة المهينة بحق كرسي رئاسة الوزراء من خارج الأراضي اللبنانية، يمكن التأكد مما يجري بالنظر الى الأحداث التي تتوالى في المملكة العربية السعودية لتفسير بعض أو كل المشهد المرتبط بملف عمره شهور وليس وليد الساعات الثماني والأربعين الماضية، كما يُشاع.

حملة الإصلاح أو التغيير التي يقودها الأمير محمد بن سلمان تمهيداً لتسلّمه العرش مكان والده أو بحياة والده، خلافاً للعادات الملكية السائدة بانتظار وفاة الملك ليرثه ولي العهد هو الهدف الأساسي الذي يعمل عليه بن سلمان، لكن ليس بصورة أحادية والحديث عن أمن المملكة العربية السعودية وشكل الحكم فيها واختيار الأسماء وممثلي الدولة من الأمراء والحكام ليس شأناً سعودياً خالصاً، لأن الأميركيين يعرفون استراتيجية العلاقة التي تربط بينهم وبين الرياض لجهة المصالح المشتركة وسطوة الأميركيين على منابع النفظ إضافة الى القواعد العسكرية وبالتالي فإن شأن المنظومة الحاكمة السعودية هو شأن أميركي يتعلّق بالأمن القومي الأميركي المباشر والبعيد المدى الذي ينتظر سنوات مقبلة للاعتماد على ما تبقى من نفط قبل التوجه للنفط الصخري المحلي.

عملية الاعتقال والمحاسبة التي باشر بها الأمير الشاب تتعلّق بأسماء لافتة، وبينها أسماء دخلت من أجل التغطية على مَنْ يستهدفهم الأميركي قبل السعودي وبينهم الأمير الوليد بن طلال، وهو رجل اعمال عالمي، حتى يكاد الأمر يتعلق بسلسلة اعتقالات تتعلّق برجال أعمال للتخلص منهم تدريجياً خدمة لخطة عام 2030 المدعومة أميركياً واستكمالاً للصفقة التاريخية بين ترامب والمملكة العربية السعودية بعد زيارة الرئيس ترامب إليها.

يُعتبر الوليد بن طلال من أكثر رجال الأعمال النافذين دولياً، وكان قد سخر بن طلال من ترامب في أكثر من مناسبة قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية، بينها مناسبات اقتصادية ومالية تنافسية وعقود وصفقات رسمت خط التنافس بين الرجلين حتى احتدم الخلاف وظهر الى العلن. وقد وصف الوليد بن طلال الرئيس ترامب في غير مرّة بتغريدات اثناء الحملة الانتخابية للأخير بـ «المجنون». وقد وعد ترامب بن طلال بأنه سيحاسبه على ذلك.

أحد بنود استكمال الصفقة التاريخية هي إطاحة أسماء بينها الأمير الوليد بن طلال الطامح لمراكز سياسية ولتفوّق مالي عالمي منافس بغض النظر عن ملفات الفساد التي قدّمها بن سلمان للمعنيين بخصوص الأسماء المطروحة بينهم بن طلال. اللافت أن محمد بن سلمان كان قد صرّح منذ قرابة الستة أشهر بكلام يؤكد رغبته بإطاحة بعض الأسماء، بما يوحي أن اللائحة جاهزة وتهم الفساد التي تتعلق بـ «الاقتصاد» لا بالممارسة السياسية هي جل ما يصبو إليه الرجل القادم بخطة إصلاحية للوضع الإنمائي والاقتصادي كتحدٍّ لإظهار قدرته على إدارة البلاد وكسب الثقة، خصوصاً لدى فئة الشباب. وهو الأمر الذي التفتت اليه واشنطن بمعرض دراستها لأوضاع الثورات الشعبية، فما كان عليها إلا التنبه لضرورة إجراء تغيير بالحكم السعودي من بوابة تطعيمه بنفس شبابي قوامه «محمد بن سلمان».

ومن بين ما قاله بن سلمان في تصريحه المنوه عنه أعلاه قبل أشهر «لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد أياً كان وزيراً أو أميراً أو أياً كان… كل من تتوفر عليه الأدلة سوف يحاسب». وبالفعل ها هو الامير متعب بن عبدالله قد أطيح به من منصبه كقائد للحرس الوطني إفساحاً بالمجال لإنشاء حيثية أمنية تحمي بن سلمان لدى تنصيبه من أي انقلاب عسكري مدعوم من جهة الحرس الوطني المفصول أصلاً عن قيادة الجيش السعودي بحال تسلّمه العرش والوليد بن طلال والمتهم بغسيل الأموال وهي ليست تهمة لافتة عند عدد من رجال الأعمال السعوديين، إضافة الى خالد التويجري الاسم الشهير جداً الذي صار مديراً نافذاً للديوان الملكي في عهد الملك الراحل عبدالله. وهو متهم أيضاً بالفساد والرشى وصولاً وليس آخر الى بكر بن لادن. وهو رئيس مجموعة بن لادن الضخمة وهي منافس عالمي كبير أيضاً لرجال أعمال دوليين كثر.

عيّن بن سلمان سريعاً بدائل عن كل هذه الأسماء وهو ما يفسّر انتظاره أشهراً قبل القيام بهذا الترتيب. إصلاحات بالجملة كما تُراد تسميتها من الطرف السعودي خطط لها ترامب بوجه فئة من رجال الاعمال السعوديين بشكل ماهر. وهو ما يؤكد حنكته كرجل أعمال أميركي نجح في رفع الخطط الاقتصادية التي يعد الأميركيين فيها. وكل هذا يعزّز من قوة الصفقة الموجودة بين ترامب وبن سلمان ومستوى المتانة وقدرتها على رسم المرحلة المقبلة بالمنظارين.

الأميركي، لاعب الظل وراء سلسلة التغييرات في المملكة العربية السعودية، رغب بإنقاذ المملكة من اي انقلاب شعبي فطعم الحكم بنفس شبابي، لكن هذا لا ينفي أبداً فرضية أن تكون الثورة من داخل الحكم السعودي إذا لم يتم تدارك المشهد الذي ينحو باتجاه التضخم بعد سلسلة الأسماء الوازنة التي عزلت من مناصبها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى