حكمة رجالات الدولة أنقذتها.. ماذا عن مصير «المستقبل»؟

روزانا رمّال

يبدو وبالشكل القاطع أن رئيسَيْ الجمهورية العماد ميشال عون ومجلس النواب نبيه بري ليسا مقتنعَيْن بأن استقالة رئس الوزراء سعد الحريري هي خيارٌ شخصي وطبيعي يأتي في سياق منهجية عمل أو ذهنية الحريري في آخر أيام عمله في لبنان قبل السفر إلى المملكة، وذلك تبعاً للأحداث والمحطّات التي ربطها الطرفان أثناء اجتماعهما أمس في قصر بعبدا ومراجعة سلوك الحريري الآيل إلى العودة لاستكمال مواعيده بشكل طبيعي ومنتظم ليصبح «الأكيد» أن الرئيسين اتفقا على أن البلاد دخلت في أزمة تتطلّب وحدة الموقف وتماسكاً وطنياً عالي المستوى، لكن من دون أن يستدعي ذلك التسرع باتجاه الخطوة التالية، لأن الوقت لا يزال مطلوباً لمعرفة ماذا يمكن أن تكشف الساعات المقبلة، حسب أجواء الطرفين والتي تحدّث عنها بري لدى خروجه من الاجتماع بعون قائلاً إن الوقت لا يزال مبكراً للحديث عن «استقالة».

الرئيس برّي الذي يُعَوّل عليه كثيراً في هذه الأزمة والحريص على سير العملية الدستورية في البلاد هو أكثر الدّاعين للتروّي، ولا يبدو أنه مستعجلٌ للتخلي عن الحريري، كما الرئيس عون الذي رفض الاستقالة من اللحظة الأولى، وبشكل قاطع الأمر الذي أغضب بعض شخصيات المستقبل والمنشقّين عنه في ما بدا موقفاً يدعو للريبة، فلماذا لا ينتظر أولئك بعض الوقت علَّ الحريري يعود ويقدم استقالته لرئيس الجمهورية بدلاً عبر منبر وسيلة إعلامية سعودية ويُبنى على الشيء مقتضاه؟

الجواب الوحيد هو ميل تلك الفئة للدخول في صلب الأزمة وهي فئة معروفة غالباً بمواقفها المتطرفة التي ترى في هذه الظروف فرصة جدية يمكن اقتناصها ليصبح السؤال عن جدّية تخلّي المملكة العربية السعودية عن حيثية الرئيس سعد الحريري كزعيم أول للسنة لها في لبنان لمعرفة هوية المرحلة المقبلة أكثر.

لكن الأهمّ من كل ذلك ما كشفه الرئيسان عون وبرّي عن حكمة عالية المستوى، وعن رصانة وهدوء انعكس نفسياً على الشارع، كان قد أيّدهما في ذلك أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله المعني الأول في موضوع الاستهداف والرسالة السعودية حيث دعا الى عدم الغضب والهدوء ليدعم الموقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط ويشدّد على منطق عدم التصعيد ونبذ الفتنة في الوقت الراهن.

مواقف عون وبري وهذا الانسجام كفيل بوأد الفتنة في مكانها والتمسك بمعرفة مصير الرئيس سعد الحريري، يشكّل حسب مصدر سياسي رفيع ومتابع للأزمة الحكومية لـ «البناء» ما يكفل منح الحريري حصانة بلاده القادرة على المطالبة بمصيره اذا طال الوقت، ولذلك من المرجّح أن تطلق المملكة العنان للحريري للسفر إما إلى فرنسا كخيار أول أو العودة الى لبنان مع شروط تتناسب وسياستها، وبالتالي فإن الإبقاء على مصير الحريري مجهولاً هو ضرر حتمي بصورة المملكة العربية السعودية لدى المجتمع الدولي، لأن التعاطي بهذه الطريقة مع رئيس وزراء لبنان هو مختلف بالتأكيد عن تعاطيها مع أمراء سعوديين محليين شأنهم الداخلي لا يتعلق بمصير لبنان، كما هو مفترض. وبالتالي يختم المصدر «يجب على السعودية الإسراع في توضيح مصير الحريري، خصوصاً أن تيار المستقبل قد يدخل بحالة ضياع كبيرة ستؤدي حتماً الى انشقاقات نحو قوى أكثر تطرفاً، خصوصاً في مناطق مثل صيدا وطرابلس في كل يوم يتأخر الحريري فيها عن مخاطبة جمهوره الذي كان يتحضّر لانتخابه مجدداً».

نجح لبنان برجالاته بامتصاص الصدمة الأولى لوقع الخبر، والتي تمتدّ إلى 24 ساعة من الإعلان عنه، ونجح بنسف الفتنة التي كان يتم تحضيرها لأبناء البلد الواحد. وهو نجاح يحسب لحنكة سياسية غير مسبوقة، ربما كانت دروس عام 2008 كفيلة بتداركها في مثل هذه الظروف التي تعبر كثيراً عن ضرورة الاستماع الى صوت العقل. وحسناً فعل الرئيسان عون وبري في عدم قبول الاستقالة فالحريري ليس خياراً ثانوياً بالنسبة إليهما كي يتمّ الاستغناء عنه سريعاً والتوجّه نحو الخيار رقم اثنين، وهو يحمل ما يحمل من المخاطرة بأمن البلد وخلق شرخ كبير بين العهد الذي لا يزال في أول سنيّه، وبين الطائفة السنية وقاعدتها الشعبية وهو ما يؤشر الى أن أحد أبرز أهداف ما جرى يصب في خانة ضرب صورة العهد الذي بدا أكثر العهود ميلاً للتوافق. وقد نجح في ذلك لولا الانتكاسة التي أصابت كرسي مجلس الوزراء. وبطبيعة الحال، كثيرة هي أسباب رفض أعداء لبنان هذا التوافق، وهي باتت معروفة الغايات منذ الساعات الأولى لإعلان خبر الاستقالة والتي ربما تحكي عن امتعاض قديم من العهد، منذ لحظة الاتفاق على تسوية أتت بعون رئيساً للجمهورية وبالحريري رئيساً للوزراء.

امتصاص الساعات الأولى للصدمة هو نجاح لبناني لبناني باهر بتخطي أتون المشكلة التي كانت تحضَّر له، والتي تفقد وهجها مع تقدم الساعات التي أصبحت دقائقها ساعات إحباط على فريق الحريري أكثر منها الى لحظات حشد للهمم او التحضير لمواجهة الفريق الآخر مع الأمل أن لا يعني ذلك في خلفية الساعين للتخريب الى التحضير لعمل أكبر يهزّ استقرار البلاد الأمني والنفسي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى