قلق دولي من انقلاب بن سلمان… وتصعيد سعودي بالتلويح بالحرب مع إيران عون وبرّي: الاستقالة مشروطة بعودة الحريري… والوضع الأمني والمالي ممسوك

كتب المحرّر السياسي

كانت الإشادة الخارجية والداخلية برفض رئيسَيْ الجمهورية العماد ميشال عون والمجلس النيابي نبيه بري، التعامل مع الاستقالة قبل عودة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى بيروت، لافتة، واللافت وصفها بالحكمة، انطلاقاً من دار الفتوى ومَن جمعت ومَن تمثل، ومن مواقف نواب ووزراء تيار المستقبل المقرّبين من الحريري، وليس الذين كان يقاطعهم وهبّوا لاستثمار الاستقالة، وصولاً للمواقف الأوروبية والمصرية والتركية التي أشادت بالتعامل الحكيم للقيادات اللبنانية مع الأزمة، سواء بالتصريحات المعلنة أو بالرسائل الدبلوماسية والاتصالات الشخصية للرئيسين عون وبري.

كلام وزير الداخلية نهاد المشنوق عن انطباع بأنّ الرئيس الحريري سيعود لبيروت، في ظلّ عجز أيّ من القيادات عن التواصل مع الحريري، كما كلام دار الفتوى عن حكمة رئيس الجمهورية، كما الصورة الكئيبة المفعَمَة بالذهول لوجه المشاركين في اجتماع كتلة نواب المستقبل، إشارات زادت اليقين بوجود الحريري قيد الاحتجاز، حتى وصل الخيال بالبعض إلى وضع بعض تفاصيل اللباس في صور الحريري مع السفير السعودي الجديد، أو في لقائه مع الملك السعودي، أو في اقتصارها على صور جامدة أو مشاهد فيديو مسجّلة، كان يمكن لأيّ ظهور تلفزيوني حيّ للحريري أن يمنحها مصداقية مطلوبة في ظلّ التساؤلات الكبرى حول مصيره، ليبنى عليها التأكيد لا النفي لفرضية الاحتجاز، وصولاً لقول البعض بطريقة لا تخلو من الخيال، إنّ الحريري ربما يكون انتبه لهفوات وأخطاء البيان المكتوب الذي طلب إليه أن يتلوه وتعمّد السير بها، مراهناً على تلقف معناها من القيادات اللبنانية، للتمسك بالإصرار على إطلاقه من الاحتجاز كشرط للتعامل مع الاستقالة، التي تحوّل بيانها في هذه الحالة إلى نداء استغاثة عنوانه لا تتخلّوا عني ولا تتركوني في الأسر.

الهروب إلى الأمام كان سمة التصرف السعودي، سواء تجاه التساؤلات الدولية الكبرى حول حقيقة ما يجري خلف أسوار المملكة، كما عبّرت عنها كبريات الصحف الأميركية والبريطانية، والفرنسية، أو تجاه كشف مصير الرئيس الحريري كما عبّرت التصريحات المشيدة بحكمة القيادات اللبنانية، فجاء التعامل السعودي هستيرياً، مستعيضاً عن التعامل مع الوقائع بهدوء وتقديم التوضيحات، وتبديد الظنون والشكوك والمخاوف، بالتصعيد والتهديد، فكان للبنان نصيب من كلام «المفوض السامي المشرف على لبنان» في الديوان السعودي،

ثامر السبهان الذي يردّ على هاتف الحريري ويتحدّث بالنيابة عنه، مهدّداً بحرب على لبنان، ليتبعه ويستكمله كلام مصدر سعودي رسمي، يصف الصواريخ اليمنية على المطارات العسكرية السعودية كإعلان حرب إيرانية ستلقى الردّ المناسب.

التهديدات السعودية التي بدت مفاجئة، خصوصاً مع سعي دولي لتهدئة الوضع الإقليمي، وضعها المراقبون في دائرة الهروب إلى الأمام، خصوصاً في ظلّ قلق «إسرائيلي» من تقدّم مناخ التسويات مع انتصارات محور المقاومة، وفرضية تلاقي الانقلاب السعودي مع تحريض «إسرائيلي» للتصعيد بواسطة السعودية، ووضع الغرب وعلى رأسه أميركا أمام خيار حرب مع إيران، تشارك فيها «إسرائيل» والسعودية، أو تسوية مع إيران بالتشارك مع «إسرائيل» والسعودية، بينما توقعت مصادر يمنية أن يكون اليمن ساحة التصعيد السعودي الأميركي «الإسرائيلي» يترجم هجوماً على ميناء الحُدَيْدَة لوضع معادلة تسوية جديدة في اليمن.

برّي من بعبدا: «بعد بكير» على استقالة الحكومة

لا تزال الساحة الداخلية تحت تأثير صدمة قرار السعودية إقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، في وقتٍ دخلت البلاد في حالة من الجمود والشلل على الصعيدين الحكومي والنيابي، وما بينهما حزمة الملفات المالية والاقتصادية والنفطية والحياتية والانتخابية وأزمة النازحين والتي كانت جميعُها تُطبخ على نارٍ هادئة في اللجان الوزارية والنيابية لتحال إلى طاولة مجلس الوزراء وإلى قاعة البرلمان لإقرارها، غير أن انخفاض منسوب القلق والإرباك الذي رافق إعلان الاستقالة ومواقف القيادات والمرجعيات السياسية والدينية المختلفة الصادرة حتى الآن باستثناء بعض الأصوات الموتورة والاستغلالية، تُوحي بمؤشرات إيجابية على صعيد حماية السلم الأهلي والوحدة الوطنية وضبط الشارع من الانزلاق باتجاه أي فتنة يُخطّط لها من السعودية.

وإذا كان لبنان قد استطاع استيعاب تداعيات «الضربة السعودية» التي جاءت ترجمة للتهديدات المتكرّرة لوزير الدولة لشؤون الخليج ثامر السبهان ضد لبنان، فإنه بفضل الخطاب الاحتوائي والهادئ للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي ترك ارتياحاً عارماً لدى الأوساط السياسية والشعبية معاً والذي حال دون انتقال الخلاف السياسي من المؤسسات الى الشارع مع جانب التنسيق وتوحيد الموقف بين رئيسَيْ الجمهورية ميشال عون والمجلس النيابي نبيه بري، منذ لحظة إعلان الاستقالة واللذين اتفقا بعد اجتماعهما في بعبدا أمس، على عدم إعلان اعتبار الحكومة الحالية قائمة واعتبار الرئيس سعد الحريري رئيساً وانتظار عودته إلى بيروت للبناء على الشيء مقتضاه.

غير أن كلام بري عن رفضه اعتبار الحكومة مستقيلة قد فتح الباب أمام احتمال إعادة الأمور الى نصابها والتوصل الى تسوية مع السعودية تفضي إلى عودة الحريري عن استقالته، بعد تواصل الرئيسين عون وبري مع دول عربية وإقليمية وسط مساعٍ يبذلها الرئيس بري لإزالة أسباب الاستقالة، إذا كانت لبنانية محضة، فقد نقلت قناة «أو تي في» عن مصادر مستقبلية أن «كلام بري مسؤول ويُوحي بإمكانية التوصل الى تسوية ما في موضوع الاستقالة إذا تمّت معالجة الأسباب».

وأكد الرئيس بري الذي توجّه الى قصر بعبدا فور عودته لبيروت من القاهرة أن «التفاهم كامل وتام ومنجز مع رئيس الجمهورية في الازمة الراهنة، وعلمت أن بياناً صدر عن رئاسة الجمهورية في ما يتعلق بالاستقالة، وأنا أؤيد هذا البيان حرفياً»، مشدّداً على أنه «من الباكر التحدث عن استقالة حكومة أو تأليف حكومة».

وقالت مصادر مطلعة لـ «البناء» إن رئيس الجمهورية كما رئيس المجلس يتعاملان مع إقالة الحريري على أنها لم تكن، لأنها لم تُعلَن في لبنان وغير دستورية وبالتالي الحكومة الحالية قائمة»، مشيرة الى أن الرئيس عون سيُجري مشاورات مكثفة مع الكتل السياسية لا سيما تيار المستقبل للطلب من الجميع التعامل مع الحكومة الحالية كحكومة أصيلة».

أسباب رفض استقالة الحكومة …

أما الأسباب فتتلخّص بالتالي: أولاً لأن الدولة اللبنانية وعلى رأسها رئيس الجمهورية لا يمكن أن تستند الى بيان استقالة تحت الضغط والترهيب، وفي دولة أخرى غير لبنان، وفي ظروف غامضة.

ثانياً أن الرئيس عون لن يقبل الاستقالة إلا بعد عودة رئيس الحكومة الذي يُعتَبَر محتجزاً حتى يثبت العكس ويعود الى الأراضي اللبنانية وسيطلع عون على أسباب الاستقالة، وإن كانت بملء إرادته أو تنفيذاً لرغبة السعوديين، لا سيما وأن الاستقالة لم تكن بطريقة طبيعيّة ومألوفة ولا تراعي العرف الدستوري، وفي ظلّ غياب المهل الدستورية التي تُلزم رئيس الجمهورية بأن يقبل أو يرفض الاستقالة التي لها أعراف وأشكال وتفاهمات، بحسب مصادر وزارية ودستورية.

ثالثاً لا يمكن الدخول في خطوات غير محسوبة، حيث إنّ قبول الاستقالة وتكليف الحكومة الحالية تصريف الأعمال والدعوة الى استشارات نيابية قد لا يجد عون مرشحاً يحظى بإجماع طائفي ووطني ما يدخل البلاد في أزمة حكومية قد تمتدّ لأشهر لا بل لسنوات كالأزمة الرئاسية، وبالتالي أزمة سياسية دستورية وميثاقية تتعلّق بخلو سدة الرئاسة الثالثة ما يُشرّع الأبواب أمام فتنة طائفية مذهبية في الشارع تُرمى في وجه الرئيس عون وحزب الله.

وقالت مصادر نيابية لـ «البناء» إن «الاحتمالات كافة واردة إزاء الأزمة وهي رهن المشاورات المستمرّة بين الرئيسين بري وعون ومع مختلف القوى السياسية»، لكنّها أشارت الى أن «الاستقالة لن تؤثر على الانتخابات النيابية المقبلة».

وعن مصير قانون الانتخاب وإمكانية تطبيق بنوده العالقة في ظل تجميد عمل الحكومة واللجان الوزارية المختلفة، لفتت الى أن «الانتخابات ستجرى وفقاً لقانون الانتخاب الجديد، أما تطبيق القانون فهذه بنود إجرائية يمكن لوزارة الداخلية أن تبتّ بها بعد الاتفاق السياسي حولها».

وفي سياق ذلك، أعلن المجلس السياسي لـ «التيّار الوطني الحر» بعد اجتماعه الدوري برئاسة رئيسه الوزير جبران باسيل أنّ عجلة الدولة مستمرّة على الأصعدة كلها، وقد أوعز إلى وزرائه ونوّابه الاستمرار في عملهم، ومتابعة شؤون المواطنين وتحمّل المسؤولية التي يفرضها هذا الظرف. كما أكّد أنّ الانتخابات النيابيّة قائمة في مواعيدها، داعياً «المنتشرين اللبنانيّين إلى تسجيل أسمائهم في لوائح الاقتراع، كي تتسنّى لهم المشاركة في الانتخابات، من حيث يقيمون، تحقيقاً لمطلب وطنيّ مزمن».

خلية أزمة في بعبدا

وتحوّل قصر بعبدا يوم أمس، الى خلية أزمة، حيث واصل الرئيس عون اتصالاته لمواكبة الوضع المستجدّ. وترأس اجتماعاً وزارياً مالياً، حضره وزير المال علي حسن خليل، رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان، حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة ورئيس جمعية المصارف في لبنان الدكتور جوزف طربيه.

وأعرب عون عن ارتياحه للتقارير المالية التي تلقاها اليوم عن الحركة الطبيعية للأسواق المالية في البلاد مع بداية الأسبوع، داعياً الى «المزيد من التنسيق بين وزارة المال وحاكمية مصرف لبنان وجمعية المصارف، بهدف المحافظة على الاستقرار المالي في لبنان».

وطمأن وزير المال إلى استقرار الوضع المالي والنقدي في البلد، وأكد أن «الدولة قادرة على تمويل نفسها وعلى إدارة هذه العملية وفق الآليات الدستورية والقانونية، وهناك تنسيق وثيق بين وزارة المالية ومصرف لبنان وجمعية المصارف وجميع المعنيين بهذا الملف».

كما رأس عون اجتماعاً أمنياً وقضائياً تقدّم خلاله «القادة الأمنيون بتقاريرهم الأمنية المشجّعة وهم أكدوا عدم تسجيل أي حادث أمني بعد هذه الاستقالة»، وفق ما جاء في بيان الاجتماع الذي تلاه وزير العدل سليم جريصاتي الذي أعلن أنّه «تقرّر إبقاء الاجتماعات الأمنيّة والقضائيّة مفتوحة لمواكبة الوضع عن كثب يوماً بعد يوم». ورداً على أسئلة الصحافيّين، قال جريصاتي «لا جهاز أمنياً أكد اليوم أي معلومة تتعلّق بمحاولة اغتيال الرئيس الحريري»، مضيفاً «عندما يكون رئيس حكومتنا خارج لبنان، فالرئيس عون لن يُقدم على خطوات من شأنها الاجتهاد في موضوع استقالة رئيس حكومتنا من خارج لبنان».

«المملكة» تُفرج عن الحريري!

وبقيت العيون شاخصة الى مصير الرئيس سعد الحريري ومعرفة أي معلومة تفصيلية عن مكان وجوده وتوقيت عودته الى لبنان، غير أن لقاءه الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، أعطى إشارات تفاؤلية، لكنها غير مؤكدة قبل عودة رئيس الحكومة الى لبنان، لكن يبدو أن الضغوط الدولية على المملكة دفعتها للخروج عن صمتها، وأعلن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير عن الإفراج عن الحريري، معلناً في تصريح أن «اتهام السعودية بأنها أجبرت الحريري على الاستقالة لا قيمة له وبإمكانه مغادرة المملكة العربية السعودية ساعة يشاء».

مشاورات دار الفتوى

وتحوّلت دار الفتوى إلى تجمّع تشاوري لشخصيات سنّية أجمعت في مواقفها على ضرورة احترام الميثاقية وعدم اتّخاذ موقف من الاستقالة قبل عودة الرئيس الحريري، مثنيةً على ما وصفته حكمة الرئيس عون وتوازنه. وشدّد وزير الداخلية نهاد المشنوق من الدار، على «الإمساك بالوضع الأمني تجنّبا لأي حدث يُعكّر البلد»، مشيراً إلى ان «الأجهزة اللبنانية لم تكن لديها معلومات حول محاولة لاغتيال الرئيس الحريري، لكن يبدو أن هناك جهازاً غربياً موثوقاً نقل هذا الكلام للحريري مباشرة». وقال: «ولديّ انطباع أنه سيكون خلال أيام في لبنان».

استمرار الاعتداءات السعودية على لبنان

على صعيد آخر، استمرّت الاعتداءات السعودية على السيادة اللبنانية، فبعد وضع رئيس الوزراء اللبناني في القيد القسري، صعّد وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان من لهجته ضد لبنان، وأشار عبر «تويتر» أمس، الى أن «لبنان بعد الاستقالة لن يكون أبداً كما قبلها، لن يقبل أن يكون بأي حال منصة لانطلاق الإرهاب الى دولنا وبيد قادته أن يكون دولة إرهاب أو سلام». وأعقب تصريحه بتصريح آخر، قال فيه «إننا سنعامل حكومة لبنان كحكومة إعلان حرب بسبب حزب الله ولن نرضى أن يكون لبنان مشاركاً في حرب على السعودية»، كاشفاً أن «الملك سلمان أبلغ الحريري تفاصيل عدوان حزب الله على السعودية».

كما استمرّ الإعلام السعودي بالتحريض وبث سموم الفتنة، حيث نقلت قناة «العربية» الناطقة باسم النظام السعودي عن مصادر غربية، أنه «تمّ رصد محاولات تشويش تعرّض لها موكب الحريري في بيروت قبل استقالته بأيام»، مدّعية بأن «التشويش على موكب الحريري في بيروت تمّ بأجهزة إيرانية الصنع».

غير أن اللافت هو المعلومات التي تحدّثت عن أن السفير السعودي الجديد في لبنان المعتمد لديها وليد اليعقوب، خلفاً للسفير علي عواض العسيري سيصل الى بيروت خلال الأيام المقبلة بعدما أقسم اليمين أمام الملك سلمان بن عبد العزيز.

مواقف دولية

وتوالت المواقف الدولية إزاء الحدث اللبناني، وأعلنت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان، «أن فرنسا أخذت علماً باستقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، وهي تحترم قراره». ودعت «جميع الأطراف اللبنانية للعمل بروح من المسؤولية والتوافق». وأكد البيان «ان فرنسا تقف إلى جانب لبنان وتؤكد مجدداً دعمها لوحدة هذا البلد الصديق وسيادته واستقراره».

وفي حين أشار مندوب بريطانيا في مجلس الأمن، أن «أسباب استقالة الحريري ليست واضحة حتى اللحظة ونحتاج وقتاً لفهم الأسباب الحقيقية للاستقالة»، أملت الخارجية التركية أن لا تؤدي التطورات في لبنان إلى أزمة سياسية جديدة، ودعت جميع الأطراف المعنية إلى الاعتدال وضبط النفس.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى