خلفيات استقالة الحريري وانعكاساتها

إبراهيم ياسين

بعد استقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري من الرياض والحيثيات التي وردت في مضمون بيان الاستقالة طرحت تساؤلات عدة بشأن مستقبل الحكومة، خاصة إذا ما تأكدت الشكوك المتداولة بشأن عودة الحريري إلى لبنان بعد أن أعلن أنّ حياته بخطر في ضوء معلومات عن محاولة لاغتياله، وهو ما نفته كل الأجهزة الأمنية في لبنان.

مستقبل الحكومة الحالية يبدو حسب ما رشح من تصريحات للرئيس ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، لا زال غير محسوم لناحية بقاء الحكومة أو قبول استقالتها والعمل على البدء بإجراء استشارات لتكليف رئيس جديد لتشكيل حكومة جديدة، والسبب في ذلك أن الرئيس سعد الحريري لم يأت بعد إلى لبنان لاطلاع رئيس الجمهورية، حسب الأصول على خلفيات الاستقالة وبالتالي تقديم استقالته رسمياً. ولذلك لن يتم البت باستقالة الحريري والحكومة قبل جلاء الصورة.

هل سيعود الرئيس الحريري إلى بيروت في الأيام القليلة المقبلة ويبدّد الشكوك حول وضعه في الإقامة الجبرية في السعودية في إطار حملة التحقيقات التي تشمل العشرات من الأمراء والمسؤولين السعوديين الذين تمّ توقيفهم دفعة واحدة وإحالتهم إلى التحقيق بتهم الفساد والقيام بمصادرة أموالهم وممتلكاتهم. وهي تهمة يبدو أنها للتعمية على حقيقة وخلفيات حملات الاعتقال والتوقيف والتي تتحدث المعلومات المختلفة عن أنها مرتبطة بوجود محاولة لتنفيذ عملية انقلاب ضدّ حكم محمد بن سلمان الذي أثار موجة من الاعتراضات داخل الأسرة المالكة السعودية على خلفية قراراته بالاستئثار بالسلطة وحصر المراكز الأساسية بأفراد عائلته والمقرّبين منه.

إذاً من الواضح أنّ الغموض حول ما يجري في السعودية هو سيد الموقف إلى أن تتضح الأمور في مقبل الأيام، لكن من المؤكد أنّ استقالة الرئيس سعد الحريري مرتبطة بشكل مباشر بالوضع المستجدّ في المملكة على خلفية الاعتقالات والتوقيفات التي حصلت، كما أنها مرتبطة بما يجري على المستوى الإقليمي من تطورات باتت تسير بشكل واضح لا لبس فيه في مصلحة محور المقاومة وحليفه الروسي. وهو الأمر الذي يشكل هزيمة كبرى للمشروع الأميركي الصهيوني السعودي الذي أخفق في تحقيق أهدافه من وراء شنّ الحرب الإرهابية التكفيرية على سورية والعراق، وأيضاً الحرب الإجرامية والتدميرية على اليمن وشعبه. وبات من الواضح أنّ هذا الحلف قد وصل إلى مأزق وطريق مسدود في المواجهة مع محور المقاومة، وبات أمام استحقاق الاقتراب من التسليم بالهزيمة، ولهذا سارع إلى استخدام أوراقه المتبقية لإرباك محور المقاومة ومنعه من توظيف انتصاراته واستثماره. وفي هذا السياق لجأ إلى استخدام الورقة الكردية عبر رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني لإثارة حرب جديدة كردية عربية وإيرانية. لكن هذه الخطة الأميركية سرعان ما فشلت في تحقيق أهدافها، بمسارعة الجيش العراقي في السيطرة على كلّ المناطق المتنازع عليها في شمال العراق وأهمّها مدينة كركوك، والسيطرة أيضاً على المعابر الحدودية التي تربط إقليم شمال العراق بالدول المجاورة. وهكذا خسرت واشنطن وحلفاؤها الورقة الكردية ولم يعد في جعبتها من ورقة لاستخدامها سوى الورقة اللبنانية لمحاولة حرف الأنظار عن انتصارات محور المقاومة، وإثارة مشاكل جديدة في مواجهته لإرباكه عبر إدخال لبنان في أزمة سياسية والتهديد بإعادته إلى زمن الفوضى والاضطراب وإثارة الفتنة.

ومن خلال قراءة الواقع اللبناني والأوضاع في المنطقة، يبدو أنّ قدرة الحلف الأميركي السعودي الصهيوني على تفجير الوضع في لبنان باتت ضعيفة، أو قل أضعف مما كان عليه في عام 2005، إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري وبالتالي فإنّ أيّ تفجير للوضع في لبنان لن يحصد سوى المزيد من خسارة نفوذه في لبنان، ولذلك فمن المستبعد أن يلجأ هذا الحلف إلى التفجير والأرجح أن يُبقي سقف المواجهة مع محور المقاومة محصوراً في المستوى السياسي عبر إدخال لبنان في أزمة سياسية يبتغي من خلالها محاولة تعطيل الانتخابات النيابية المقبلة من خلال معرفته المسبقة بنتائجها التي لن تكون لمصلحة قوى 14 آذار، وبالتالي فإنه قد يستخدم هذا التعطيل في محاولة لتحسين شروط التسوية ومحاولة تعديل قانون الانتخاب بما ينسجم مع رؤيته وضمان مصالحه في السلطة. هذا السيناريو المتوقع أن تتجه إليه الأوضاع في لبنان ليس قدراً محتوماً، لأنّ موازين القوى لم تعد تُمكّن فريق 14 آذار من فرض شروطه التي تضمن استمرار هيمنته على السلطة من خلال تفصيل قانون انتخابات على مقاسه، ولهذا فإنّ القانون الجديد الذي أُقرّ إنما يُعبّر عن توازن القوى ولذلك جاء بمثابة تسوية من حيث مضمونه وتوزيع الدوائر فيه، ولا يمكن اعتباره قانوناً مفصّلاً على قياس أيّ فئة من اللبنانيين، فهو من خلال إقرار النسبية قد وضع حداً لاحتكار التمثيل الطائفي والمذهبي والذي يرتكز إليه القانون، بل وفّر فرصة لتمثيل المعارضة التي كانت تُحرم من الوصول إلى قبة البرلمان بسبب القانون الأكثري الذي كانت تجري على أساسه الانتخابات في الماضي.

يبقى احتمال أن يبادر الرئيس ميشال عون بالاتفاق مع الرئيس نبيه بري لتحديد موعد لإجراء استشارات نيابية لتسمية رئيس جديد للحكومة بعد أن يكون رئيس الجمهورية قد قبل استقالة رئيس الحكومة في حال عدم عودة الأخير من السعودية، وبالتالي تفادياً لبقاء البلاد من دون حكومة عشية إجراء الانتخابات النيابية، لكن يبقى هذا الأمر مجرد احتمال حتى الآن بانتظار ما ستؤول إليه التطورات في الأيام والأسابيع المقبلة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى