الاحتلال أصبح وجوداً استشارياً!

د. محمد سيد أحمد

هذا الأسبوع شهد مفاجآت عدة على المستوى الإقليمي، سنحاول إلقاء الضوء عليها، مع التأكيد على أنّ العدو الأميركي الصهيوني بمشروعه التقسيمي التفتيتي هو القاسم المشترك الأعظم بين هذه الأحداث والمفاجآت جميعاً، وتعدّ زيارة المسؤول الأمني الأميركي رفيع المستوى – كما وصفته وسائل الإعلام – لدمشق ولقائه باللواء علي مملوك رئيس مكتب الأمن الوطني السوري، رجل المهام الصعبة الذي أجرى زيارات سرية وعلنية لدول وعواصم عربية عدة خلال الشهور الماضية كان أبرزها إلى مصر والسعودية، وبالطبع لم يعلن ولم يسرّب لوسائل الإعلام طبيعة المهمة أو الرسالة التي حملها المسؤول الأمني الأميركي. لكن وبغضّ النظر عن حقيقة ما دار في اللقاء فهناك رسائل عدة هامة للغاية يمكن استنتاجها.

وتعدّ الرسالة الأولى من وراء الزيارة هي اعتراف أميركا بفشل مشروعها التقسيمي والتفتيتي لسورية، خاصة بعد النجاحات التي حققها الجيش السوري مؤخراً في دحره للجماعات الإرهابية المسلحة التي تعمل بالوكالة على الأرض السورية لصالح الأصيل في هذه الحرب الكونية وهي الولايات المتحدة الأميركية وحليفتها الصهيونية.

والرسالة الثانية هي أنّ العدو الأميركي هو الذي يسعى إلى سورية للبحث عن حلّ سياسي، بعدما فشلت الحلول العسكرية التي أنفقت عليها أميركا وحلفاؤها مليارات الدولارات، هذا إلى جانب آلاف الأطنان من الأسلحة التي تمّ استخدامها في هذه الحرب الكونية عبر السنوات السبع الماضية، وفي ظلّ هذا الفشل تذهب أميركا إلى النظام الذي سعت الى إسقاطه في محاولة للحوار معه، وهنا تتحقق نبوءات الرئيس بشار الأسد الذي تحدث أكثر من مرة عن أنّ السيد الأميركي سيأتي يوماً للجلوس معنا للتفاوض باعتباره الأصيل في هذه الحرب وليس غيره.

والرسالة الثالثة تتمثل في رفض سورية أن يلتقي أيّ مسؤول سياسي سوري بالمبعوث الأمني الأميركي مهما كانت أهميته، وحصر الزيارة في الجوانب الأمنية، وهو ما يبرز قوة سورية وحديثها من أرضية المنتصر الذي يملك قراره، ولعلّ ما يبرهن على ذلك ويؤكده هي الكلمات الاحتجاجية الصارمة للواء علي مملوك للمبعوث الأمني الأميركي والتي ذكرتها «رويترز» أنّ وجود القوات الأميركية على الأراضي السورية يُعدّ احتلالاً، فكان ردّ المسئول الأميركي مخزياً إذ قال: «وجودنا استشاري، ونحن نقاتل داعش»، فيما الجميع الآن يعلم أن داعش وغيرها من الفصائل الإرهابية المسلحة التي دحرها الجيش السوري هي صناعة أميركية خالصة.

والرسالة الرابعة هي اعتراف الإدارة الأميركية بشرعية القيادة السورية، وتسليمها ببقاء الرئيس بشار الأسد، ومحاولة فتح حوار معه، بعدما تأكّدت أنه من المستحيل إطاحته. وهو اعتراف بهزيمة المشروع التقسيمي والتفتيتي لسورية، وانتصار للمشروع المقاوم الذي تشكل فيه سورية شعباً وجيشاً وقائداً رأس حربة. وبالطبع الولايات المتحدة الأميركية بهذه المساعي تحاول حفظ ماء وجهها وهيبتها كدولة عظمى في العالم، تريد أن تكون حاضرة على طاولة المفاوضات في المرحلة الأخيرة من انتهاء الأزمة.

وإذا كانت هذه هي المفاجأة الأولى فقد تواكبت مع مفاجأة أخرى لا تقلّ أهمية وهي خروج حمد بن جاسم على «بي بي سي» وتأكيده أنّ مشروع تقسيم وتفتيت العالم العربي والتدمير الممنهج الذي تمّ في مصر وليبيا وسورية واليمن كان تنفيذاً للأوامر الأميركية، وأنّ ما أنفق على الحرب في سورية من يوم انطلاقها حتى الآن يتجاوز 137 مليار دولار، جزء كبير منها ذهب الى أمراء التنظيمات الإرهابية المسلحة، وبعضها ذهب الى جيوب المنشقين السوريين، فقد رصد 15 ألف دولار للعسكري العادي الذي يعلن انشقاقه و30 ألف دولار للضابط، في حين حصل رياض حجاب رئيس الوزراء المنشق على 50 مليون دولار، وتبيّن الأرقام مدى الإجرام الذي مارسته الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها في حق سورية ورغم ذلك انتصرت سورية وهُزمت أميركا ومشروعها.

وجاءت المفاجأة الثالثة المدوية باستدعاء رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري من قبل مسؤولي المملكة العربية السعودية وتوبيخه على السماح للجيش اللبناني بمحاربة داعش ودحره على الأرض اللبنانية، ثم إرسال سفير لبناني إلى سورية، وأخيراً استقباله للمستشار السياسي للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي أكبر ولايتي، وهو ما اعتبرته المملكة خروجاً على أوامرها، ثم أجبرته على إعلان استقالته ووضعته تحت الإقامة الجبرية بصفته مواطناً سعودياً ووجّهت له تهمة الفساد المالي. وبالطبع جاءت هذه المفاجأة بتعليمات أميركية صريحة عقاباً للبنان على دعمه لسورية عبر حزب الله، في محاولة لإعادة لبنان الى الفتنة لينشغل بأحواله الداخلية ويبتعد عن المساهمة في تحرير كامل الجغرافيا السورية.

ثم كانت المفاجأة الأخيرة المدوّية وهي حملة اعتقالات واسعة لعدد كبير من الأمراء والمسؤولين السعوديين بحجة الفساد المالي، وهو ما جعل كلّ وسائل الإعلام العالمية تتجه صوب المملكة لتتابع ما يمكن أن تشهده الأيام المقبلة، وبالطبع الأيدي الأميركية ليست بعيدة عما يحدث، وما يقوم به محمد بن سلمان لا يمكن أن يكون إلا بدعم أميركي كامل، في محاولة لإشعال نيران جديدة في المنطقة بعدما خمدت النيران على الأرض السورية بفضل بسالة الجيش السوري وحلفائه.

نعود مرة أخرى لنطرح من المستفيد من كلّ ما يحدث على الأرض العربية سواء في سورية أو لبنان أو مصر أو ليبيا أو اليمن أو حتى السعودية أحد أبرز حلفاء الولايات المتحدة الأميركية في حربها على أمتنا ومحاولة تقسيم المقسّم وتفتيت المفتت. من المؤكد أنّ المستفيد الأكبر هو أميركا وحليفتها الصهيونية، فاستمرار الحروب والنزاعات والفتن يعني مزيداً من بيع السلاح الأميركي ومزيداً من الأموال التي تدخل الخزانة الأميركية، هذا إلى جانب انشغال جيوشنا الوطنية بمحاربة الإرهاب والانصراف عن أيّ مواجهة محتملة مع العدو الصهيوني، ورغم كلّ ذلك ما زالت غالبية الحكام العرب ينفذون التعليمات الأميركية، لذلك لا عجب أن تعتبر أميركا احتلالها للأرض العربية وجوداً استشارياً. اللهم بلغت اللهم فاشهد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى