الحريري محجور الإرادة مكتوم الرأي مسلوب الفعل

العلامة الشيخ عفيف النابلسي

ما الذي يخافه تيار المستقبل هو أن يتقدّم خطوة إلى لبنانيته؟ التيار محكوم للهيمنة السعودية المباشرة التي لا تترك له حرية القيام بتسويات وحوارات وتفاهمات داخلية، إلا إذا كانت تعكس رغبة سعودية أكيدة؟ هذا ما ظهر خلال السنوات الماضية، وهذا ما بان خلال أزمة احتجاز الرئيس سعد الحريري. فلم نرَ التيار أظهر اعتراضاً على الطريقة المهينة التي عُومل بها زعيمه، بل كان الخوف والخنوع سيد الموقف، فتُرك الحريري يتجرّع وحده كأس المرارة والذلّ والحجز القسري. كيف يستطيع التيار أن يمضي بإعطاء دروس عن الحرية والسيادة والاستقلال وهو محجور الإرادة ومكتوم الرأي ومسلوب الفعل. كلّ الشعارات التي سمعناها منذ سنوات تبيّن أنها مجرد كلام للاستهلاك واستدرار العواطف وكسب الجماهير.

في هذا الامتحان انكشف الزيف وصارت القضية واضحة أمام مرأى الناس كلهم. فالرئيس الحريري ممنوع الحركة إلا بأمر سعودي، وممنوع الكلام إلا بأمر سعودي، وممنوع العودة إلى لبنان، طالما أنّ المشيئة الملكية السعودية لا ترتضي ذلك.

عجيب ما يحصل! والأعجب هذا الاحتقار السعودي لموقع رئاسة الحكومة، وكأنّ رئيس الحكومة موظف في إحدى دوائر وزارة الخارجية السعودية وتمّت إقالته، لأنّه لم يقم بواجباته على أكمل وجه. لماذا لم يعمَد تيار المستقبل إلى التنديد بالإجراءات السعودية وتأكيد لبنانيته واستقلاليته بوجه التعسّف السعودي؟ لقد ظهر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس نبيه بري والأمين العام لحزب الله أحرص عليه منكم، وهم أخصامه في السياسة في كثير من الملفات. على كلّ حال يجني المرء سوء صداقاته، وتبعات رفقائه. فهذا رسول الله يقول لنا: المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم مَن يخالل. والحريري ارتضى السعوديين أصدقاء وحلفاء وهم أكثر مَن بالغ في إهانته واحتقاره والدوْس على كرامته، وهم مَن أرادوا سلب قراره لئلا يكون لديه ما يعارض أيّ توجه لهم. نعم إلى هذا الحدّ وأكثر. فالسعوديون اليوم قد مارسوا أبشع أنواع الخيانة مع أصدقائهم وانقلبوا عليهم دون أن يشعروا بأيّ حرج. مع قطر وعُمان وسورية واليمن، وقد كانت تلك البلدان والحكومات فيها على صداقة وطيدة مع المملكة ولكن انظروا ماذا حدث اليوم! يقول الإمام علي: «احذر مجالسة قرين السوء، فإنّه يهلك مقارنه، ويردي مصاحبه». وبالفعل هذه هي النتيجة التي نعاينها ونختبرها جميعاً. فالسعودية تعمَد إلى إهلاك أصدقائها وقتلهم وتجويعهم ومحاصرتهم.

والأخطر أنهم يستعدّون اليوم للانقلاب على الأمة العربية كلها، وخيانة الشعب الفلسطيني من خلال تطبيع العلاقات مع العدو «الإسرائيلي». وها هي وسائل الإعلام تضجّ بالأخبار عن التعاون والتنسيق والخطط والمشاريع بين الجانبين، بل العمل سوية لضرب مقاومة اللبنانيين والفلسطينيين. لذلك نسأل إلى أين أنتم ذاهبون مع حليف يضرب كلّ أسس الصراع العربي ـ «الإسرائيلي»، بل كلّ الحقوق والقيم المرتبطة بشعوب أمتنا العربية! قد يقول قائل من تيار المستقبل: وحزب الله يصادق إيران، فكلّ كلامكم مردود. نعم ذلك صحيح. ونحن لا نقول أن لا يكون لتيار المستقبل أصدقاء، ولكن الأصدقاء الذين ينطبق عليهم قول الإمام الحسن في وصيته لجنادة في مرضه الذي توفي فيه: اصحب من إذا صحبته زانك، وإذا خدمته صانك، وإذا أردت منه معونة أعانك، وإن قلت صدّق قولك، وإن صلت بالخير – شدّ صولك، وإن مددتَ يدك بفضل مدّها، وإن بدت عنك ثلمة سدّها، وإن رأى منك حسنة عدّها، وإن سألته أعطاك، وإن سكتَ عنه ابتداك، وإن نزلت إحدى الملمات به ساءك».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى