رئيس الجمهورية: احتجاز الحريري عمل عدائيّ ضد لبنان والسعودية لا تتجاوب مع المساعي العربية والدولية لعودته

أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن لا شيء يبرّر عدم عودة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري إلى بيروت، بعد مرور 12 يوماً على إعلانه من الرياض استقالته، وعليه، فإننا نعتبره محتَجَزاً وموقوفاً وحريّته محدّدة في مقرّ احتجازه». وأشار إلى أن هذا الاحتجاز «هو عمل عدائي ضد لبنان لا سيما أن رئيس الحكومة يتمتّع بحصانة دبلوماسية، وفق ما تنص عليه اتفاقية فيينا».

وأبلغ عون رئيس وأعضاء المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع وأصحاب المؤسسات الإعلامية المرئية والمسموعة الذين استقبلهم في قصر بعبدا في إطار لقاءات التشاور التي يُجريها مع الفعاليات السياسية والوطنية والاقتصادية، أن استمرار احتجاز الرئيس الحريري في المملكة العربية السعودية يشكّل انتهاكاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لأن رئيس مجلس الوزراء محتَجَز من دون سبب وتجب عودته معززاً مكرّماً.

وكشف عون أن لبنان اتخذ الإجراءات اللازمة لتأمين عودة الحريري، داعياً وسائل الإعلام الى المساهمة في تعزيز الوحدة الوطنية التي تجلّت خلال الأيام الماضية. وقال: «إن ما حصل ليس استقالة حكومة بل اعتداء على لبنان وعلى استقلاله وكرامته وعلى العلاقات التي تربط بين لبنان والسعودية». ولفت الى أن دولاً عربية تدخلت من أجل عودة الرئيس الحريري إلا أنه لم يحصل معها أي تجاوب، لذلك توجّهنا الى المراجع الدولية، فالتقيت سفراء مجموعة الدعم الدولية للبنان وبينها ايطاليا التي ترأس حالياً مجلس الأمن، وقد صدرت عن كل هذه الدول مواقف طالبت بعودة الرئيس الحريري، وحتى الساعة لا تجاوب مع هذه الدعوات».

وأكد عون أن الرئيس الحريري سوف يعود الى لبنان «ما يحفظ كرامتنا ورموزنا الوطنية، ولن نتساهل في هذه المسألة مطلقاً، ولن نقبل بأن يبقى رهينة ولا نعلم سبب احتجازه».

وقال: «كنّا نتمنى لو أن المملكة العربية السعودية أوضحت لنا رسمياً سبب اعتراضها أو أوفدت مندوباً للبحث معنا في هذا الموضوع، لكن ذلك لم يحصل ما جعلنا نعتبر الأمر خطوة غير مقبولة، إضافة إلى أن تقديم الاستقالة على النحو الذي تمّ فيه يشكل سابقة، ذلك أن استقالة الحكومات لها أصولها ومفاعيلها، ومنها القيام بتصريف الاعمال الى حين تشكيل حكومة جديدة كي لا يحصل فراغ في السلطة». لذلك «لا يمكن أن نقبل الاستقالة والرئيس الحريري محتجز أو خارج لبنان، لأن هناك واجباً عليه تجاه بلده الذي كلّفه رئاسة الحكومة، والجميع يعلم أن الرئيس الحريري شخص يتحمّل مسؤولياته الوطنية ولا يتصرف مثل هذا التصرف الخاطئ».

وقال عون مخاطباً الحاضرين، ومن خلالهم اللبنانيين جميعاً: «أدعوكم إلى عدم الخوف، لا اقتصادياً ولا مالياً ولا أمنياً أو في أي مجال آخر. إن البلد حالياً آمن والسوق المالية تسير بطريقة طبيعية من دون ذعر، ولبنان يعيش الوحدة الوطنية، وهناك تأييد لموقفنا بسبب حقوق الإنسان والحصانة الدولية اللذين لا يمكن لأحد أن يتنازل عنهما. فالقضية وطنية وليست خلافاً سياسياً. في إمكان الرئيس الحريري أن يعود ويقدّم استقالته وتشكّل حكومة بطريقة طبيعية، كما يمكنه التراجع عن الاستقالة، فالحريات في لبنان تامة.»

وأوضح عون رداً على سؤال أن لبنان تلقى دعوة الى المشاركة في اجتماع وزراء الخارجية العرب ومناقشة شكوى سعودية ضد إيران، و«سيلبّي الدعوة مبدئياً، وإذا ما أثير موضوع الأزمة التي نشأت عن تقديم الرئيس الحريري استقالته، وما تلاها فسنواجه ذلك بالذرائع والحجج.»

وشدّد على أنه عند عودة الرئيس الحريري الى لبنان، واتخاذ ما يقرّره وفق رغبته، سيتم البحث في الأمر. وروى أنه عندما تحدّث مع الرئيس الحريري هاتفياً في الرابع من تشرين الثاني الحالي، أبلغه أنه تعب ويريد الاستقالة، فسأله عن موعد عودته، فكان الجواب: خلال يومين او ثلاثة، وأبلغه رئيس الجمهورية أنه يمكن التحدث عند العودة. ولكن منذ ذلك الحين، لم يعد من الممكن التواصل معه عبر أي وسيلة اتصال، «ولا يمكن في مركز مسؤوليتي أن أقبل هذه الاستقالة، وقمت بقناعتي أي التريث لأعلم الظروف التي أقدم على الاستقالة بسببها».

وأوضح عون أنه لا يمكننا خسارة الوقت، خصوصاً أن لا موعد محدداً لهذه العودة، فالكلام يدور حول موعد قريب جداً أو ايام قليلة. ولا يمكن أن نوقف شؤون الدولة، وكان من الممكن أن يسبّب هذا الامر فتنة أو انهياراً مالياً واقتصادياً، إنما تلقيت تطمينات ومنها منذ بعض الوقت حول الحركة الطبيعية في الصادرات والواردات، وهذا مرده إلى قوة الوحدة الوطنية والثبات.

وشدّد رئيس الجمهورية على أن وضع عائلة الرئيس الحريري مماثل لوضعه، و«لم نطالب بعودتها في السابق، لكننا تأكدنا أنها محتجزة أيضاً ويتمّ تفتيشها عند دخول أفرادها وخروجهم من المنزل».

وجدد التأكيد على أن لا عذر مقبول يمنع الرئيس الحريري من العودة إلى لبنان، ويمكن له أن يعلن أسباب استقالته من لبنان، ويمكن الحوار حول المواضيع كلها التي قد تكون دفعته إلى الاستقالة، إلا في الأمور التي تمسّ باستقلالنا وأمننا.

وأدلى رئيس المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع عبد الهادي محفوظ بتصريح بعد اللقاء أشار فيه إلى أن اللقاء مع الرئيس ميشال عون كان أكثر من مفيد ومثمر، وهو متابعة لسلسلة اللقاءات التي أجراها مع مجمل المكونات السياسية والأهلية والنقابية التي شكلت نوعاً من التضامن اللبناني مع رؤية الرئيس عون لمعالجة الأزمة الناجمة عن استقالة الرئيس الحريري ووجوده في المملكة العربية السعودية. كما كان بمثابة خريطة طريق لنا وللعمل الإعلامي، وقد شدّد على الوحدة الوطنية وعلى أن هذه الوحدة مضمونة وهي المدخل الفعلي لاستقرار سياسي وأمني واقتصادي ومالي، وأن لا خوف على السوق المالية في البلد والوضع أكثر من جيّد على أكثر من صعيد حتى بالنسبة الى حركة الواردات والصادرات وفقاً لتقرير كان قد وصله اليوم».

وأضاف: « الرئيس يعتبر أن هناك مسؤولية مشتركة ما بين الإعلام وأهل السياسة لمعالجة ما نحن فيه، لأن في تقديره الإعلام البنّاء هو الذي يستطيع أن يضمن الوحدة الوطنية. وكانت هناك سلسلة حوارات وأسئلة، ونحن مع فخامته ننتظر عودة الرئيس الحريري التي يجمع اللبنانيون كلهم عليها وعلى تمنٍّ باستكمال مهامه باعتبار أن الرئيس عون يعتبر أن هذه الحكومة غير مستقيلة وكل اللبنانيين معنيون بعودته، كما أن هناك حماية دولية وعربية له وأيضاً التزاماً بحقوق الإنسان والحصانة الدولية، لذلك، فإن لعودته علاقة بالسيادة والكرامة اللبنانيتين. وبالتالي، نحن، كمؤسسات إعلامية مرئية ومسموعة ومجلس وطني للإعلام، نعتبر أن ما قاله فخامة الرئيس هو بمثابة خريطة طريق. وبالتأكيد فإن للتحرّك الخارجي دوراً مهماً في المساعدة على ما يتمنّاه اللبنانيون كلهم في عودة سريعة للرئيس الحريري للمشاركة في الحياة السياسية وطمأنة الجميع».

واستقبل رئيس الجمهورية وزير الإعلام ملحم الرياشي الذي أوضح بعد اللقاء أنه نقل الى رئيس الجمهورية رسالة من رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع تتناول التطورات الراهنة وموقف لبنان منها. وأشار الى أنه بحث مع الرئيس عون في «المواقف المرتبطة بإعلان رئيس الحكومة سعد الحريري استقالته».

والتقى الرئيس عون الوزير السابق الياس بو صعب الذي أدلى بعد اللقاء بتصريح شرح فيه الأسباب التي دفعت رئيس الجمهورية الى إعلان موقفه حول «ملابسات احتجاز الرئيس الحريري في المملكة العربية السعودية»، وقال: «إن موقف الرئيس عون ينطلق من حرصه على عودة الرئيس الحريري إلى ممارسة مهماته السياسية والدستورية».

واضاف: «خلال الاتصال الذي أجراه الرئيس الحريري بالرئيس عون يوم السبت 4 تشرين الثاني الحالي وأعلمه فيه عن استقالته، وعد دولة الرئيس بالعودة الى بيروت بعد ثلاثة أيام لمناقشة المسألة مع فخامة الرئيس، إلا أنه انقضت ستة أيام ولم يعُد الرئيس الحريري، فطلب فخامة الرئيس من القائم بالأعمال السعودي وليد البخاري إيضاحات تتعلّق بوضعه وظروف استقالته وعدم عودته إلى لبنان. ومرّت ستة أيام أخرى لم يسمع فخامته جواباً من المسؤولين السعوديين في وقت كان الغموض يزداد حول وضع الرئيس الحريري وتتزايد الشائعات حول مصيره ولا تزال».

وقال بو صعب: «إضافة الى ما تقدّم، كانت أيضاً مواقف دولية طالبت بعودة الرئيس الحريري وتمكينه من العمل بحرية، بما في ذلك إذا رغب في الاستقالة، غير أن هذه المواقف وغيرها لم تحقق النتائج المرجوّة، مما دفع الرئيس عون الى إطلاق صرخة للإسراع في معرفة حقيقة الوضع الذي يمرّ به رئيس الحكومة».

وختم: «لقد سمعت من فخامة الرئيس حرصاً على عدم إصابة العلاقات اللبنانية – السعودية بأي خلل أو جروح لا سيما أن فخامته يعتبر أن ما حصل مع الرئيس الحريري يمكن أن يُستغلّ للإساءة الى العلاقات اللبنانية – السعودية. وفي هذا المجال، أؤكد أن فخامة الرئيس حريص كل الحرص على العلاقات اللبنانية – السعودية وعلى تطويرها وتعزيزها، لا سيما أن أول زيارة رسمية في عهده كانت للمملكة.

ودعا رئيس الجمهورية خلال لقائه وفداً طالبياً من مدرسة «سيّدة الجمهور»، كان يقوم بجولة في أرجاء القصر الجمهوري عشية عيد الاستقلال الطلاب اللبنانيين إلى أن «يعملوا كي يكون لبنان فخوراً بأبنائه كافة، وأن يتابعوا أخبار وطنهم وما يجري فيه من أحداث فيكونوا على قدر يسمح لهم باتخاذ خياراتهم الوطنية، لأن مَن يكون على الحياد لا ينصر الباطل بالتأكيد، ولكنه يخذل الحق».

وإذ حذّر الرئيس عون الطلاب من «تعميم الشائعات والأخبار المسمومة»، دعاهم الى أن «يعملوا على تقوية الحس النقدي لديهم لا أن يكتفوا بالحقائق من عناوين الصحف فحسب».

وقد جال الطلاب الذين أتوا من مختلف المناطق اللبنانية، في أرجاء القصر واستمعوا الى شروح عن تاريخه ورمزية قاعاته، كغرفة الصحافة وقاعة «22 تشرين الثاني»، وقاعة «25 أيار» وصالون السفراء وقاعة مجلس الوزراء، وعبروا عن سرورهم وشكرهم لرئيس الجمهورية على إتاحة الفرصة لهم لزيارة القصر الجمهوري للمرة الأولى، لا سيما عشية ذكرى الاستقلال. وأكدوا ان أملهم بـ «التغيير في سبيل تحقيق الازدهار والأمن والاستقرار للبنان كبير»، مشدّدين على تمسكهم بالبقاء فيه.

وحرص رئيس الجمهورية في ختام كل جولة، على لقاء الطلاب مرحّباً بهم، والتقاط الصور التذكارية معهم، ودعا الطلاب الى «عدم تعميم الشائعات». وقال: «تحققوا من كل أمر وانتبهوا إلى الأخبار المسمومة».

وتابع: «لا أدري كم من أحد من بينكم سيبقى هنا لمتابعة تحصيله الجامعي في الجامعات اللبنانية، إذ إن البعض من بينكم سيذهب للتخصص في الخارج. ولكن سواء بقيتم في لبنان أم في الخارج، تعلّموا واقتبسوا الجيد دائماً والمستوى العلمي العالي، وخذوا ما لدى الخارج من قيم ونظام وحصانة للفرد، وليس كما جرى عندنا حيث تمّ احتجاز رئيس حكومتنا في الخارج، فلا تكونوا أبداً هامشيين. لقد بلغتم سن الرشد وبات بإمكانكم الخيار بين الجيد والصالح من جهة وما هو غير ذلك».

وعرض الرئيس عون مع وزير الدولة للتخطيط ميشال فرعون الأوضاع العامة في البلاد والتطوّرات الأخيرة. كما استقبل رئيس «المؤتمر الشعبي اللبناني» كمال شاتيلا في إطار التشاور الجاري مع الفعاليات الحزبية والسياسية.

وفي قصر بعبدا أيضاً المهندس رياض الأسعد الذي عرض الأوضاع العامة، وكانت مناسبة شكر فيها الرئيس عون على مواساته بوفاة والده النائب السابق المرحوم سعيد الأسعد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى