ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…

ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…

تُخصّصُ هذه الصفحة صبيحة كل يوم سبت، لتحتضنَ محطات لامعات من تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، صنعها قوميون اجتماعيون في مراحل صعبة من مسار الحزب، فأضافوا عبرها إلى تراث حزبهم وتاريخه التماعات نضالية هي خطوات راسخات على طريق النصر العظيم.

وحتى يبقى المستقبل في دائرة رؤيتنا، يجب أن لا يسقط من تاريخنا تفصيل واحد، ذلك أننا كأمّة، استمرار مادي روحي راح يتدفق منذ ما قبل التاريخ الجلي، وبالتالي فإن إبراز محطات الحزب النضالية، هو في الوقت عينه تأكيد وحدة الوجود القومي منذ انبثاقه وإلى أن تنطفئ الشمس.

كتابة تاريخنا مهمة بحجم الأمة.

إعداد: لبيب ناصيف

سعاده والحزب. . . من التأسيس حتّى مغادرة الوطن عام 1938

هذا المقال مع الجزء الأول الذي نشر السبت الماضي في «البناء» ، يشكّل القسم الثاني من سيرة الزعيم أنطون سعاده والحزب. القسم الأوّل يغطّي مرحلة طفولة سعاده حتى قُبيل تأسيسه حزبه، داعين من يرغب، الدخول إلى قسم «من تاريخنا» على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www. ssnp. info.

إذ نعرض للقسم الثاني الجزء الثاني استناداً إلى ما توفر في أدبيات الحزب، نشير إلى أننا نقدّم عرضاً موجزاً لا تأريخاً كاملاً، آملين من الرفقاء والأصدقاء أن يقدّموا ما لديهم من ملاحظات واقتراحات.

في خضم ذلك تميزت الفترات القصيرة التي كان فيها سعاده خارج الاعتقال بمواقف العز وبالمواجهة العلنية مع الانتداب وأجهزته، منها أيام الحزب في كل من شارون، عماطور، وبكفيا، وهنا نضيء بسرعة على كل منها:

يوم شارون

يوم شارون هو الاحتفال الشعبي الرائع الذي أقيم في بلدة شارون منطقة عالية تكريماً للرفيق حسين البنا الذي سقط شهيداً في فلسطين، والزعيم في الأسر. بعد خروج سعاده من أسره الثاني، أوائل تشرين الثاني 1936 بادر فوراً إلى إقامة مهرجان لتكريم الرفيق الشهيد. يقول الأمين عجاج المهتار الذي شارك في الاحتفال الشعبي: « إن التجمع كان في صوفر، وفي الموعد المحدد زحفت المواكب والعدد بالألوف يتقدمها الزعيم سيراً على الأقدام إلى شارون طريق السيارات لم تكن قد وصلت كان المهرجان رائعاً وخطاب الزعيم أكثر عظمة وروعة».

يوم عماطور

كما كان لزيارة سعاده إلى محافظة اللاذقية في أواسط كانون أول 1936 أثرها الجيد، سياسياً وإذاعياً، وساعدت على نمو الحزب وانتشاره، فقد كانت الزيارة التي قام بها الزعيم إلى الشوف، وخاصة عماطور، تأكيداً على قوة الحركة السورية القومية الاجتماعية.

قبل زيارته عماطور كان سعاده قد زار بعقلين حيث كانت منفذية الشوف قد دعت المسؤولين المحليين للاجتماع بالزعيم الذي شرح مضمون التعاليم السورية القومية الاجتماعية بعد أن مر باستعراض الحالات المرضية السيئة التي وصلت إليها البلاد.

مديريات الشوف الأعلى، دعت سعاده إلى زيارتها فوراً وعقد اجتماع في عماطور التي كانت شهدت المصالحة بين العائلتين الكبيرتين عبد الصمد وأبو شقرا، بفضل العقيدة القومية الاجتماعية التي صهرت أبناء العائلتين المتخاصمتين تاريخياً في وحدة الإيمان والصراع.

المنفذ العام الأمين كامل أبو كامل كان يرى أنه بعد أن عقد الزعيم اجتماعاً ناجحاً في بعقلين فلم يعد من ضرورة لعقد اجتماع آخر في عماطور قد يعرّض الحزب لملاحقات جديدة، إلا أنه انصاع لقرار الزعيم، بينما تشبث نائب الزعيم صلاح لبكي برأيه بحجة أن الشوف منطقة معادية للحزب بسبب موقف السيدة نظيرة جنبلاط التي يساندها الانتداب ويعتبرها ركيزة ودعامة كبيرتين له في هذه المنطقة، خصوصاً أن المتوجهين إلى عماطور سيمرون حكماً في المختارة. إلا أن سعاده قرر أن يتحدى السلطة في عقر دارها.

في 19 كانون الثاني 1937 « تلاقت الوفود الحزبية من جميع أنحاء الشوف تتقدمها أعلامها الحزبية وتسير بخطى موزونة كأنها قطع جبارة من جيش مدرب عظيم، كما يقول الأمين جبران جريج.

كذلك حضرت القوة الحكومية المستنفرة وحضر معها قائمقام الشوف ناظم عكاري وقائد الدرك في بيت الدين نسيب دحروج. وأمام دار البلدية وساحتها كان التحدي واضحاً: قوة هائلة مستعدة لكل طارئ، وقوات حكومية تطوق الساحة، فيما قوة قومية اجتماعية أخرى خفية تطوق هذه القوات من على السطوح ومن جوانب المدخل باتجاه الساحة.

وصل الزعيم، فأبلغه القائمقام عكاري وقائد الدرك الأسباب الموجبة لإلغاء المهرجان. فأحالهما سعاده إلى المنفذ العام للتفاوض والمشورة.

في هذه الأثناء، بدأ الزعيم خطابه، في حين بدأ الرفقاء المسلحون فوق السطوح وعند المداخل يظهرون تباعاً، مما جعل السلطة المحلية ترى أن الاصطدام لن يكون لصالحها، كما أنه لم يعد بإمكانها إلغاء المهرجان، والزعيم كان قد بدأ الكلام.

يوم بكفيا

كانت الصحف قد راحت تتحدث بعد يوم عماطور عن الفشل الذي منيت به السلطة التي عجزت عن أن تحول دون عقد المهرجان. لذلك رغبت السلطة أن تعطل اجتماع بكفيا 21 شباط 1937 بعد أن كانت سمحت به، لتظهر بمظهر القوة وتستعيد معنوياتها، فسيرت قوة من الدرك مع أوامر صارمة بمنع إقامة المهرجان. مرة جديدة تفشل الدولة، وأسفر الاصطدام عن جرحى من الطرفين وعن عدد كبير من البنادق المحطمة.

اعتقل رفقاء، ولوحق غيرهم، كما تمّت ملاحقة سعاده إلى أن اعتقل في بلدة المريجات عند حاجز للدرك، وكان متوجهاً إلى الشام في سيارة الرفيقة وداد ناصيف، ومعه جورج عبد المسيح. ما يلفت النظر هو البيان العنيف الذي أصدره سعاده في الأول من آذار 1937 بعد مهرجان بكفيا، ومنه نقتطع التالي:

« إننا نعلن أن كياناً من هذا النوع هو كيان فاسد من أساسه. فإذا كان للبنان كيان فهو كيان الشعب اللبناني كله. إذا كانت الطبقة الحاكمة في لبنان تعتبر أنها هي لبنان وأن الشعب ليس سوى الجماعة المحكومة فلنا الشرف أن نعلن أن من أهم أهداف الحزب السوري القومي الاجتماعي إزالة هذه الصورة السيئة لحياتنا القومية صورة الحاكم والمحكوم والقضاء على الامتيازات المدنية في الدولة «.

« إن الدولة هي جمعية الشعب الكبرى، وكل فرد من أفراد الشعب مشترك في حياة الدولة، هو عضو في الدولة وما السوريون القوميون الاجتماعيون في لبنان سوى أعضاء في الدولة اللبنانية. وكل حكومة تحاول أن تربط مصير الشعب بمصيرها هي تكون حكومة خائنة مصلحة الدولة. والحكومة التي تمنع أعضاء الدولة من التفكير في مصير دولتهم ومن استعمال حقوقهم المدنية والسياسية في تقرير هذا المصير حكومة قد تجاوزت حدودها وخرقت حرمة المبادئ التي تقوم هي نفسها عليها وعصت إرادة الشعب الذي له وحده حق تقرير مصيرها ومصيره. إن حكومة من هذا النوع يجب إعلانها حكومة عاصية. وإني أعلنها حكومة عاصية. .

انتخاب أول مجلس أعلى

في الفترة بين يوم عماطور ويوم بكفيا، وبعد أن صنف دستور الحزب في 20/1/1937 ـ وقد أضيف إليه مرسوم رتبة الأمانة ـ دعي الأمناء الذين كان سعاده منحهم الرتبة إلى اجتماع في منزل نعمة ثابت، وبحضور الزعيم، تمّ انتخاب أول مجلس أعلى للحزب، ففاز بالعضوية الأمناء فخري معلوف. نعمة ثابت، مأمون أياس، جورج عبد المسيح، كامل أبو كامل، عبد الله قبرصي، معروف صعب.

وجرى الاقتراع على الرئاسة ففاز فخري معلوف برئاسة المجلس إنما استقال لاحقاً بسبب سفره فانتخب نعمة ثابت رئيساً .

الاعتقال الثالث

الاعتقال الثالث وهو الأخير قبل مغادرة سعاده الوطن، تمّ في 9 آذار 1937 كما أن حملة الاعتقالات شملت المناطق اللبنانية كلها حتى أن عدد المعتقلين في سجن بعبدا وحده بلغ مئة وخمسة وثلاثين رفيقاً. والتهمة التي شملت الجميع هي تهمة العمل في حزب منحل.

خارج السجن تولى القيادة الحزبية الأمين أنيس فاخوري بعد أن كان سعاده أصدر، وهو في السجن، مرسوماً بتعيينه نائباً للزعيم له كل الصلاحيات الإدارية التنفيذية، إلا السياسية منها، وساعده في القيادة هيئة تنفيذية من مفوضين جبران جريج للمالية، قاسم حاطوم للداخلية، إميل خوري حرب للإذاعة، وفريد مبارك الذي كان عميداً قبل الاعتقال .

لم تطل إقامة الزعيم في السجن، ذلك أن الدولة كانت مقدمة على خوض الانتخابات النيابية، وتحتاج إلى قوة الحزب، والحزب بدوره كان بحاجة إلى فترة من الراحة ليعيد تنظيم فروعه وأوضاعه.

لذلك فإن الاتصالات السياسية أسفرت عن هدنة بين الدولة والحزب، يوضحها سعاده في رسالته إلى غسان تويني بتاريخ 26 أيار 1946 إذ يقول: « وما إن خرجت من السجن في أيار سنة 1936 حتى عدت إليه في حزيران سنة 1936 وفي السجن وضعت «شرح المبادئ» الذي بلور العقيدة وصفاها من التآويل غير المسؤولة ومن المخالطات الغريبة. وبعد خروجي من السجن الثاني ببضعة أشهر جرت اصطدامات بكفيا المشهورة وحصل السجن الثالث. فيكون غياب الزعيم، موجد العقيدة وصاحب الدعوة، عن الحزب وعمله الإداري السياسي مدة سنتين تتخلّلها فترتان قصيرتان جدا. وكانت الحرب على العقيدة تشتد وكان يجب إرساخ العقيدة في الحزب وصيانته من الميعان المبادئي والأخلاقي المتفشي في شعبنا وإكسابه الصلابة والمناعة اللتين هما، مع رسوخ العقيدة، كل رأسماله المعنوي الذي يكسبه هذه المنزلة الممتازة في الأمة ويؤهله لبدء المرحلة الجديدة مرحلة دخول ميدان السياسة العملية. والحقيقة أن هذه المرحلة كانت قد ابتدأت في زمن السجن الثالث حين شعرت الحكومة اللبنانية بمناعة الحزب وصلابته وحاجتها إلى التفاهم معه فابتدأت من جانبها بمفاوضة الزعيم في السجن فقبل الزعيم المفاوضة وتمكن من الفوز بذلك «التفاهم» مع الحكومة اللبنانية المؤلفة من حزب إميل اده خير الدين الأحدب وكان من وراء ذلك الإفراج عن المعتقلين وعدم التعرض لحركات الحزب والسماح للصحف بنشر أخباره واكتساب الرخصة بإصدار جريدة «النهضة» وإصدارها أشهراً عديدة وطبع مبادئ الحزب مشروحة بقلم الزعيم وكتاب «نشوء الأمم».

عن ذلك يقول الأمين جبران جريج في الجزء الثالث من كتابه «من الجعبة» أن سعاده طالب، وحصل على ما يلي:

حرية العمل الحزبي، إنما دون علم وخبر رسمي.

إصدار جريدة تكون لسان حال النهضة.

منحه جواز سفر.

العفو عن كل الدعاوى الحزبية حتى تاريخه.

ويضيف أن سعاده أوضح في رسالة قدمها، أن الحزب لا يعمل على هدم الكيان اللبناني، وهذا نصها:

« أنا أنطون سعاده أؤكد أن المبادئ القومية هي عقيدة علمية تعمل في سبيل تحقيق وحدة المجتمع ولا تعمل على هدم الكيان اللبناني».

في الفترة التي أعقبت خروج سعاده من الاعتقال الثالث، وحتى مغادرته الوطن، حصلت أمور عديدة، منها:

تمّ شراء آلة طابعة على الستانسل وإصدار أول نشرة إذاعية.

أصدر مكتب عبر الحدود أول بيان له وكان يرأسه فخري معلوف باسم مستعار: أنور عصام. بتاريخ 2 تموز 1937 . بعد أن كان أنشأ سعاده مكتب عبر الحدود في أواخر العام 1936.

بتاريخ 12 تموز نشر سعاده مقاله التاريخي «شق الطريق لتحي سورية» إثر عقد فرنسا وتركيا معاهدة صداقة في 4 تموز اتفق فيها الطرفان على تعزيز العناصر التركية في الاسكندرون.

في 25 تموز قام سعاده بزيارة طرابلس والكورة، وقد صنفها سعاده من أيام الحزب التاريخية.

شكل سعاده لجنة لوضع أسس التدريب العسكري وتمّ وضع كراس يضم الأسس للتدريب على النظام المرصوص ووضعت الكلمات العربية المناسبة.

في 14 ت1 1937 صدر العدد الأول من جريدة «النهضة» التي استمرت حتى بلغت 163 عدداً، ثم توقفت في 17 أيار 1938.

إنشاء المكتب الأعلى المختص عرف بـ م. أ. م. ومهمته صيانة الحزب أمنياً.

دعا سعاده إلى عقد أول مؤتمر إداري عقد في بيروت .

منح رتبة الأمانة لعدد من الرفقاء بعد أن كان منح الرتبة لمجموعة أخرى بعد تصنيف الدستور في 20/1/1937.

أنشأ الندوة الثقافية في خريف العام 1937، وكان أول رئيس لها زكي نقاش والناموس فؤاد سليمان.

حضور سعاده إلى بلودان كي يكون على مقربة من المؤتمر الذي عقد فيها وموضوعه فلسطين وما يحاك حولها من مؤامرات. رافقه الرفيق «الأمير» أمين أرسلان وقام باتصالاته مع مختلف الشخصيات السورية والعربية التي حضرت المؤتمر. إنما عاد سعاده من بلودان يحمل معه انطباعات جديدة ترسخ في نفسه اعتقاده أن لا خير يرجى من هؤلاء، لا من أجل فلسطين ولا من أجل كيليكيا والاسكندرون.

تمت طباعة «نشوء الأمم»، «كتيب التعاليم» و»الدستور».

شمول احتفالات الأول من آذار 1938 لمعظم المناطق وأبرزها الاحتفال الذي أقيم في منزل الرفيق زكريا لبابيدي، والخطاب التاريخي الهام الذي ألقاه سعاده.

الانتصار للأديبة مي زيادة والاهتمام بها بعد أن اتهمها أقارب لها بالجنون طمعاً بمالها.

أما الأبرز، فهي الانتخابات النيابية في كل من الشام ولبنان.

عن الانتخابات النيابية الشامية يقول الأمين الياس جرجي أن « الحزب خاضها في معظم المناطق بزخم قوي وفاعلية لفتت إليه اهتمام الأصدقاء والخصوم. وقد كان له في بعض الدوائر الانتخابية مرشحون من أعضائه، وأيد في المناطق الأخرى مرشحين من أنصاره».

في الانتخابات المذكورة نجح الياس الجرجس فكان أول نائب يفوز بدعم من الحزب في دائرة الحصن تلكلخ. ومن جرائها خسر عزيز حديد رتبة الأمانة فجرد منها بسبب موقفه في الانتخابات. الجدير بالذكر أن الحزب خاض الانتخابات في مواجهة لوائح السلطة في العديد من المناطق، مؤكداً على حضوره الجيد في الوسط الشعبي.

أما بالنسبة للانتخابات النيابية في لبنان فإن أوضح شرح لها هو ما ورد في خطاب الزعيم في أول آذار عام 1938، يقول: « جاءت الانتخابات اللبنانية بعد مدة قليلة من وقت خروجنا من السجن في أيار 1937 ، وكان جو هذه الانتخابات متجهماً والدعاوات سائرة على قدم وساق، وبرزت الأنانيات الجامحة على المسرح، وظن بعض أصحاب هذه الأنانيات أنه يستطيع تسخير الحزب السوري القومي الاجتماعي لأغراضه وتضحيته على مذبح شهواته. أما الحزب فتجاه ما كان متراكماً عليه من القضايا الجزائية وتجاه الحاجة إلى وقت لإعادة تنظيمه بعد نحو سنتين من اعتقالات وملاحقات، لم يكن في حالة تسمح له بخوض المعركة الانتخابية بأساليبها الطائفية الفاسدة وإمكان شراء أصوات كثيرة بالمال فضلاً عن الاتجاهات السياسية، التي كنت أرى خطوطها بجلاء. ولذلك فضلت العمل لمصلحة الحزب، لا سيما ونحن لا فرق عندنا بين حكوميين ومعارضين في السياسة الحاضرة فكان موقف الحزب السوري القومي الاجتماعي في الانتخابات أعظم الانتصارات السياسية.

إن هناك أفراداً تعودوا تسخير الأحزاب التقليدية لمنافعهم الخاصة فظنوا أنهم ينالون من الحزب السوري القومي الاجتماعي ما كانوا ينالون من الأحزاب الأخرى. وقد ساء فألهم، لأن الحزب السوري القومي الاجتماعي يقول أن الأفراد يسخرون للقضية القومية لا القضية القومية للأفراد».

سفر الزعيم

في أوائل عام 1938 طرح سعاده في المجلس الأعلى للحزب موضوع قيامه بجولة على المغتربات الأميركية خاصة البرازيل، الأرجنتين المكسيك والولايات المتحدة، وبعد البحث تقرر أن يقوم الزعيم بهذه الجولة في ذلك العام نفسه. وحدث بعد ذلك بخمسة شهور أن الزعيم عرف بأن السلطات المنتدبة تبيّت نية سيئة نحوه وتحيك مؤامرة خبيثة للإيقاع به وبالحزب وضربه ضربة قاسية جداً، فعجّل بتنفيذ القرار بالسفر 1 .

في رسالته إلى المجلس الأعلى الموجهة إليه من قبرص في 2 تموز 1938 يقول سعاده: «. ومن الأخبار الواردة في رسالتكم، اتضحت لي جلية صحة تقديري الموقف والظروف قبل مغادرتي. فلو أني ترددت أو أبطأت، لكنت الآن غنيمة لأعدائي وأعداء الأمة » 2 .

في مخطوطة مذكراته يفيد الأمين كامل أبو كامل 3 بعد أن يوضح أن سعاده منح رتبة الأمانة إلى الرفقاء فخري معلوف، نعمة ثابت، مأمون أياس، كامل أبو كامل، عبد الله قبرصي، جورج عبد المسيح، معروف صعب، عجاج المهتار، أنيس فاخوري، مصطفى المقدم 4 ونجلا معتوق يقول: «بعد أن تبلغت منحي رتبة الأمانة مع نسخة عن مرسوم رتبة الأمانة وشروطها، ومرسوم تشكيل المجلس الأعلى بأسبوع، دعيت لاجتماع يعقد في بيت نعمة ثابت. وعندما تكامل عدد المدعوين دخلنا غرفة الاجتماع وتمّ انتخاب أول مجلس أعلى للحزب بحضور الزعيم، ويضيف « أنه بعد أن جرى الاقتراع على الرئاسة وفاز فخري المعلوف برئاسة المجلس، تمّ عقد أول اجتماع رسمي واختصر الاجتماع على قرار واحد هو تعيين موعد ومكان الجلسة المقبلة. وأخذ المجلس علماً في هذه الجلسة بأن الزعيم قد يجوز أن يتركنا بوقت قريب».

يفيد الأمين جبران جريج في الصفحة 216 من الجزء الرابع من مجلده «من الجعبة»: « أنه جرى في الأسبوع الذي سبق انتقال الزعيم من بيروت اتخاذ بعض التدابير الاحترازية منها تفريغ مركز الحزب في شارع المعرض من جميع الوثائق الحزبية، كذلك إخلاء مكتب جريدة «النهضة» 5 بعد أن كان صدر قرار بتعطيلها إلى أجل غير مسمى، ونقل اللوحة التي تحمل اسمها إلى حيث مركز الحزب للتدليل على استمرار وجود الجريدة بالرغم من قرار تعطيلها»، ويضيف أنه في المكتب المذكور جاء المباشر القضائي يبلغ سعاده مذكرة صادرة من المستنطق رضا التامر بوجوب حضوره إلى دائرته لاستجوابه حول دعوى مقامة ضده. فرفض تبلغ المذكرة» لأن المكان لم يعد يخص أنطون سعاده زعيم الحزب السوري القومي بل هو يخص جريدة «النهضة».

لم تتمكن الدولة والأجهزة الأمنية من معرفة أن سعاده غادر لبنان إلا بعد مرور شهر، وهذا مما زاد في انفجار حقد الدوائر المتربصة بعد أن عجزت عن القبض على سعاده، كما معرفة مكان وجوده، فتعرض السوريون القوميون الاجتماعيون إلى حملات دهم واعتقال. إزاء هذه الحملة صدر بيان حزبي شديد اللهجة جاء فيه: « تبين بما لا يقبل الشك أن الخطة التي وضعت للقضاء على الحزب السوري القومي كانت حقيرة وسخيفة. حقيرة لأنها أظهرت حقارة القائمين بها وجبنهم عن مجابهة الحزب في الميدان السياسي، وسخيفة لأنها دلت على سوء فهم الاختبارات السابقة وعدم تقدير قوة الحزب الحقيقية «.

في 11 حزيران 1938 غادر سعاده بيروت متوجهاً إلى دمشق، حيث مكث فيها يومين يتفقد شؤون المنفذية 6 ثم تابع سفره في اليوم الثالث إلى عمان حيث كان في استقباله مدير مديرية عمان المستقلة الرفيق مجد الدين الجابري 7 وعدد من الرفقاء.

في 18 حزيران تمّ لقاء سعاده بعاهل شرق الأردن الأمير عبد الله، إلا أن المقابلة لم تكن ودية، فسعاده « لم يحافظ على أصول البروتوكول»، فهو لم ينحن ولم يقبل يد الأمير، بل مد يده وصافحه مصافحة الند للند، لذا لم تدم المقابلة طويلاً وأنهاها سعاده مودعاً الأمير وهو منتصب القامة كما عند قدومه 8 .

يقول الأمين جبران جريج في الصفحة 219 في كتابه «من الجعبة» الجزء الرابع، أن سعاده ترك في عمان

« صداقتين قويتين، إحداهما صداقة أبو فيصل الشنقيطي الذي تربطه علاقة وثيقة حميمة بالأمير عبد الله، والثانية صداقة طلال ولي العهد الذي أعجب بالزعيم وأفكاره التحررية التقدمية حتى أنه سرت إشاعة أنه انتمى إلى الحزب».

صباح الثلاثاء 21 حزيران غادر سعاده عمان عن طريق اربد، جسر المجامع، طبريا حيث زار منزل القسيس عبد الله الصايغ 9 فتناول فيه الغداء ثم تابع نحو حيفا.

التقى سعاده في حيفا منفذها الرفيق كميل جدع 10 والرفقاء وعقد لهم اجتماعات إدارية وعامة، وفي 23 حزيران غادر سعاده بالباخرة إلى قبرص فوصلها في نفس اليوم.

هوامش

1 – «سعاده في المهجر» الجزء الثاني ص 57.

2 – يقول سعاده في العدد الأول من جريدة «سورية الجديدة»، الصادر في 11 آذار 1939 «وفي الحقيقة أن هذه الملاحقة الرابعة الملاحقات الثلاث هي الاعتقالات التي تعرض لها سعاده التي أظهرت فشل الحكومة اللبنانية وتفوق مؤسسات الحزب عليها كانت بناء على ما بلغ دائرة الاستخبارات الفرنسية عن قيام الحزب بتوسيع دائرة التدريب التطوعي وتوزيع بعض الخبراء العسكريين على بعض المناطق الاستراتيجية وإعداد الزعيم برنامج رحلته إلى المهاجر. فأوعز إلى مكتب التحريات كان يرأسه القاضي فرنان أرسانيوس بملاحقة الحزب والقبض على زعيمه وأركانه، ويظهر أن دوائر استخبارات الحزب م. أ. م. كانت أقوى وأسرع من دوائر استخبارات جيش الشرق الفرنسي ومكتب التحريات إذ أن دوائر الحزب العليا أخذت علماً بالتدابير جميعها فأمرت بإحداث تنقلات بعض الموظفين والمدربين بحيث يتعذر على أعداء الحزب تطبيق معلوماتهم وتعليماتهم وباشر الزعيم رحلته في الوقت الذي كان معيناً ولم يطلع عليه غير أعضاء المجلس الأعلى».

3 – تولى في الحزب مسؤوليات محلية منفذ عام ومركزية عديدة منها عمدة الدفاع وانتخب عضواً في المجلس الأعلى.

4 – في إحدى النشرات الرسمية أواخر الأربعينات ورد أن الرفيق مصطفى المقدم لا الأمين عين منفذاً عاماً لطرابلس. هذا ما لفتنا إليه الرفيق إبراهيم يموت. إلا أن الأمناء جبران جريج، عبد الله قبرصي وكامل أبو كامل يوردون في مذكراتهم أن سعاده منح الرفيق المقدم رتبة الأمانة في الثلاثينات، ولم يحصل أن جرده منها. لذلك نحن نميل إلى الاعتقاد أن ما نشر في النشرة الرسمية كان خطأً مطبعياً. نأمل من كل أمين أو رفيق يملك ما يفيد فيه في هذا المجال أن يكتب لنا، من أجل جلاء الحقيقة.

5 – كان مكتبها يقع في بناية صفير شارع المطران خلف مبنى بلدية بيروت.

6 – فيما سعاده في دمشق اتصل به الرفيق حمود هاني من رأس المتن يستأذنه بخوض القتال ضد اليهود في فلسطين برفقة الرفيقين خليل الطويل وعارف نبا، فنال الموافقة. من الجعبة الجزء الرابع، ص 216 .

7 – من مدينة حلب أساساً، وهو مهندس.

8 – مراجعة رسالة سعاده إلى رئيس المجلس الأعلى فخري معلوف التي وجهها إليه من قبرص في 25 حزيران 1938.

9 – والد الرفقاء الدكتور يوسف، فايز وأنيس صايغ. يفيد سعاده في رسالته إلى فخري معلوف بتاريخ 25 حزيران «عرجت على منزل أهل يوسف ووجدت هناك فؤاد وتناولت الغداء عنده وتابعت إلى حيفا».

10 – منح لاحقاً رتبة الأمانة وتولى العديد من المسؤوليات المركزية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى