«هكذا أنا» للشاعرة دينا خيّاط… حين تصبح القصيدة أنثى قادرة على التفوّق!

عبير حمدان

حين نتنفّس اللغة، ندرك أنها تشبهنا. من هنا تتشكّل القصيدة بما فيها من تفاصيل قد تبدو عادية لمن يصوغها على مشارف النبض، لكنها تخرج إلى العلن عميقة على قياس «الأنا» المحلّقة بين الأرض والسماء.

وللكلمات مملكتها التي لا تخشى فعل النسيان، حيث يصبح الحبر سيّد الحضور بين دفّتَي كتاب. والمكتوب يدخل القلب ويُغني الروح من عنوانه. من هنا تطلّ علينا الشاعرة والزميلة دينا خيّاط في إصدارها الشعريّ الأخير «هكذا أنا» عن «دار المؤلف» في بيروت، بإطار يشبهها حتى لناحية تصميم الغلاف الذي حمل الكثير من الغموض الجميل، ما يستفزّ القارئ ليبحث أكثر عن ماهية السحر الكامن بين السطور.

الحبّ بتفاصيله كلّها، وبما يمنحنا من قوّة وقناعة بوجودنا، وبأن نحترف تطويع اللغة على هيئة قصيدة. والقصيدة أنثى قادرة على التفوّق لها كلّ السموات لا تخشى الغياب وما يتبعه من ألم، حيث ينساب الحرف ويسمو كفعل إيمان بالذات الإنسانية:

السماء السابعة

في عتمة الليل

سكبت روحك داخلي

تطهّرتُ من دَنَسِ الألمِ

سكنتُ ملكوت الإله

وهناك…

وجدت روحي تطفو

فوق برزخٍ من نورٍ وإيمان

وفي غياهب الانتظار

ولوعةِ ألم الغياب

صعدت روحي معك إلى السماء السابعة

تخطّت الحُجُب…

لا رؤيا لي هناكَ… سواك

أنت الهدى…

وأنت الطريق…

وإليك السير…

المسيرُ… والمصير

وفي سمائك السابعة تاقت روحي إلى الثامنة

حيث لا أحد هناك…

لا أحد.. إلّاك… وأنا!

تقرّ شاعرتنا بأنّها لم تكُ يوماً محاربة، بما يشبه التجلّي والتعالي الرصين على الانكسارات. تبدو كأنها تحفر تاريخها بثبات من دون أن ترتجف أناملها، هي الثقة بأن من لا يدرك قراءة أبجديتها لا يستحقّ عناء المحاولة والحبّ ليس ساحة للعراك:

تاريخي

لم أكن يوماً من المُحاربات

في معارك الحبِّ والهوى

لم أعتد أن أكون الضحية

لم أعتد أن أفقد الهوية

تاريخي يشهدُ

فهو مليءٌ بالانسحابات

مليءٌ بالتراجعات

لم يكن ضعفاً

لم يكن استسلاماً

ولكن كان إيماناً

وثقةً

إنَّني لستُ من النساء

اللواتي يُحاربنَ

للحصول على الحبّ

بل من اللواتي

يقاتلُ الحبُّ

للوصول إليهنّ

ليس غروراً

ولا تكبّراً

بل تقديرٌ مشروعٌ للذات!

كتبت خيّاط للأرض، وبين السطور وجه الوطن الذي ينبت الزغاريد. لم تغفل حبّاً من نوع آخر، حبّاً يقارب القداسة، فكانت لسان الشهيد الذي يدعونا إلى الفرح:

أنا الشهيد

لا تُنزلي الدمع

بحقّ عيسى ومحمّد

بحقّ كلّ قطرة حليبٍ

أرضعتِني إياها…. طُهراً

اِفرحي… زغردي

فالشهادة لا تُنالُ بالتمنّي

وددت تقبيل يديك

وأن أمسح بقطعة قماش دمعك

لتكون بوابة عبوري إلى السماء

فمن رحمك انبثقت روحي

توّاقة إلى الحرّية… حدّ الغرور

أموت شهيداً… ولا أبقى

حيّاً بين القبور

يكفيني فخراً أن أكون

أنا الشهيد.

نجحت خيّاط في صوغ «الأنا»، وأهدت كلماتها وعباراتها إلى النجوم التي ستقرأ قصائدها، إلى أمّها التي ترقبها من مكان بعيد، لعلّه أجمل من كلّ هذا الضجيج الذي يحاول الاستيلاء على الروح التائقة إلى عالم من المفردات التي تحفر عميقاً في القلب. وإلى أبيها الذي أمسك بيدها كي تبقى تلك الشاعرة المزنّرة بالألق، وإلى ابنتها التي ترجمت وجودها فخراً لها.. .ضحكنا معها وأبكتنا في مكان ولكنها في كلّ الأحوال حثّتنا على البحث عن «الأنا» التي في داخلنا ونحن نقلّب الصفحات ونعيد القراءة أكثر من مرّة، وفي كلّ مرّة نجد صوَراً جديدة ومختلفة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى