سـ أكتب وطناً

بلال رفعت شرارة

أنا لا أدخل ولا أُدخِل أحداً، لا سمح الله، في النظرية المستحيلة حول الوطن والدولة وأدوارها أو أسلك الطريق إلى نقد ما هو قائم نظراً للأخطاء أو الخطايا المتمادية. فأنا لستُ قاضياً ولا محامياً ولا جلاداً. كلّ ما في الأمر أنني أعبّر عن ضيقي الشديد مما يقع في هذا الوطن واعتقاد السياسيين أنه يمكنهم وإلى الأبد استحمارنا والضحك على ذقوننا.

أنا مثلاً لا أستمع إلى نشرات الأخبار المحلية، ولا أتابع الوقائع المتصلة بأيّ شيء هنا، بما في ذلك خطب الجمعة وعظات الأحد.

فكّرت نظراً لخبرتي وعملي السياسي البرلماني الثقافي أن أطرح حلولاً ليس بقصد تشكيل رأي عام أو حزب أو قوة ثالثة، لا سمح الله، وإنما بقصد تشكيل قناعة حول وطن آخر ودولة أخرى على الجغرافيا نفسها، وأنا بذلك لستُ حالماً أو متطيّراً أو خرفاً. كلّ ما في الأمر أنني أحاول أن ألقي فكرة في هذا الواقع الراكد الذي ينتظر الموتَ عبر الحدود السيادية من العدوانية «الإسرائيلية» ووجهها الآخر الإرهاب، ومن كلّ ما ينخر جسد الدولة من مديونية وفساد وتقاسم المغانم.

فكّرت في هذه الأثناء أن أكتب عن وطن أشتهيه، أحلم به، وطناً غير فكري، غير محكومٍ بالأيديولوجيا. وهذا الأمر لا يعني نفي المفكّرين أو السياسيين، أو نفي العقل، أو تصدير اليد العاملة كما هو حاصل، وإنما وقد لمستُ فشل أحزاب السلطة والمعارضة، ولاحظت تدنّي مستوى الشخصية السياسية في محاكاة المشكلات وفي اجتراح الحلول، فكّرت بأن أقنع نفسي بالابتعاد عنهم ما أمكنني، وأن أحاول صياغة وطن بالاستناد إلى تجربتي وثقافتي وخبرتي مع الأخذ بعين الاعتبار أنه بإمكان أيّ أحد رمي أفكاري في النفايات أو مناقشتها وتطويرها ، أنا لا أطرح جمهورية فاضلة ولا إقامة المشانق وإعدام مظاهر الفساد وكلّ العبارات المتصلة بدولة القانون، جُلّ ما سأفعله هو أنني سأكتب وطناً ممكناً أنتمي إليه. وفي الطريق إلى ذلك سأقف حين يعزف نشيدكم الوطني وسأواصل عملي الوظيفي بإخلاص وأدفع فواتير الماء والكهرباء والهاتف والاشتركات المتعلقة بهم، ولكنّي سأكتب حتى مطلع الفجر من كلّ يوم وسأختفي قليلاً، وأنا أكتب بيتاً لحبّ قديم ينام في قلبي لعلي ليومٍ واحد، لليلة واحدة، أتمكّن من عزف لغتي الناضجة في غرفة جلوس وهي تضحك لي أو عليّ أو مني.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى