الصيغة الفرنسية التي أعادت الحريري تضمّنت تجميد الاستقالة وبحث المخارج توازن وتوازي مواقف الحكومة ومكوّناتها من السعودية وإيران إطار التفاوض

كتب المحرّر السياسي

وضعت مصادر دبلوماسية متابعة لمسار التفاهمات الروسية الأميركية حول سورية، التي بدأت ببيان فييتنام وتعزّزت بالاتصال الهاتفي بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب، الحديث عن بقاء القوات الأميركية في سورية بربط نزاع تريده واشنطن، بانتظار رؤية مدى قدرة موسكو على إنهاء الوجود العسكري التركي، وتنظيم العلاقة العسكرية السورية الإيرانية ومداها، ما بعد الحرب في سورية، من جهة، ومن جهة مقابلة مدى جدية الأتراك في إنهاء جبهة النصرة، وقدرة سورية وحلفائها على إنجاز ذلك إذا تلكّأت تركيا. وعندما يتضح كلّ ذلك تقرّر واشنطن سقفاً لمصير قواتها في سورية، وهي مضطرة لتغطية هذا الوجود ما بعد داعش بعنوان قابل للتبرير، وأشارت المصادر إلى أنّ الحديث عن الاطمئنان لمسار التسويات، واستبعاد العنوان الكردي مؤشر له معنى، رغم تعامل موسكو ودمشق وطهران مع البيان الأميركي باعتباره تصعيداً تمّت ملاقاته بالتصعيد.

بالتوازي مع الموقف الأميركي بدت حال التموضع الأعرج لمعارضة الرياض على خط التسويات، بخطوة إلى الأمام عنوانها تفاوض بلا شروط مسبقة، وخطوتان إلى الوراء بعنوان التمسك برحيل الرئيس السوري، والإشارة لجنيف واحد، نوعاً من التحسّب التفاوضي سعودياً بالحسابات ذاتها الصادرة عن واشنطن، انتظار كيف سيتمّ حسم ملفي النصرة والأكراد، ومدى التعقيد الذي سيحمله كلّ من الملفين.

الإقرار بأنّ زمن الحروب الكبيرة قد انتهى، وأنّ زمن التسويات قد بدأ، لكن التحسّب والحذر لعدم التفريط بأوراق التفاوض سمة المرحلة، أبعد من سورية، ففي لبنان، جاءت عودة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى بيروت، وسرعة تراجعه عن الاستقالة إلى خطوة في منتصف الطريق اسمها التريّث، وفقاً للمصادر الدبلوماسية ذاتها، ترجمة للصيغة الفرنسية التي أنيط بها بتوافق دولي إقليمي إنهاء خطة التفجير السعودية لاستقرار لبنان، من بوابة احتجاز الحريري، ومضمون بيان الاستقالة الذي أُملي عليه، وتضمّنت الصيغة الفرنسية وفقاً للمصادر، إطار التريّث الذي أعلنه الحريري، بعدما كان الرئيس الفرنسي قد تبلغ من الرئيس اللبناني العماد ميشال عون هذا التمنّي كمدخل لبحث سياسي هادئ لمعالجة ظروف التصعيد السعودي الذي يشكل بيئة الاستقالة والأزمة التي رافقتها، منعاً للوقوع في فخّ تطيير الحكومة وتشكيل غيرها، وما سيثيره ذلك من إشكالات التأليف وتمثيل الأطراف والقوى، والبيان الوزاري الجديد، والبلاد على أبواب انتخابات خلال شهور.

التريّث ليس عودة لاجتماعات الحكومة إلا في حال الضرورة القصوى، ولا دخولاً في تصريف أعمال، بل وقفة في منتصف الطريق، تفسح المجال لحوار وتفاوض على ترجمة لمضمون عدم التورّط في النزاعات الإقليمية. وهو الأمر الذي قالت مصادر سياسية في قوى الثامن من آذار لـ «البناء» إنه مرتبط بإقامة توازن وتوازٍ لمواقف كلّ من الحكومة مجتمعة ومكوّناتها منفردة، في درجة الاقتراب والتصادم مع كلّ من السعودية وإيران، محور الصراع الإقليمي.

قالت المصادر في الثامن من آذار، إنه من غير المقبول أن تتمّ ترجمة أحادية للابتعاد عن الصراعات الإقليمية فتصير ابتعاداً عن إيران والتحاقاً بالسعودية، فيطلب من الحكومة تأييد مواقف السعودية مما تسمّيه تدخلات إيرانية، ولا يحتسب الثناء على السعودية من بعض مكوّنات الحكومة انتهاكاً لهذا الابتعاد المطلوب، بينما يُحسب تقدير دعم إيران لقوى المقاومة من مكونات أخرى في الحكومة انتهاكاً، ولا يصنّف انتقاد إيران وأحياناً التجريح بها انتهاكاً بينما انتقاد السعودية من المحرّمات.

تساءلت المصادر عما إذا كان الرئيس الحريري قادراً على إقناع السعوديين بمعونة فرنسية مصرية بأنّ سقف أيّ تجديد وتحديد للتسوية، يرتبط بهذا التوازن والتوازي، سواء في مواقف الحكومة مجتمعة أو في تقييم مواقف مكوّناتها، وقالت إنّ الحديث عن إيجابية موقف حزب الله والتمهيد لإعلان نهاية المهمة في العراق ونفي الوجود في اليمن ودول الخليج، يجب أن يقترن برفض علني للحكومة مجتمعة ولمكوّناتها منفردة لكلّ محاولة لوصف حزب الله بالإرهاب، وترجمة مضمون الوفاق الوطني والتضامن الحكومي بهذا الحدّ الأدنى من الموقف.

تريُّث الحريري يفتح باب الحوار

فتحت خطوة الرئيس سعد الحريري تريثه في تقديم استقالته من رئاسة الحكومة الباب أمام الحوار بين القوى السياسية حول أسباب الاستقالة وكيفية الخروج من الأزمة السياسية القائمة وإعادة إحياء التسوية الرئاسية وتثبيت الحريري في موقعه.

وقد أعادت المواقف السياسية خلال اليومين الماضيين المناخ الإيجابي إلى الساحة الداخلية، بعدما خيّمت المناخات السلبية خلال وجود الحريري في الرياض. ففي حين أعلن تيار المستقبل أن «خطوة الحريري تشكّل مدخلا جدّياً لحوار مسؤول يجدّد التمسّك باتفاق «الطائف» ومنطلقات الوفاق الوطني ويعالج المسائل الخلافية وانعكاساتها على علاقات لبنان مع الأشقاء العرب»، لاقى حزب الله بيت الوسط في منتصف الطريق من خلال تأكيد كتلة الوفاء للمقاومة في بيانها أمس، بأن «عودة الحريري وتصريحاته الإيجابية تبشر بعودة الأمور الى طبيعتها».

ووفق معلومات «البناء» فإنه وفور إعلان الحريري تريثه بعد لقائه رئيسَيْ الجمهورية العماد ميشال عون والمجلس النيابي نبيه بري في عيد الاستقلال، بدأ الرئيس عون مساعيه وأجرى مروحة واسعة من الاتصالات والمشاورات مع القوى السياسية كافة في محاولة لتأمين التوافق حول النقاط الخلافية. وقالت أوساط وزارية مقربة من بعبدا لـ «البناء» إن «المشاورات التي بدأها الرئيس عون منذ يوم الأربعاء الماضي قطعت شوطاً هاماً من خلال الاتصالات التي أجراها مع مختلف القوى السياسية المعنية بالأزمة». وتحدثت الأوساط عن أن «اعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الاخير قرب عودته من العراق ونفيه أي وجود عسكري للحزب في اليمن، هو مقدمة للصيغة التي يتم البحث عنها لإعادة الأمور الى نصابها، وبالتالي يتركز الحوار على تحديد مفهوم جديد للنأي بالنفس بشكلٍ أدق وأشمل من الذي ذكر في البيان الوزاري للحكومة الحالية». ورجحت الأوساط أن تصل المساعي الى نتيجة إيجابية خلال الأسبوعين المقبلين كحدٍ أقصى، واستبعدت أن يعود الحريري ويعرض استقالته على الرئيس عون»، واصفة اجتماعات بعبدا في عيد الاستقلال بين الرؤساء الثلاثة بـ «الجيدة، وأنها تبشر بالخير في المقبل من الأيام».

ونفت الأوساط أي نية لدى رئيس الجمهورية بالدعوة الى طاولة حوار على مسألة سلاح حزب الله، مؤكدة أن «الحوارات التي يُجريها مع الأطراف كافية للوصول الى الحل»، ونقلت الأوساط عن عون ارتياحه لـ «خطوة الحريري الايجابية والتي أفسحت في المجال أمام ترميم الخلل الذي أصاب التسوية والى مواقفه الوطنية والتهدوية والى مشهد الوحدة الوطنية الجامع، وطمأنت الى الوضعين المالي والاقتصادي».

الحريري إلى السعودية؟

وفي حين علمت «البناء» أن «الحريري سيزور السعودية خلال الأيام القليلة المقبلة للقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كجزءٍ من التسوية الفرنسية – المصرية لإطلاق سراحه من جهة، ومن جهة ثانية للتأكيد أمام الرأي العام أنه لم يكن محتجزاً في الرياض، لكن مشهدية العناق الحميم بين الرئيسين عون وبري والحريري وحملة التعاطف الشعبي معه بعد عودته الى بيروت وكلمات «الحمدلله عالسلامة»، أكدت المؤكد بأن الحريري كان محتجزاً ولم تكن زيارته الأخيرة الى الرياض عادية وطبيعية.

وبعد استقباله جموعاً حاشدة من تيار المستقبل في بيت الوسط مرحّبة بعودته، ترأس الحريري أمس، الاجتماع المشترك الذي جمع كتلة «المستقبل» والمكتب السياسي والمكتب التنفيذي لـ «تيار المستقبل»، حيث عبّر المجتمعون «عن ارتياحهم التام لعودته الى موقعه الطبيعي في قيادة المسيرة السياسية والوطنية»، معتبرين أن «تجاوب الرئيس الحريري مع تمني رئيس الجمهورية التريث في تقديم الاستقالة، خطوة حكيمة لأجل المزيد من التشاور، حول الأسباب والخلفيات، وإعادة الاعتبار لمفهوم اعادة النأي بالنفس»، ومؤكدين «انه زمن التيار الأزرق الذي ينتفض مجدداً دفاعاً عن استقرار لبنان وسلامة العيش المشترك بين أبنائه، وتحصيناً لعروبته في وجه المتطاولين عليها».

وقالت مصادر نيابية مشاركة في اللقاء لـ «البناء» إن «ما قام به الحريري مبادرة وطنية بانتظار مساعي الرئيس عون مع مختلف القوى حول العناوين الخلافية لا سيما النأي بالنفس وكيفية وضع آليات لتطبيقه عملياً وليس أقوالاً»، ولفتت الى «أننا لدينا الثقة التامة بالرئيس عون الذي أخذ على عاتقه التواصل مع حزب الله والقوى السياسية كافة لتحديد الآلية والصيغة لتأكيد النأي بالنفس الذي لم يُحترم في التسوية الأولى، وذلك لحماية لبنان ومصالح اللبنانيين في الخارج لا سيما الدول العربية».

وعما إذا كان كلام السيد نصر الله يلاقي خطوة الحريري في الوسط، فضلت المصادر تقدير الأمر للرئيس عون وليس للمستقبل»، لكنها أوضحت أن «اعلان السيد نصر الله انسحابه من العراق مؤشر ايجابي يبنى عليه، لكننا ننتظر كيفية تصرف الحزب لجهة الحملة الإعلامية التي يشنها على السعودية في موضوع اليمن»، مشيرة الى أن «الحريري يسعى جاهداً لترسيخ الوحدة الوطنية والاستقرار في لبنان»، ونقلت عنه ارتياحه لـ«الأجواء وتفهّم الرئيس عون اسباب استقالته في الرياض».

وأشارت الى أن «الزخم والدعم الدولي الذي لاقاه الحريري خلال الأزمة والحاضنة الرسمية والشعبية في الداخل، سيتم استثماره في الداخل لمزيد من تحصين الوضع السياسي والأمني والاقتصادي والاستمرار في المسار الذي سلكه بعد التسوية الرئاسية». وأوضحت أن «التسوية الرئاسية قائمة لكن تحتاج إلى إعادة النظر في بعض جوانبها ما يتعلّق بسياسة الدولة الخارجية ودور حزب الله العسكري خارج لبنان وتحديداً في الدول العربية». ولفتت الى «أن المستقبل خرج من الازمة أقوى وهو الآن في طور إجراء إعادة تقييم واسعة لمسار الأيام الأخيرة على المستوى الداخلي ومع القوى كافة».

المشنوق: نزع سلاح حزب الله ليس مطروحاً

وأكد وزير الداخلية نهاد المشنوق أن «رئيس الجمهورية أقرب الى الشراكة مع الرئيس الحريري، في كيفية تداول موضوع النأي بالنفس في المرحلة المقبلة وأنه يتمتّع بالمسؤولية تجاه الاستقرار. وهذا عهده، ولم يمض سنة بعد عليه وهو يهمه الحفاظ على الأمن والاستقرار بالشراكة مع الحريري». لكنه لفت الى أن «الأزمة لم تنته، والكل يتصرّف على قاعدة احتواء مصادرها التي هي خارجية في الدرجة الأولى». وشدّد على أن «التريّث لا يعني إلغاء مضمون الاستقالة ولبنان لا يستطيع أن يتحمّل مسألة تمدّد حزب الله خارج لبنان». وتابع: «المفاوضات الحالية ستكون نتيجتها جدية ولا سقف زمني محدد لتريث الحريري والتريث بحاجة للعقل والمنطق والانتظار».

غير أن المشنوق جدّد القول بأن «ليس مطروحاً نزع سلاح حزب الله، بل الاستراتيجية الدفاعية الوطنية التي يمكن أن يجد سلاح الحزب دوراً فيها ضد العدو الاسرائيلي، وليس دولة أخرى».

من ناحية أخرى، أوضح المشنوق أن «هناك تفاهماً دولياً وعربياً حول مسألة الصواريخ الباليستية وإيران لم تكن جزءاً من الاستقرار في أي دولة تمدّدت فيها».

الوفاء للمقاومة: الدفاع عن النفس حق

ورأت كتلة الوفاء للمقاومة في بيان بعد اجتماعها أمس، برئاسة النائب محمد رعد أن «عودة دولة رئيس الحكومة إلى البلاد والتصريحات الإيجابية التي صدرت عنه، والمسار الإيجابي الذي تسلكه المساعي والمشاورات تبشر بإمكانية عودة الامور الى طبيعتها».

ولفتت الكتلة الى أن «الدفاع المشروع عن النفس وعن الوطن، لن يستطيع أحد في الدنيا مهما بلغ شأنه أن يطعن فيه أو يسيء إليه.. وهو حق إنساني ودولي لمناهضة الإرهاب الذي يمارسه الصهاينة والتكفيريون ومَن يقف وراءهم ويدعمهم».

وشدّدت الكتلة على «إن إسقاط دولة داعش الإرهابية في العراق وسورية وحماية لبنان من وباء مشروعها هو بحق إنجاز تاريخي كبير للشهداء والمقاومين والجيوش والأنظمة والقوى المنخرطة في محور المقاومة على امتداد الجغرافيا الإقليمية المستهدفة، وأننا ننتظر حصول تحولات استراتيجية كبرى في منطقتنا ومحيطها جراء هذا الإنجاز».

جنبلاط: «مرّت الغيمة»

وأكد رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط من بيت الوسط بعد لقاء الرئيس الحريري، على ضرورة «التمسك بالاستقرار وبمضامين التسوية التي أقرها الرئيس الحريري منذ أكثر من عام، فالبلاد بحاجة الى تثبيت التسوية». واعتبر ان «ما طرحه الحريري حول الإستقرار مهم جداً، ونتمنى عليه ان تطول لحظة التريث». ورأى أن «الغيمة مرّت وتبين أن هناك اصدقاء كثراً للبنان، وهم اصدقاء الاستقرار».

أبو الغيظ: « المستقبل» سيحمل الخير للبنان

وفي اطار الجهود المصرية لحل الأزمة في لبنان، وبعد البيان التصعيدي لمجلس الوزراء الخارجية العرب ضد لبنان، حط الأمين العام لجامعة الدول العربية احمد ابو الغيط في بيروت، وقال بعد زيارته رئيس الحكومة في بيت الوسط «اتفقنا والرئيس الحريري على أن نلتقي في مقرّ الجامعة العربية عندما يزور القاهرة، وانا على ثقة بأن المستقبل سيحمل الكثير من الخير للبنان»، مشيراً الى «أفكار وإجراءات ستحصل ستكون لخير لبنان».

رسالة باسيل إلى الجامعة العربية

ووجّه وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل رسالة الى أبو الغيط أكد فيها «تمسك لبنان الكامل بروح ونص ميثاق جامعة الدول العربية، خصوصاً مادته الثامنة التي تنص على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية». كما أكد «رفض لبنان تهديد أمن وسيادة الدول العربية الشقيقة كافة واستعداده للتعاون القضائي مع أي تحقيقات تجريها الأجهزة المختصة بشأن التهديدات أو الأعمال الإرهابية التي تطالها من أي جهة أتت».

وحذّر الوزير باسيل من أن «المس بالاستقرار في لبنان سيؤثر على استقرار دول المنطقة وستكون له تداعيات على النازحين السوريين إلى أراضيه، كما سيؤدي الى إضعاف خاصرة الجيش اللبناني الذي ساهم في اجتثاث الجماعات الإرهابية من الأراضي اللبنانية».

زخيا قدّم أوراق اعتماده للأسد

وفي سياق آخر، تسلم الرئيس السوري بشار الأسد أمس، أوراق اعتماد السفير اللبناني في دمشق سعد زخيا. واستقبل الأسد السفير زخيا وتبادل معه الحديث وتمنى له النجاح في مهامه، بحسب ما نقلت وكالة «سانا». وحضر مراسم تقديم أوراق الاعتماد وزير الخارجية السوري وليد المعلم ووزير شؤون رئاسة الجمهورية السورية منصور عزام.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى