هل يبيح «صمت» المملكة للبنانيين التعامل مع «إسرائيل»؟

روزانا رمّال

منذ ان كان الراحل سعود الفيصل وزير الخارجية السعودية على قيد الحياة والصحف البريطانية مثل «سانداي تايمز» تتحدّث بوضوح عن علاقة بين المملكة العربية السعودية و«إسرائيل» وعن لقاءات كانت تتم بمعرفته تحديداً في منتصف مرحلة الأزمة السورية، منها ما بين سعوديين و«إسرائيليين» او بين سوريين من المعارضة و«إسرائيليين» مع تسليط كبير لتقارير غربية حول لقاءات بين سعوديين و«إسرائيليين» بينهم مسؤولو استخبارات سابقون وحاليون عُرف منهم بشكل علني الأمير تركي الفيصل الذي يلتقي دورياً مع «الإسرائيليين» في مؤتمرات مخصّصة لشؤون الأمن والسياسة، وآخرها في 22 تشرين الاول 2017 «مؤتمر نظّمه منتدى سياسة إسرائيل ومركز الأمن الأميركي الجديد ومركز قادة من أجل أمن إسرائيل»، في ولاية نيويورك حضره مدير جهاز الموساد السابق، إفرايم هليفي، إضافة إلى «إسرائيليين» آخرين، بينهم جنرال متقاعد يدعى أمنون ريشيف.

لقاءات الفيصل وصوره العلنية مع تسيبي ليفني وزيرة الخارجية «الإسرائيلية» السابقة صارت مألوفة بالنسبة للمراقبين، والمألوف أكثر هو عدم صدور أي نفي رسمي سعودي حول هذه العلاقة. وهو ما يعزّز مسألة رغبتها بتطبيع العلاقة مع تل أبيب، بشكل تدريجي، وسط ظروف دولية تسمح باجتماع وفود من الأطراف كافة في مؤتمرات مشتركة.

الخلاف مع إيران يكاد يودي بكل القيم الأخلاقية والسياسية التي من المفترض أن تحافظ عليها المملكة العربية السعودية «عنوة» كدولة حاضنة للحرمين الشريفين ورمز في العالم الإسلامي ينتظر منه أن يتمسك بكل الثوابت التي تؤدي الى طريق واحد هو طريق تحرير القدس وحماية المقدسات من التهويد وصون قدسية المسجد الاقصى.

وحدَها السعودية يقع على عاتقها كل هذا، لأنها وحدها مَن يمثل كل تلك الرمزيات المذكورة، ووضعها لا يشبه على الاطلاق أي محاولة لوضعها أمام وضع مشابه للعلاقة المصرية او القطرية او التركية مع العدو «الإسرائيلي». وعليه صار مطلوباً من الرياض التوضيح بشان هذه العلاقة الملتبسة وآخرها مقابلة مع رئيس أركان الجيش «الإسرائيليّ» الجنرال «غادي أيزنكوت» في 16 تشرين الثاني لموقع ايلاف السعودي ومعروف أن العسكريين لا يصرّحون بدون موافقة السلطة السياسية، وتمّت المقابلة من دون أي بيان توضيحي من وزارة الإعلام السعودية.

ما يعني اللبنانيين في هذا الجزء يتعلّق بالصراع الكبير مع «إسرائيل» والمخاطر اليومية لانتهاك سيادته، إضافة لحرب حديثة عام 2006 عاودت «إسرائيل» الكرة فيها، ودخلت الجنوب من أجل احتلاله مجدداً. ما يعني اللبنانيين هنا تحوّل إلى حذر شديد وكبير، بعدما صاروا في أجواء تواصل سرّي أو علاقة سعودية خفية مع تل أبيب أضحت حديث الأروقة السياسية الغربية والعربية إضافة للحزبية اللبنانية.

تعرف السعودية جيداً أن في لبنان، حيث صلب النزاع بين حزب الله و«إسرائيل» من يؤيدها ويؤيد سياساتها وأنه مقبل على استسهال فكرة التطبيع مع «إسرائيل» خدمة للأمن القومي السعودي والرؤية الخاصة فيه.

العلاقة السعودية مع «إسرائيل» ستؤثر بشكل مباشر على اللبنانيين الذين يعتبرونها «بوصلة الخيار» او الاصطفاف السياسي ضمن سياسة المحاور. وهو ما يعني بدون أي مواربة احتمال أن ترتفع نسبة العمالة لجهاز الاستخبارات «الإسرائيلية» الموساد بين اللبنانيين اذا بقي هذا التساهل السعودي الذي لا تحد منه اي نية او محاولة من النفي، وذلك من اجل مواجهة إيران «الفارسية» مع تجاهل «صهيونية» «الإسرائيليين» لا يهوديتهم.

الحديث عن عميل مثل «زياد عيتاني»، كما اعترف لجهاز أمن الدولة وهو ممثل او مسرحي، نموذج خطير جداً. عيتاني اليوم هو واحد ممن يمكن أن يتكاثروا ضمن منطلق آخر، وهو العداء لإيران وحزب الله أو التزاماً بالسلوك السعودي كمنشق سابق عن تأييده للحركات المقاومة، فتستغله «إسرائيل» لتنفيذ مخططات تهز استقرار لبنان.

ترتكب السعودية «السقطة» تلو الأخرى بحق حضورها في المنطقة. تفتح أمام اللبنانيين وبكل وضوح، تحديداً أمام شريحة من الطائفة «السنية» التي تجنح نحو التطرف بالعداء لإيران وحزب الله «الشيعي» الباب أمام علاقة مشروعة مع العدو خدمة لاستهداف مشروع إيران. وهذا بعيداً عن مجاملات القضية العربية وكل ما يتعلّق بفلسطين المنسيّة والتي صارت «كليشيه».

المناسبة التي صار فيها الحديث بوضوح مطلوباً عن القلق الذي يُرخيه الصمت السعودي حيال شكل العلاقة بـ«الإسرائيليين» مقابل تأكيد «إسرائيلي» لذلك يأتي بعد أن ألقت السلطات اللبنانية القبض على أكثر من عميل لبناني في فترات متقاربة منتمٍ لحركات «مدنية» مدعومة من جهات معروفة نزلت الى الشارع يوماً من أجل الإصلاح ضمن ما سُمّي «الحراك المدني» ليتبين باعترافاتهم وبالأدلة الموجودة لدى استخبارات الدولة أن فيهم عملاء لـ«إسرائيل.

ادارة الخلاف مع إيران رغم اشتداده تحوّل عجزاً سعودياً لحظة لجوء الرياض لطلب مساعدة «إسرائيل» على ذلك. فتل أبيب القادرة وبسهولة أن تبث الفتن في الشارع العربي، خصوصاً الشارع السني – الشيعي هي اول المستفيدين والمتعطشين لمثل هذه العلاقة وأكثر المتشوّقين لإعلانها. وهي الجهة التي تسرّب دائماً عنها.

أحد لا ينكر أن العملاء لـ«إسرائيل» الذين يتم اكتشافهم في لبنان، خصوصاً اؤلئك الذين يخرجون من بيئة «المثقفين» المطلعين على الوقائع والذين يدركون جيداً ماذا يفعلون، ولماذا هم بأغلبيتهم من المؤيدين للسياسة السعودية والسياسة الغربية.

على المملكة أن تلتفت إلى أنها ستكون أكثر من سيعرّض مؤيديها في لبنان إلى مخاطر العمالة والخيانة العظمى للبلاد باعتبارها «قدوة» يحتذى بها كرمزية إسلامية سنية قبل كل شيء!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى