التصعيد السعودي إلى أين؟

نمر أبي ديب

«انتهت أزمة الرئيس الحريري وبدأت الأزمة السياسية»، بهذه الكلمات اختصر الرئيس نبيه برّي موقفه السياسي من الأزمة المستجدّة حكومياً نتيجة التصعيد المستمرّ الذي تمارسه المملكة السعودية على لبنان والعديد من دول المنطقة، فعلى خطّ السياسة الخارجية للمملكة بلغ التصعيد السعودي مراحل متقدّمة، سواء على مستوى الدوافع التي أدّت إلى إعلان الرئيس الحريري الاستقالة من خارج لبنان، أم على مستوى القرارات التي صدرت عن الجامعة العربية واعتبار حزب الله منظمة إرهابية، في محاولة سعودية واضحة لفرض أمر واقع سياسي يعود بالموقف اللبناني إلى مرحلة ما قبل التسوية الرئاسية، ويعيد صياغة الملف اللبناني بأسلوب مختلف بعيداً عن النتائج المسجّلة في ميادين المواجهة الإقليمية وبالتحديد سورية، ما يطرح العديد من التساؤلات التي تعكس حجم الأزمة وجدّيتها كونها تُشكّل امتداداً ميدانياً لسياسة تصادم إقليمي بلغت حدّ المواجهة العسكرية المباشرة في اليمن وغير المباشرة في سورية.

تخطّى التصعيد السعودي في هذه المرحلة اعتبارات عديدة سياسية وعسكرية على الساحتين الداخلية والخارجية، كونه ثمرة حضورَين إقليميّ ودوليّ لمحور عالمي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، فتصعيد المملكة اليوم يندرج ضمن إطار المشروع الكبير الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، الهادف إلى مواجهة التمدّد الروسي والإبقاء على عامل التوازن الإقليمي تمهيداً للاستثمار السياسي في دول التصادم والانتقال الفعلي من مرحلة المواجهة إلى مرحلة إعلان النتائج التي سيترتّب على أساسها رسم تفصيلي لخريطة الانتشار العالمي الجديد بالنفوذَين الروسي والأميركي.

يأتي موقف الرئيس الحريري مجدّداً، المتعلّق بتعليق الاستقالة، ليؤكّد على إقليمية التصعيد المعتمد سعودياً، فالملف اللبناني بالنسبة للمملكة جزء من رؤية «شرق أوسطية» لمشروع سياسي تعمل على تمريره الولايات المتحدة الأميركية بأشكال ومحطّات مختلفة عبَّرت عن مضمونه بوضوح وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس في بدايات حرب تموز. فما يجري اليوم يعكس حجم الضغط الذي تعيشه المملكة السعودية على محورين… داخلي يتعلّق بأزمة اعتقال ا مراء على خلفيات فساد مالي تتلازم مع غضّ نظر عالمي مريب سمح ويسمح للمملكة بالتمادي، وخارجي يتعلّق بحجم التراجع الذي يتعرّض له المحور الأميركي في المنطقة، وبالتحديد سورية، فما يحقّقه الميدان السوري من تفوّق واضح للدولة السورية وحلفائها كفيل بإدخال التصعيد ضمن إطار المواجهة المفتوحة سعودياً لتقويض هذا التفوّق سياسياً في لبنان ودول المنطقة.

السؤال اليوم، هل تمتلك المملكة فعلياً إمكانيات التصعيد المُثمِر في دول المنطقة ومن ضمنها لبنان؟ وهل ما جرى شكّل استهدافاً مباشراً للرئيس الحريري؟ انطلاقاً من طبيعة الصراع السعودي السعودي الموجود اليوم داخل المملكة والخلافات المستجدّة نتيجة الانقسام المعلَن ما بين مؤيّد ورافض لمبايعة بن سلمان، فقدّمت المملكة أهمّ عامل من العوامل الضامنة للبقاء والاستمرارية وهو الاستقرار الداخلي، وبالتالي غياب هذا العامل يُدخل المملكة نفسها في دائرة التصادم السياسي غير المضمون النتائج، سواء على مستوى مبايعة بن سلمان، أم على مستوى فعاليّة التصعيد وقوّة النفوذ الخارجي الذي سقط في اختباره الأوّل مع الرئيس سعد الحريري على أبواب التدخّل الفرنسي…

هل ما جرى مع الرئيس الحريري استهداف مباشر؟ أم مجرّد مصادفة سياسية كونه الرئيس الحالي للحكومة على تقاطع مع الموقف السعودي الرافض لأيّ تقارب أو تحالف مع حزب الله وإيران، وهو العنوان الذي اتّخذت على أساسه المملكة خطوات التصعيد وفرض الحصار على قطر ضمن سياسة المواجهة المعلنة سعودياً في المنطقة؟!

بالرغم من التعتيم الإعلامي الممنهج الذي يشهده الحدث السعودي، تلمّست أغلب القوى اللبنانية، إضافةً للعديد من الدول الفاعلة إقليمياً ودولياً، مفاعيل التساؤلات السابقة في خلفيات الموقف السعودي ونتائجه المباشرة على الساحتين اللبنانية والإقليمية، بحيث بدا واضحاً حجم العجز السعودي في إدارة الملف اللبناني رغم الرسالة الموجّهة سعودياً من خلال الأزمة الحكومية إلى جميع الأطراف اللبنانيّة بمن فيهم الرئيس الحريري نفسه، والإعلان بوضوح عن مقاربة سعودية جديدة للملف اللبناني ودخول الملف عملياً مرحلة إدارة محمد بن سلمان.

بغضّ النظر عن النتائج، فإنّ ما شهدته الساحة اللبنانية يُعبِّر عن استكمال سياسي لمسار تصعيدي بدأته السعودية منذ سنوات عسكرياً ضدّ اليمن، وسياسياً منذ أشهر ضدّ قطر، فالنتيجة اللبنانية عكست مناعة الموقف السياسي وفاجأت العديد من القوى المراقبة والمتابعة للملف اللبناني، وليس فقط المملكة السعودية التي قرأت في أبعاد الموقف الداخلي رسائل سياسية متعدّدة الاتجاهات تؤكّد على عاملَيْن رفض الخضوع لواقع التصعيد السعودي، والعمل بموجب الشراكة الوطنية مع الرئيس سعد الحريري.

بالتالي، سجّلت المملكة بإدارتها الجديدة تراجعها الأوّل في احتكاكها المباشر والأوّل من نوعه مع لبنان، فالتصعيد السعودي جزء لا يتجزّأ من منظومة المواجهة الأميركية في المنطقة، ولبنان اليوم أحد أبرز عوامل الانتصار في المنطقة، وأمام المملكة مسار طويل من التصادم غير المنتج مع محور الممانعة قبل الوصول الدولي إلى مرحلة إتمام وإعلان مشروع الحلّ النهائي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى