أهداف «سنيّة» قديمة ــ جديدة لـ «إسرائيل» في لبنان

روزانا رمّال

ليس جديداً العمل الأمني والاستخباري «الإسرائيلي» في لبنان، وهو كان على أوجه منذ عشرين سنة ماضية حتى الآن بقوة وبحضور وازن لا يقتصر فقط على تجنيد لبنانيين، بل يتعدى ذلك الى جنسيات أجنبية تعيش على الأرض اللبنانية بمهمات وتغطيات لنشاطات بعناوين مختلفة. ليس جديداً أبداً ولا غريباً أن تجنّد «إسرائيل» عملاء سراً، وهي جنّدت عملاء علناً وأنشأت تنظيماً أمنياً مسلّحاً يُدعى جيش لحد جلّه منشق عن الجيش اللبناني و«جيش سعد حداد». اختلفت الأسماء وبقي التجنيد أحد أبرز ما يميّز «الإسرائيليين» في صراعهم في المنطقة، أكان مع لبنانيين وفلسطينيين وسوريين، خصوصاً بعد الأزمة الأخيرة.

المنطق «الإسرائيلي» لم يتغيّر ولا شيء يدلّ أن تل أبيب تنازلت عن مقدار ذرّة من مبدأ صراعها مع العرب أو حزب الله أو المقاومة الفلسطينية، أو أياً يكن ممن يكنّون لها العداء ويفتحون الحرب عليها حتى تحرير أراضيهم، الذي تغيّر هم بعض العرب بذريعة مواجهة إيران حتى صار كل شيء مباحاً حتى التعاون مع «إسرائيل» تحت هذه الغاية.

يقال إن الولايات المتحدة الأميركية خلقت «فزّاعة» صدام حسين بوجه الإيرانيين فاستنفرتهم ضده حتى تقاتلوا في ما بينهم، واليوم خلقت واشنطن «فزاعة» التهويل بإيران، فاستنفرت العرب، خصوصاً الجيران ضدها، تحت شعارات جلّها فئوي أو عرقي، مع فارق مهم هو أن إيران نجحت في إثبات نفوذها في محيطها ونجحت في الدخول للمجتمع العربي أو الإسلامي ضمن عنوان قتال «الإسرائيليين»، بغض النظر عن أن خصومها لا يرون في ذلك الا حجة من اجل تشريع وجودها أكان في سوريا أو في دعمها لحزب الله في لبنان.

بالمقابل لم يواجه خصومها هذه الخيارات بتسليح الجيش اللبناني أو بالاتحاد من أجل مواجهة «إسرائيل»، بل على العكس واجهوا إيران بالاتحاد من أجل التسابق نحو تشريع التعاون مع «إسرائيل» لمواجهتها. ربما يكون العجز عن إمكانية مواجهتها بشكل منفرد هو السبب، لكن ما جرى يدلّ على أن «إسرائيل» جرّبت الكثير من الخطط القادرة على تشتيت الخيارات الإيرانية، خصوصاً لجهة حزب الله في لبنان وجرّبت أيضاً الكثير مما يمكنه أن يعزل القوة الإيرانية في العراق، خصوصاً بما يتعلّق بالفتنة السنية – الشيعية من دون أن تنجح.

«إسرائيل» التي لا تكلّ أو تملّ لم تتوقف عن تجنيد العملاء في لبنان منذ سنوات طويلة، لكنّها ركزت منذ عام 2005 على عملاء قادرين على إحداث فارق في ما يتعلّق بتوسيع الشرخ بين السنة والشيعة. وهذا يعني أن هذا لا يزال هو مشروعها الحقيقي في لبنان.

اعترافات العميل اللبناني المسرحي زياد عيتاني تتمحور حول مطالبة المرأة «الإسرائيلية» التي جندته أو ابتزته، حسبما يقول إنها طلبت منه معلومات عن شخصيات مثل نهاد المشنوق وعبد الرحيم مراد، وطلبت منه التقرّب من شخصيات لبنانية كثيرة. وهو بدوره قال لها إنه تعرّف الى أشرف ريفي وغيره ليلفت أن طلباتها تمحورت حول شخصيات سنية في البلاد ليصبح السبب معروفاً.

نموذج نهاد المشنوق أو عبد الرحيم مراد، وما يمكن أن يتسبّب من خضة كبرى في البلاد بحال استهدافهما يعني أمرين أساسيين:

الأول: إن «إسرائيل» رغم كل ما عاشته الساحة الشرق أوسطية من أزمات الربيع العربي حتى اليوم، لا تزال تعتبر أن الرهان على فتنة سنية شيعية وحده القادر على استهداف القوى الحليفة لإيران أو إيران، وان لبنان هو بوابته الاساسية، خصوصاً أن الاسمين لا ينتميان التيار السياسي أو الفكر والمنهج نفسه. بالتالي فإن أي شخصية سنية وازنة هي هدف لـ«إسرائيل» كي يتم اتهام حزب الله بذلك فوراً. الفارق بين الوزير المشنوق والوزير مراد هو أن المشنوق تقارب من حزب الله وأن مراد زار السعودية واستُقبل بحفاوة. والأمران كفيلان بجعل «إسرائيل» قادرة على الاستفادة منهما. فاقتراب المشنوق من حزب الله غير مرحّب به «إسرائيلياً»، خصوصاً لأدوار وسيطة متعددة قام بها على الصعيد الرئاسي، وأيضاً تقارب مراد من السعودية بالعقل «الإسرائيلي» قد لا يكون مرحباً به إيرانياً أو من حزب الله فتقع الفتنة المنشودة.

الأمر الثاني: تطرح الأسماء السنية سؤالاً مشروعاً وبديهياً، وهو لماذا لا تضاف فرضية ان «إسرائيل» قتلت الرئيس رفيق الحريري. وهو أكثر مَن يستطيع التأثير في مسألة خلق شرخ سنّي شيعي. وطالما ان هذا هو مشروعها القديم الجديد والذي لا يتعلّق حتى بتطورات المنطقة، والذي لا يبدو أنه ستبدّل إذا صارت تسويات سياسية؟ لماذا لا تكون «إسرائيل» هي المشغل الأكبر لفريق عمل اغتال الحريري وعطل كل أجهزة الاتصالات التي بحوزته. وهي أجهزة حماية جزمت كل الفرق الهندسية المعنية أن أحداً لا يمكنه تعطيلها، إلا إذا كان له ارتباطات بدول أو جهة كبرى أو من المصدر المصنّع؟

ربط الأحداث، وهو منهج في الفكر السياسي يأخذ الى خلاصة مباشرة أن «إسرائيل» هي الجهة الراعية الأولى لاغتيال الرئيس رفيق الحريري ويأخذ إلى ضرورة وضع هذه الفرضية وبقوة بعد اعترافات العيتاني وإظهار اهتمام «إسرائيل» بالشخصيات السنيّة بالبلاد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى