باكستان.. مخاضات انتخابية

هادي حسين

لست هنا بوارد الكلام عن سيكولوجية العصبية الدينية وأثرها على مستوى الفرد والوطن، فما يهمّني هو الوقوف على المستجدات الأخيرة في باكستان وأعمال العنف التي أثارت ضجيجاً كبيراً في وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، نتيجة تصادم المعتصمين مع قوات الشرطة في إسلام أباد عندما حاولت قوات الأمن فضّ الاعتصام الذي مرّ عليه ثلاثة أسابيع، وإنْ كانت العصبية الدينية عنواناً لهذه الاحتجاجات والخطاب المشحون طائفياً مسيطراً على المشهد اليوم في باكستان.

وعلى الرغم من اعتقادي الراسخ بأنّ وراء ضجة بهذا الحجم وبهذا التوقيت مسألة أخرى ترغب بعض الجهات أو الأطراف بتمريرها بصمت، لكن أترك الكلام عن ذلك إلى فرصة أخرى، لحساسية مجريات الأحداث، لا سيما أنّ باكستان في وضع لا تُحسد عليه نتيجة تأزّم العلاقات بين إسلام آباد وواشنطن من جهة، والخوف من انعكاس الصراع في الشرق الأوسط بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية في إيران إلى داخل باكستان، كما حصل في فترة الثمانينيات والتسعينيات من جهة أخرى.

فشل الحكومة الباكستانية في التعامل مع المحتجّين بعد مرور ثلاثة أسابيع من احتجاجهم على تعديل كان قد طرحه وزير العدل زاهد حامد يقضي بتغيير القسم البرلماني الذي يؤكد ختم نبوّة محمد إرضاءً للأقلية القاديانية التي يعتبرها الدستور الباكستاني غير مسلمة، أضاف إلى رصيد الحزب الحاكم حزب الرابطة الإسلامية فشلاً آخر وضربة أخرى بعد إقالة رئيس الوزراء السابق نواز شريف بقرار من المحكمة العليا التي حكمت بعدم أهليته للبقاء في منصبه في تموز/ يوليو الماضي.

ومما لا شك فيه أنّ حزب نواز شريف سيدفع ثمن انحطاط مستوى تحمّله للمسؤولية ورفضه استيعاب مطالب المحتجّين الذين طالبوا بإقالة وزير العدل، غالياً في الانتخابات البرلمانية المُقبلة المُزمع عقدها في صيف 2018.

فيما من المتوقع أن تنجح حركة «لبيك يا رسول الله» التي تقود الحراك ضدّ الحكومة في كسب تعاطف كبير تعوّل عليه في مشاركتها المقبلة في الانتخابات. لذلك فهي مستفيدة بشكل كبير من تعنّت الحكومة وإطالة زمن الأزمة. رغم أنه من غير المرجّح فوزها بأغلبية، إلا إذا نجحت في عقد تحالفات سياسية تخوّلها الحصول على حفنة مقاعد هنا أو هناك. في هذا السياق رفعت الحركة من سقف مطالبها وصولاً إلى مطالبتها الحكومة بالاستقالة، بعد أن كان مطلبها الوحيد استقالة وزير العدل، ليزداد الوضع تعقيداً.

تجدر الإشارة إلى أنّ الحركة حزب ديني حديث التأسيس، شهدت الأشهر الماضية صعوده على الساحة الباكستانية، ويبدو أنّ الحركة تستعدّ للعب دور كبير في الانتخابات التي من المفترض أن تجري بحلول صيف العام المقبل، لا سيما أنّ الأحزاب الكبيرة في باكستان تمرّ بمرحلة عصيبة وتشهد تفككاً على حساب جماعات دينية صغيرة، تذكّرني بعهد الرئيس الجنرال برويز مشرف.

كاتب وباحث باكستاني

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى