دبلوماسيون أوروبيون: حكمة «عون» أنقذت لبنان

روزانا رمّال

كشف مصدر دبلوماسي أوروبي رفيع لـ «البناء» أن قلقاً كبيراً شاب الأروقة الدبلوماسية والسياسية الأوروبية بعد إعلان رئيس الوزراء سعد الحريري الاستقالة من الرياض، لأن هذه الاستقالة كانت تعني وبالمعايير كافة إعادة الفوضى السياسية والأمنية الى لبنان، وما يعنيه ذلك من تأثير مباشر على الوضع الاقتصادي. وتابع المصدر «حكمة الرئيس اللبناني ميشال عون أنقذت لبنان من الفوضى، ونحن نعتقد أن اللبنانيين تعلّموا كثيراً من الحرب الاهلية، وهم ليسوا بوارد إعادة عقارب الساعة في بلادهم الى الوراء وهذا تجلّى بمواقف عون. تخيّلوا لو أن عون قبل استقالة الحريري، ماذا كان ليحصل؟ ما قام به عون استثنائي، وأكثر ما يلفت هو كيفية معالجته للأزمة أكان لجهة مواقفه المباشرة أو لجهة تلويحه بتدويلها، ونعتقد أن ذلك لعب سبباً أساسياً في تحريك المجتمع الدولي.

وختم المصدر «أن الأوروبيين كما اللبنانيين يريدون الاستقرار في لبنان. الجميع يريد الاستقرار في هذه المرحلة وستكون المحافظة عليه مسؤولية الجميع أيضاً، لكن هناك شيئاً أساسياً في كل الذي جرى وقد أثر كثيراً على مجريات الأمور تمثل في الوحدة المحلية بين الأفرقاء على ضرورة عودة الحريري. وهي وحدة موقف لم يسبق للبنان أن عاشها. وهذا برأينا ساعد كثيراً في حسم الأمور ومنع الدول بالتفكير بأي تصعيد، لأنّه لن يقابَل بترحيب محلي».

وعلى الرغم من مرور وقت كافٍ للاشارة الى أن لبنان عاود ترتيب أوضاعه للدخول مجدداً في الاستقرار المنشود وتصحيح ما أفسده المشهد، وذلك بعد عودة الحريري الى لبنان قادماً من فرنسا فمصر وقبرص، إلا أن الأروقة الأرووبية لا تزال مهتمة بالذي جرى وتعيد النظر في تفاصيل الظروف وعناصرها باعتبار أنّها تقدّم الكثير من الإشارات حول سياسات خاصة كانت متّبعة، فيكفي النظر الى ما جرى مع الحريري لاستنباط طريقة عمل بعض الأجهزة السياسية والأمنية في السعودية والتعرف الى ذهنية الحكام هناك، إضافة الى ما وراء الكواليس، وكل ما كان ليتمّ بدون الأخذ بعين الاعتبار بعض مصالح الدول وبالتحديد الدول الأوروبية في لبنان، في ما لو استمر الحريري على موقفه من الاستقالة. بالتالي فإن كل ما جرى يساهم في أخذه كمرجعية في فهم المرحلة المقبلة والتحرك على أسس اولويات الدول لا المحاور، خصوصاً الامن الأوروبي الذي اعتبر ان اي خلل سياسي في لبنان هو طريق لهزّ الاستقرار الأمني، ما يعني عودة خطر هجرة النازحين غير الشرعية الى أوروبا من لبنان وبالحد الأدنى استخدام النازحين كورقة ضغط محلية ودولية.

تعاطي الأوروبيين مع كل ما جرى يدلّ على ان عون استطاع لفت انظارهم الى ما هو أبعد من مجرد مشكلة او ازمة تعرّض لها الحريري لتصل الى حد اعتبارها المرة الاولى التي يتم فيها التعامل مع لبنان على أساس أنها دولة تتعاطى في السياسة تبعاً لخصوصيتها من دون أن تأبه كثيراً لحسابات الماضي، أكان ذلك بما يتعلق بالعلاقة مع السعودية او غيرها من الأطراف. وهو ما يتكفّل باحتساب كل خطوة في العلاقة مع لبنان مستقبلاً أو أقله بعهد الرئيس ميشال عون. اللافت بهذا الإطار مكانة عون بين الأوروبيين وهم الذين يعتبرونه أحد أقوى الرؤساء المسيحيين المشرقيين وهم بظل حربهم على الإرهاب والعناية بالملف المسيحي بعد سلسلة الانتقادات التي طالت حكومات أوروبية عمدت الى تسهيل هجرة المسيحيين يظهرون اهتماماً أكبر بتقوية الواقع المسيحي في المنطقة، خصوصاً بعدما أحرجت روسيا بقتالها الإرهاب بعض الأطراف التي لم تأخذ بعين الاعتبار الكنائس المدمّرة في العراق وسورية جراء الإرهاب والمذابح التي طالتها، في وقت صدرت عن الكنيسة الروسية مباركة للعمليات العسكرية الروسية في سورية تحت عنوان «الحرب المقدّسة» أي الحرب على الارهاب.

بالعودة الى الأجواء الأوروبية، فإن الرئيس عون سارع الى أوروبا وتحديداً ايطاليا كأول زيارة بعد فصل من الراحة النفسية بعودة الحريري من دون أن يلغي أي شيء من جدول اعماله وكرر من هناك مسألة ضرورة تعاطي العالم مع لبنان ضمن حدود «الكرامة» وما تفرضه عليه من مواقف وطنية.

يمكن القول إن الرئيس عون أرخى أجواء جديدة على الساحة الدولية قبل المحلية التي تعرف مواقفه، او ربما تتوقع منه مواقف واضحة باتجاه الاستقرار السياسي المحلي. وهذا من شأنه أن يعزز الثقة بلبنان أمنياً واقتصادياً ويعزّز أيضاً رغبة المجتمع الدولي في اتخاذه منصة لإعادة إعمار سورية. وهي مواقف لم تعد تخفيها الأجواء السياسية الأوروبية والدولية. وهو ما يتطلب تكاتف جميع القوى للحفاظ على ما أنجز، أما الحريري فبعد كل ما جرى فهو بدون شك يتمتع اليوم بأكبر نسبة شعبية مؤيدة محلية جامعة تعدّت الشارع السني لتشمل كل الاطراف المحلية والدولية التي أظهرت له احتضاناً غير مسبوق أصبحت منافسته في ساحته من الصعوبة الشديدة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى