بين لبنان وقطر واليمن إشارات

روزانا رمّال

منذ عودة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري الى لبنان عشية عيد الاستقلال، وكل شيء يوحي بأن هناك مرحلة جديدة تلوح بالأفق اللبناني، إلا أنها قد لا تكون محصورة فيه فقط لأسباب، بل هي واحدة من أصل إشارات متتالية تؤكد ان المنطقة تتحضر لشيء مرتبط بإعادة ترتيب اوراق التفاوض النهائية القادرة على احتساب نقاط المحاور. فما علاقة الحريري بالمحاور اذا كان خيار العودة عن الاستقالة خارج الرغبة السعودية؟ وماذا عن باقي الإشارات حول مجمل المتغيرات؟

صار أكيداً ان صهر الرئيس الأميركي جاريد كوشنير قد دخل خلافاً شاقاً مع حراس البيت الأبيض الجدد أبرزهم المعين حديثاً على رأسه قائد الاركان جون كيلي الذي استلم زمام التنسيق بين البيت الأبيض وباقي أفرع المؤسسة الحاكمة لإعادة التنسيق مع البنتاغون، بما يحفظ صورة الولايات المتحدة الأميركية ويُعيد ماء الوجه المفقود بعد ان قاد كوشنير بشكل منفرد محطات واتخذ قرارات أحادية الجانب أساءت لمصالح واشنطن في الشرق الاوسط.

يتحدّث مسؤولون أميركيون عن امتعاض شديد من تصرفات كوشنير، وبينهم الدبلوماسي الأميركي الشهير دايفيد ساترفيلد الذي يعرف لبنان والعراق جيداً. وهو الأكثر خبرة بملفات الشرق الاوسط ومعروف عنه بالاستماع والتقدير الأقرب الى واقعها بعيداً عن التسرّع. وصار معروفاً بهذا الاطار لقاء المبعوث السعودي الوزير تامر السبهان بدايفيد ساترفيلد وامتعاض الأخير من طروحات السبهان التصعيدية السعودية.

وكالة فرانس برس نقلت مساء أمس، أن أمير قطر تميم آل ثاني سيشارك في قمة مجلس التعاون الخليجي الذي دعته إليها الكويت، مشاركة قطر التي لا تأتي من فراغ، هي حصيلة دعم أميركي واضح للسلطات القطرية كان موجوداً دائماً بعد أن تبين أن صمود الدوحة بوجه الرياض كان ملموساً، إضافة الى حشد إقليمي حمى موقفها بعد الرهان السعودي على عكسه. الدعم التركي والإيراني أنقذ قطر من الحصار وصارت على الولايات المتحدة مهمة إعادة ترتيب الوضع الذي أفسده تعاون سعودي – أميركي قوامه جاريد كوشنير ومحمد بن سلمان.

حضور قطر لقمة من هذا النوع بعد أكثر من ستة أشهر على خلاف حاد وصل حدّ تبادل الاتهام بشنّ أعمال عسكرية وتحضيرات مباشرة للتصدي لأي تطور عسكري، ليس إلا مؤشراً على تطور سياسي خليجي بارز، وأن هناك من عرض على السعودية تقريب المسافة لتبريد الأزمة، وأن قطر تلقت المبادرة بتأكيدها الحضور. والحديث عن ازمة قطر تعني تدخل جاريد كوشنير بالمسألة ومنح بن سلمان الضوء الأخضر في مسألة العزل. والتصعيد هو نفسه الضوء الأخضر الممنوح في قضية الرئيس سعد الحريري والذي يتعلق بإسقاط الحكومة اللبنانية واستكمال التصعيد الاقتصادي عليه. وحده ملف الإرهاب هو من وضع الأمور في نصابها. هذا ما يقوله مصدر سياسي رفيع لـ «البناء» فـ «الأوروبيون رفعوا الصوت أمام الحليف الأميركي بالقول «لا تلعبوا بدمنا». والمقصود لا تتمادوا في ما يعرّض استقرار بلادنا للخطر. فلبنان معرّض لأن يكون منفذاً للإرهابيين الفارين عبر البحر المتوسط او أولئك الطامحين لإمارات بحرية اذا ما تطور المشهد ليصبح اشتباكاً مسلحاً تتكفّل الخلافات المحلية بإشعالها. فلا شيء يمنع بالنسبة للأوروببين ان يتكرر مشهد آخر من السابع من أيار كاشتباك محلي مسلح، لكن بعنوان وشكل آخرين».

فجأة يصبح الحريري أحد أبرز العاملين على توحيد الصف في البلاد، ويؤكد أن سلاح حزب الله ليس موجهاً للداخل. وهذا وحده يتكفل بالتأكيد أنه خرج عن الأجندة السعودية أم أن الأجندة السعودية قد تغيّرت بأيام! وإذا تم ربط المتغير المتعلق بوسطية الحريري وبعدول الخليج عن عدم دعوة قطر لحضور اجتماعات مجلس التعاون وبانقلاب مفاجئ لعلي عبدالله صالح باليمن يتكفّل في ما لو نجح بالتحضير لإنزال السعودية عن شجرة التصعيد بالإمساك بأوراق تفاوضية جديدة. فإن هذه الإشارات تؤكد أن إعادة تموضع سياسي جديد تتحضر لها المنطقة، تبعاً للمتغير الكبير في البيت الأبيض بما يتعلق بالعلاقة مع الدول الخليجية. وكما كانت العلاقة بين كوشنير وابن سلمان سبباً بالتفريط فيها فإن اختلال العلاقة بين ترامب وكوشنير كفيل بإعادة الأمل بالتقارب الخليجي مجدداً، وكفيل أيضاً بالتحضير لأرضية أكثر جدية للحوار السياسي «البناء». ويمكن استذكار هنا الموقف الايراني الذي عبّر عنه وزير الخارجية محمد جواد ظريف لحظة سؤاله عن استقالة الحريري الملتبسة في قوله «اسألو صهر ترامب».

الأمل الموجود في لبنان اليوم بعودة الحريري لاقاه أمل آخر في اليمن تكفّلت به وساطة سلطنة عمان من أجل تهدئة الأوضاع والتحضير لخروج آمن للرئيس السابق علي عبدالله صالح والمعروف أن التحرّك العماني المقبول أميركياً وإيرانياً هو من أكثر المبادرات القادرة على إحداث فارق في الواقع الخليجي المتدهور والذي بلغ مرحلة كبيرة من الخطورة.

عودة الحريري وعودة اللمّة الخليجية وعودة المخطط التصعيدي في اليمن الى مرحلة الوساطة العُمانية بعد فشل الخطط الثلاث ليست مصادفات سياسية، بل إعادة تموضع جديد قد تكون سريعة، فهل تشهد المنطقة مبادرات نحو السياسة، بالرغم من التصعيد الظاهر على سطح المشهد بأوسع تجلياته؟

الأكيد أن المحرك الأميركي تغيّر وأن وجهاً جديداً من السلوك الخليجي تجاه الملفات الثلاثة سيسود في الايام المقبلة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى