توازن الرعب الخليجي: قصف المدن واستمرار الحصار مقابل الصواريخ بيان التسوية الحكومية يُبصر النور اليوم… وأحداث اليمن تزيد أهميّة «النأي»

كتب المحرّر السياسي

نهاية مأساوية للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح أعلنت نهاية الانقلاب الذي شكّل الرهان الأخير للرياض وأبو ظبي على تغيير مسار الحرب اليمنية. وبعد تطورات الأمس التي أعقبت مقتل صالح بدت الأمور في سياق المزيد من إحكام أنصار الله وحلفائهم ممن شاركوهم الحرب بوجه العدوان السعودي الإماراتي المدعوم من الجانبين الأميركي و«الإسرائيلي» على اليمن، وبدأ مَن تسنّى له الهروب من أنصار صالح بالنزوح نحو مناطق السيطرة السعودية، وخصوصاً إلى مأرب، بصورة بات من الصعب توقع أيّ تبدّل في مسار الحرب البرية في اليمن، وانحسار القدرة السعودية الإماراتية نحو مواصلة الدمار والقتل العبثي عبر تكثيف الغارات الجوية، التي قالت مصادر يمنية إنه سيرسم لها اليمنيون معادلة ردع عنوانُها، توازن الرعب الذي ولّدته الصواريخ اليمنية بعد نجاح اختبارَيْ إيصالها إلى الرياض وأبو ظبي، بحيث يصير على قادة الخليج الاختيار بين حرب استنزاف متبادلة، أو تسوية رفضوا مراراً الدعوة لقبولها، تقوم على شراكة وطنية يمنية منصفة تحتكم لصناديق الاقتراع في نهاية الطريق، يرتضي السعوديون ما يعلمونه مسبقاً من كونها ستنتج حكماً مستقلاً لليمن لا يتلقى تعليماته من الرياض، ويقيم علاقات متوازنة في الإقليم، ويجاهر بمفهومه للعروبة باعتبارها الشراكة في العداء لـ «إسرائيل» وليس لإيران، والتطبيع مع إيران وليس مع «إسرائيل».

تحت تأثير ما جرى في اليمن وما سيجري، ومنع المزيد من تداعيات الصراعات الإقليمية على لبنان، تسارعت المساعي اللبنانية لملاقاة موعد سفر رئيس الحكومة يوم الجمعة المقبل للمشاركة في مؤتمر مجموعة دعم لبنان في باريس، لإنتاج التسوية الحكومية والانتهاء من صياغة بيانها الذي يتيح صدوره لرئيس الحكومة سعد الحريري المشاركة في المؤتمر بصورة كاملة الأوصاف كرئيس للحكومة، وليس كمتريّث في تقديم الاستقالة.

صيغة بيان التسوية، كما وصفته مصادر مطلعة لـ «البناء»، تلخيص لتوافقات لبنانية تضمّنتها بيانات ومواقف سابقة، فهو إعلان التزام بالقانون الدولي والقرارات الدولية وميثاق الجامعة العربية والحرص على علاقات لبنان بأشقائه العرب، ونأيه بنفسه عن صراعات المحاور العربية والإقليمية، ولبنان يتطلّع للأشقاء والأصدقاء أن ينأوا به عن صراعاتهم، وأن يلتقوا على تحييده من هذه الصراعات، حتى يحين أوانُ توافق عربي إقليمي ينشده لبنان ويمدّ يده للإسهام في صناعته، وتحقيقاً لاستقرار لبنان تحت سقف التوافق على هذا النأي ببلدهم عن الصراعات العربية والإقليمية، تلتزم الأطراف المشاركة في الحكومة بخطاب إعلامي وسياسي بعيد عن لغة التصعيد والتشنّج، يقطع طريق تعريض لبنان لتأزيم علاقاته العربية والإقليمية والدولية، ويمنع التوترات الداخلية والاحتقانات السياسية والطائفية والمذهبية، كما يلتزمون بعدم التدخل في الأوضاع الداخلية للدول الشقيقة والصديقة، بمثل ما يطلبون عدم التدخل في شؤون لبنان الداخلية، والحكومة والأحزاب والكتل المشاركة فيها، ومعهم الشعب اللبناني يثقون بقدرة وأهلية ومكانة ومهابة ووطنية رئيس الجمهورية كمؤتمن على الدستور، ورمز وحدة البلاد واستقلالها، للسهر على منع أيّ انزلاق للبنان نحو ما يعرّضه للخطر في هذه المرحلة الدقيقة، وضمان عدم تعريض علاقات لبنان العربية والدولية للتأزّم، وما يضمن تعزيز روح الوفاق والتضامن والوحدة وترسيخ الاستقرار.

جلسة للحكومة اليوم لإحياء التسوية

بين الألغام الإقليمية والوضع المتفجّر في اليمن شقت التسوية السياسية الداخلية بنسختها المعدلة طريقها الى الإنجاز، ومن المتوقع أن تبصر النور اليوم، خلال جلسة لمجلس الوزراء في بعبدا دعا إليها رئيس الحكومة سعد الحريري لإحياء التسوية، كما قال وزير الثقافة غطاس خوري، علماً أن الجلسة سياسية استثنائية لا تستوجب توجيه الدعوة إلى عقدها قبل 48 ساعة.

ويبدو أن النسخة النهائية لنصّ البيان قد أُنجز، بحسب معلومات «البناء» وحاز على التوقيع السياسي من «قوى التفاوض» والذي سيتلى في نهاية جلسة مجلس الوزراء على أن يشكّل مظلة الهبوط الآمن للحريري للعودة الى السراي الحكومي.

ووفق معلومات «البناء» فإن الخطوط العريضة للبيان أُنجزت خلال اللقاءت المكثفة في باريس بين رئيس الحكومة ووزير الخارجية جبران باسيل والمسؤولين الفرنسيين الذين يتواصلون بدورهم مع القيادة السعودية، بينما كانت مشاورات باريس تتمّ بالتنسيق مع بعبدا وعين التينة وحارة حريك، حيث تولّى مدير مكتب رئيس الحكومة نادر الحريري تدوير الزوايا مع المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين خليل ومع معاون رئيس المجلس النيابي وزير المال علي حسن خليل اللذين عقدا اجتماعاً أمس في وزارة المال.

وقد أشارت مصادر «البناء» الى أن «حزب الله بالتنسيق مع الرئيسين ميشال عون ونبيه بري لعب الدور المفصلي لجهة تسهيل الأمور من خلال المرونة التي أبداها خلال مفاوضات صياغة البيان بناء على قرار من قيادة الحزب بتسهيل الأمور الى أقصى الحدود وتعبيد الطريق أمام عودة الحريري الى السراي الحكومي وتثبيته في موقعه وعودة الانتظام الى عمل المؤسسات».

ومن بيت الوسط أكد النائب وائل أبو فاعور أمس، بُعيد زيارته الحريري أن «الامور تتجه الى الايجابية وتكاد تطوي صفحة الاستقالة وقد تمّ توضيح الكثير من النقاط والتفاهمات السياسية التي سيعبر عنها بموقف جامع لمجلس الوزراء».

بيان توضيحي لا نص دستوريّ…

وأوضحت مصادر مطلعة لـ «البناء» بأن «نص البيان ليس نصاً دستورياً أو وثيقة رسمية وليس تعديلاً على البيان الوزاري، بل نص توضيحي لبعض فقرات البيان الوزاري وخطاب القسم محوره النأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية»، ولفتت المصادر الى «أنه هندسة لغوية واقعية تتم صياغة كلماته وحروفه بدقة وتأنٍ كي لا يخرج حمّال أوجه ويعيدنا الى مربع الأزمة. وقد يحتاج الأمر الى بعض الوقت لإنضاج الصيغة»، مشيرة الى أن «البيان سيدعو الى النأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية بالتوازن والتوازي بين جميع الأطراف، وكما سيلتزم حزب الله تخفيض الخطاب الإعلامي ضد السعودية في ما خصّ عدوانها على اليمن، سيطالب البيان في المقابل تيار المستقبل و14 آذار بالتوقف عن التعرّض للجمهورية الإسلامية في إيران وللقيادة السورية، كما سيطالب البيان بحسب معلومات «البناء» الدول العربية بأن تنأى بلبنان عن صراعاتها وحروبها وعدم التدخل في شؤونه الداخلية».

هل ستعطّل السعودية «التسوية» مجدداً؟

ومع التطورات الدراماتيكية الخطيرة التي عاشتها الساحة اليمنية خلال الأيام القليلة الماضية ارتفع منسوب القلق في الداخل من أن تؤدي الى إجهاض «التسوية المعدّلة» في مهدها، لا سيما أن الرياض وبعد مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح فقدت ورقة ثمينة كانت تراهن عليها لطرد الحوثيين من صنعاء وبالتالي تغيير موزاين القوى من البوابة اليمنية، غير أن حساب الحقل لم يُطابق حساب البيدر. لكن السؤال الذي يراود مخيلة المحللين وصناع القرار المحلي: هل ستحتمل المملكة الخسارة في اليمن ولبنان معاً في أقل من شهر واحد؟ وهل سترتدّ مجدداً الى الداخل لتعطيل «التسوية الجديدة»؟

في حين أكدت مصادر بيت الوسط أن أحداث اليمن لن تؤثر على العمل الجاري للخروج من الأزمة بأقل الخسائر، مشيرة الى أن «الأجواء إيجابية والتسوية ماشية»، استبعدت مصادر مطلعة لـ «البناء» أن تؤثر المستجدّات العسكرية والأمنية في اليمن على إنجاز التسوية الداخلية، خاصة أنّ الظروف والمعطيات التي تحكم التسوية غير مرتبطة بالصراع الداخلي للأطراف المعادية للسعودية إلا في حال استغلّت المملكة سيطرة أنصار الله على صنعاء والتذرّع بالخطر على أمنها القومي لوضع الحريري تحت مزيد من الضغوط لئلا يذهب أكثر باتجاه التسوية قبيل حصولها على ضمانات سياسية وأمنية في اليمن، الأمر الذي سيشكّل خطوة تفجيرية جديدة وخرقاً للنأي بالنفس الذي لم يتمّ الانتهاء من كتابة حروفه بعد. غير أن المصادر لفتت الى أن «الحل الذي تم نسج خيوطه في باريس بالتوازي مع الحراك الداخلي يؤشر الى قرب ولادة عادية قبل الجمعة المقبل».

وما عزّز احتمالات التفاؤل هو تقديم مجموعة الدعم الدولية للبنان اجتماعها إلى الجمعة المقبل، ما يستوجب على الحريري أن يذهب الى باريس بكامل المواصفات الرسمية وهو أمر تحرص باريس عليه أشدّ الحرص.

وفي سياق ذلك يغادر رئيس الحكومة مساء الخميس المقبل مع وزير الخارجية ووفد وزاري الى باريس للمشاركة في «مؤتمر مجموعة الدعم للبنان الذي سيتطرق الى أزمة النازحين وكيفية تقديم الدعم المالي للبنان لتعزيز صموده وعمل مؤسساته لمواجهة الاستحقاقات».

والتقى الحريري أمس، نائب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان واطلع منه على التحضيرات الجارية لمؤتمر مجموعة الدعم.

رسالة الجبير للحريري!

في غضون ذلك، بقيت تهديدات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ضد القطاع المصرفي تخيّم على المشهد المحلي، رغم الردّ الحازم والحاسم لحاكم المصرف المركزي رياض سلامة ولهيئة المصارف، وأشارت مصادر «البناء» الى أن «السعودية ماضية في حربها ضد لبنان، لا سيما على المستوى الاقتصادي والمالي ما يُعَدّ قمة التدخل في الشأن اللبناني»، مشيرة الى أن «كلام الجبير رسالة نقدية للحريري بأن السعودية غير راضية على اندفاعته تجاه حزب الله والرئيس عون».

أما اللافت في الأمر، فهو انقلاب السعودية على المصارف اللبنانية التي وُجّه الاتهام إليها في المرحلة السابقة بالتغطية والتواطؤ والتماهي مع قرار العقوبات المالية الأميركية على لبنان وتطبيقه بطريقة استنسابية وانتقائية بهدف استهداف فئة سياسية وشعبية معينة، تجد نفسها اليوم تحت مرمى اتهامات الجبير، وصفته مصادر بـ «الانقلاب النقدي على الحريري بعد الانقلاب السياسي».

مشروع «هيئة الإشراف» إلى مجلس الوزراء

على صعيد آخر، وإذ من المفترض أن تعود البلاد الى طبيعتها بعد جلسة اليوم، يتصدّر الملف الانتخابي قائمة الأولويات، فقد أحال وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق أمس، إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، مشروع النظام الداخلي الذي أقرّته هيئة الإشراف على الانتخابات بغية عرضه على مجلس الوزراء، تمهيدًا للتصديق عليه، كما نصّت عليه المادة 14 من قانون انتخاب مجلس النواب رقم 44/2017.

وفي إطار تحضيرات الوزارة للانتخابات المقبلة، ترأس المشنوق الاجتماع الدوري لكبار الموظفين المعنيين من أجل متابعة الاستعدادات وإعطاء التوجيهات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى