ترامب يسخر من العرب بلعبة السفارة… والقمّة الخليجية تنتهي قبل أن تبدأ من صنعاء الحكومة إلى الانتخابات دُرّ… والنأي بالتوازن والتوازي بين السعودية وسورية وإيران

كتب المحرّر السياسي

تمنح دمشق الأولوية لترتيب أوراق المواجهة مع «إسرائيل» في مرحلة الربع الأخير من ساعات الحرب، لتضمن خروجاً من معادلات الأمر الواقع التي حاول «الإسرائيليون» فرضها ضمن يوميات الحرب، وتعيد ترسيخ معادلات ردع تؤكد السيادة السورية المحميّة بالقدرة على الصدّ والردّ في مواجهة أيّ محاولة للعبث «الإسرائيلي» بالأمن أو الجغرافيا، بعدما نجحت معادلات الردع السورية بالتعاون والتنسيق مع الحلفاء بمنع «إسرائيل» من تحقيق أيّ مكسب تفاوضي يتصل بطبيعة القوى التي تنتشر في مناطق جنوب سورية، خصوصاً المتاخمة للجولان المحتلّ، كما نجحت بردع الدعم «الإسرائيلي» للجماعات المسلحة عبر الجولان، وخصوصاً جبهة النصرة، بالاستناد إلى التكامل بين عناصر القوة العسكرية والشعبية داخل الجولان وخارجه، وفيما سجّلت سورية ردعاً صاروخياً لتحليق الطائرات «الإسرائيلية» في أجوائها، فاستعاض عنها «الإسرائيليون» بغاراتهم من الأجواء اللبنانية المطلة بمدى ستين كيلومتراً بصواريخها على بعض هامّ وحساس من الجغرافيا السورية فلاحقتهم الصواريخ السورية في مرحلة ثانية من مراحل الردع، لتخوض سورية بعدها، المرحلة الثالثة التي تتمثل بالتصدّي الصاروخي لصواريخ أرض أرض تستهدف بعضاً أضيق مدى من الجغرافيا السورية من داخل المناطق المحتلة، فتسجّل نجاحاً يشغلُ بال «الإسرائيليين» حول إحاطة تحرّكهم العسكري نحو سورية بمجموعة من الخطوط الحمر الجديدة. في ظلّ هذا الاهتمام الرئيسي، تتحرّك دمشق على جبهتها العسكرية لمواصلة تقدّم الجيش والحلفاء في ريفي إدلب وحلب، وعلى الجبهة السياسية تتركز الجهود نحو التحضيرات لمؤتمر سوتشي الذي دعت إليه موسكو ولم يُحسم له بعد موعد نهائي، بينما تتريّث دمشق في قرار المشاركة في محادثات جنيف، التي تطرح أسئلة جدية حول جدواها في ظلّ تلاعب معارضة الرياض ووفدها المفاوض، وتغاضي المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا عن هذا التلاعب.

في اتجاه معاكس كان قادة الخليج الذين تقودهم السعودية نحو التطبيع مع «إسرائيل» وصولاً إلى تحالف معلن معها على حساب القضية الفلسطينية، والتورّط بتصفيتها تحت شعار صفقة القرن، موضوع هزء وسخرية من مشغلهم الأميركي، الذي أعلن عبر المتحدثة بلسان البيت الأبيض، عن بيان سيصدره الرئيس الأميركي دونالد ترامب يؤكد فيه عزمه على نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، حتى لو أجّل التوقيت لمرة أخيرة، فلملموا أغراضهم من قمّتهم في الكويت هرباً من الفضيحة، من دون أن يذكروا الأمر بكلمة في بيانهم، وحزموا أمتعتهم ليرفعوا أعمال قمة أسقطتها أحداث صنعاء التي كانت القمة مقرّرة للاحتفال باستعادتها، وهي القمّة التي استغرقت دقائق غاب عنها تمثيل وازن للسعودية والإمارات، كان مقرّراً لو نجح الانقلاب في صنعاء، التي شهدت تظاهرة مليونية نظمها أنصار الله تأكيداً لفرض الاستقرار، واحتفالاً بإسقاط الانقلاب، من دون أن ينسوا في هتافاتهم فلسطين وقدسها مؤكدين انتماءهم لخيار المقاومة لنصرة شعبها وقضيتها.

في لبنان عاد رئيس الحكومة سعد الحريري لترؤس أعمال الحكومة، بعد جلسة برئاسة رئيس الجمهورية انتهت ببيان النأي بالنفس، الذي قدّم المخرج للرئيس الحريري لهذه العودة، بينما قالت مصادر متابعة لولادة البيان، إنه إضافة لوظيفته كمخرج، هو التزام بتفادي الإحراج المتبادل لمكوّنات الحكومة بعضهم للبعض الآخر بمواقف تصعيدية ضدّ المحاور الإقليمية التي ينقسم حولها المشاركون في الحكومة، ما يعني التوازن والتوازي بالخطاب السياسي للمكوّنات الحكومية تجاه السعودية من جهة وسورية وإيران من جهة مقابلة، خلافاً للرغبة السعودية بضمّ لبنان لمحورها المناوئ لإيران، كما كانت النسخة الأصلية لاستقالة الحريري.

بيان «النأي» ثبّت الحريري في منصبه

تحت عنوان «التزام الحكومة اللبنانية بمكوّناتها النأي بنفسها عن أيّ نزاعات أو حروب تضرّ بعلاقات لبنان السياسية والاقتصادية مع أشقائه العرب»، تمكّنت الحكومة اللبنانية من إنقاذ التسوية الرئاسية من الغرق في وحول العاصفة الإقليمية التي تضرب سواحل البحر الأحمر بلغت ذروتها أمس الأول، مع مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح وسيطرة حركة أنصار الله والجيش واللجان الشعبية على صنعاء، واستطاع رئيسا الجمهورية والمجلس النيابي بالتنسيق مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله و»الفريق العاقل» في تيار المستقبل من نقل لبنان من وسط العاصفة إلى شاطئ الأمان.

وبعد جولات ماراتونية على خط باريس بيروت وتوزعت في الداخل بين بعبدا وعين التينة وحارة حريك وكليمنصو، أبصر «بيان العودة» النور ليل الاثنين الماضي، وكان المدخل لإعلان رئيس الحكومة سعد الحريري تراجعه عن الاستقالة وتثبيته في منصبه والعودة كرئيس حكومة كامل المواصفات والصلاحيات إلى السراي الحكومي، وذلك بعد جلسة عقدها مجلس الوزراء في بعبدا أمس، برئاسة الرئيس ميشال عون.

ومع عودة الحريري عن الاستقالة طوى لبنان صفحة أزمته التي تفجّرت في الرابع من تشرين الثاني الماضي وأحبط المخطط السعودي «السبهاني» «القواتي» لإطاحة الحريري وإسقاط الحكومة وتوجيه ضربة قاصمة الى عهد الرئيس عون وتشريع البلاد أمام رياح الفتن والفوضى والحروب التي تضرب المنطقة.

كما تمكّن لبنان من تحويل الأزمة إلى فرصة والخرج منها أقوى وعلى استقرار مستدام، كما عبّر وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل أمس، وبالتالي فتح صفحة سياسية جديدة ستظهر معالمها في القريب العاجل، وستفرز، بحسب مصادر مطلعة خريطة تحالفات جديدة، وبالتالي حكومة بتوازنات ومعادلات جديدة ومشهد سياسي جديد مع نضوج الصورة الإقليمية الجديدة خلال الأشهر القليلة المقبلة.

ووصفت مصادر وزارية الجلسة بالممتازة والتوافقية والتأسيسية، حيث أشادت الأطراف الحكومية كافة بحكمة وأداء رئيس الجمهورية خلال الأزمة وصموده أمام الضغوط الخارجية وقدرته على التعامل المناسب برفض استقالة الحريري والإصرار على استعادته أولاً.

وأوضحت المصادر لـ «البناء» أن «القرار الحكومي الذي صدر بالإجماع لم يكن تسوية جديدة، بل تثبيت وإعادة تأسيس للتسوية التي أوصلت عون الى سدة الرئاسة الأولى والحريري الى الرئاسة الثالثة».

ولفتت الى أن «النتيجة التي وصلنا اليها لم تأت وليدة الضغوط الخارجية ولا تنفيذ لإملاءات أو رغبات أو شروط دولة معينة، بل حكمة وطنية وفعل سيادي استقلالي لحفظ لبنان وتجنيبه الصراعات الخارجية»، واعتبرت أن «إحياء أو تجديد التسوية رسّخ الاستقرار وشكّل مظلة أمان دولية وإقليمية ومحلية أقوى من السابق، كما وأثبت للبنان مناعة داخلية وقدرة كبيرة لدى اللبنانيين على صون الاستقرار والوحدة في أصعب المراحل والظروف». وأشارت إلى أن «كما على لبنان بمكوّناته كلها أن ينأى بنفسه عن النزاعات الخارجية توجّهت الحكومة الى الخارج بأن لا يدخلنا في نزاعاته وأن لا يتدخّل في شؤونه الداخلية».

«القوات» خارج التسوية.. وتستلحق نفسها

وفي وقتٍ حاولت «القوات اللبنانية» الإيحاء بأنها كانت على علم وكانت شريكة بالتسوية المنجزة، أكدت مصادر وزارية في التيار الوطني الحر بأن «نص بيان الحكومة ظلّ حتى موعد الجلسة محصوراً بين مَن عمل على الصياغة». وأشارت مصادر وزارية مقرّبة من بعبدا لـ «البناء» الى أن «وزراء القوات اللبنانية أُبلِغوا في وقت متأخّر من مساء الإثنين عبر تواصل تمّ بين وزيرَيْ الثقافة غطاس خوري والإعلام ملحم رياشي بأن الحكومة ستُقرّ قراراً حكومياً بالإجماع، لكن لم يتمّ وضعهم بصورة نص البيان، وبالتالي لم يشاركوا في صياغة البيان ولم يُعرض عليهم، كما حاول وزراء القوات التسريب قبيل الجلسة وبعدها».

وأوضحت المصادر أن «القوات تحاول استلحاق نفسها في التسوية والحفاظ على وزرائها في الحكومة بعد أن ضاقت خياراتها، ووجدت أن السيناريو السعودي وصل الى طريق مسدود فحاولت التراجع»، لكن المصادر تجزم بأن «موقع ودور وقيمة وجود القوات في الحكومة لم يعُد نفسه قبل الأزمة، نتيجة للموقف الذي اتخذته تجاه أزمة الحريري في الرياض». واستبعدت المصادر في سياق آخر توجّه الرئيسين عون والحريري إلى إجراء أي تعديل وزاري في ظل الوقت الضيق قبل الانتخابات النيابية». وتوقّعت المصادر «إقلاعة حكومية جديدة ومنتجة على صعيد جميع الملفات المطروحة وستكون القضايا الاقتصادية والحياتية على رأس أولويات الحكومة».

مع العلم أن مصادر وزارية تفاجأت داخل الجلسة بالأداء القواتي المؤيّد جملة وتفصيلاً لمواقف رئيس الحكومة، إذ أكد الوزير ملحم رياشي الذي تحدّث باسم القوات عن تأييد حزبه لتصريحات الحريري منذ عودته الى لبنان حتى ما تضمّنه البيان الوزاري لجهة النأي بالنفس وضرورة التزام الأطراف كافة من فريقي 8 و14 آذار بعدم التصعيد الإعلامي ضدّ أي محور من المحاور».

وكان مجلس الوزراء الاستثنائي انعقد أمس، في قصر بعبدا خرج بعده الرئيس الحريري وتلا البيان الكامل، فنصّ على أن «مجلس الوزراء أكد بإجماع المكوّنات السياسية الممثلة في الحكومة التزام البيان الوزاري قولاً وفعلاً وبخاصة بالفقرة التالية منه: إن الحكومة تلتزم بما جاء في خطاب القَسَم لفخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. وفي ضوء هذا التأكيد يقرر مجلس الوزراء الآتي: التزام الحكومة اللبنانية بكل مكوناتها السياسية النأي بنفسها عن اي نزاعات او صراعات او حروب او عن الشؤون الداخلية للدول العربية، حفاظاً على علاقات لبنان السياسية والاقتصادية مع أشقائه العرب. إن مجلس الوزراء يجدّد تمسّك الحكومة باتفاق الطائف ووثيقة الوفاق الوطني لا سيما البند الثاني من المبادئ العامة التي تنص على أن «لبنان عربي الهوية والانتماء، وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم بمواثيقها، كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم بميثاقها، وهو عضو في حركة عدم الانحياز. وتجسّد الدولة اللبنانية هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون استثناء. ويتطلع مجلس الوزراء بناء على ذلك، الى افضل العلاقات مع الاشقاء العرب وأمتنها، بروح الروابط التاريخية التي تجمع بين دولنا وشعوبنا. في النهاية، يشكر مجلس الوزراء رئيسه على موقفه وعلى عودته عن الاستقالة».

عون: وحدة اللبنانيين أساس حماية الاستقرار

وأكد رئيس الجمهورية أنّ «المهم كان عودة الرئيس الحريري من الخارج والاطلاع على الملابسات التي رافقت موقفه». وشدّد على أن ّ»موقفه انطلق من عدم قبولنا أن تمس أي سلطة كرامتنا إذ نعتبر الا سلطة كبيرة، بل الكل متساوون في العزة والكرامة».

وكان الرئيس عون عرض بالتفصيل المراحل التي قطعتها الأزمة التي نشأت عن استقالة الرئيس الحريري في مستهلّ الجلسة الأولى لمجلس الوزراء بعد الازمة الاخيرة. وقال: «موقف لبنان كان موقف مواجهة لما حصل مع رئيس الوزراء وأن وحدة اللبنانيين تبقى الأساس في حماية الاستقرار في البلاد».

جنبلاط: بحسن إدارة الرؤساء اجتزنا الأزمة

وأكّد رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط ، في تعليق على مواقع التواصل الاجتماعي، أنّ «حسن الإدارة الدقيق من قبل رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري الرؤساء الثلاثة ، الّذي رافق الأزمة الخطيرة الّتي مرّت على البلاد، إضافة إلى الرصيد الّذي يتمتّع به لبنان لدى الحريصين على استقراره من مجتمع دولي وفي المقدمة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ، كلّ هذا سمح لنا باجتياز الأزمة الخطيرة الاستثنائية وصولاً إلى طيّ الاستقالة».

بدورها، عبّرت كتلة المستقبل النيابية التي اجتمعت أمس، برئاسة الحريري في بيت الوسط عن الارتياح لقرار الرئيس الحريري التراجع عن استقالته وتمنت عودة سريعة لانتظام عمل الحكومة لمواجهة التحديات التي يواجهها لبنان.

.. وفريق «السبهان» يرفض التسوية

وقع إحياء التسوية وتثبيت الرئيس الحريري في موقعه وعودته الى السراي الحكومي كان قاسياً على الفريق «السبهاني» في لبنان، فقد بدا الامتعاض والغضب واضحاً لدى الوزير السابق اللواء أشرف ريفي ، مشيراً في تعليق على مواقع التواصل الاجتماعي، أنّ «ما حصل بعد استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري من تريّث واستشارات، مجرّد مسرحية هزلية لا تحترم عقول اللبنانيين».

وشدّد على «أنّنا اليوم، وأكثر من أي وقتٍ مضى، نعلن رفضنا للتسوية بشروط الوصاية الإيرانية، ونعتبر أنّ ما حصل استسلام لمشروع « حزب الله ».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى