قراءة في صراع الوجود واستراتيجية المواجهة الشاملة فلسطين كلها تحت الاحتلال.. كفى!

نضال القادري

ليست قبة الصخرة أو المسجد الأقصى ولا كنيسة القيامة ما يجعلني أنتمي إلى فلسطين أو أجفّف من انتمائي لها. إن الدفاع عن مسألة فلسطين قد سقط في وجدان العالم العربي وأصحاب نظرية الأمة الإسلامية عندما اختُزلت بصورة المسجد الأقصى. ولو أنها اختزلت أيضاً بصورة لكنيسة القيامة لقلت التصريح ذاته.

لقد بعث لي أكثر من صديق لأجعلها «صورة للبروفايل» عبر موقع فايس بوك، وما جعلتها ولن أفعل!

إن فلسطين ليست قضية دينية ولا يجب أن تُختصر برمز مقدّس عند معتنقي أيّ دين معين! إن كل فلسطين قد وقعت تحت الظلم منذ النكبة الكبرى عام 1948 وقيام كيان المغتصبات اليهودية على أرضها، وليست قضيتها دينية لتخصّ المسلمين قبّة الصخرة، والمسجد الأقصى ، ولا المسيحيين كنيسة القيامة ، إنما قضية حق وحقيقة واحدة: قضية احتلال يهودي، وطرد شعب بكامله من أرضه وإحلال آخر مكانه، وما زوال الاحتلال إلا تبدّد أكيد أكيد أكيد، مهما طال أمده وتغطرس وتمدّد. ونحن السوريين القوميين الاجتماعيين سنبقى نردّد: «…وليس لنا من عدوّ يقاتلنا في ديننا وأرضنا وحقنا إلا اليهود».

لا بدّ لي من تأكيد أن فلسطين هي جزء جوهري من قضية قومية شاملة في الصميم، ولا تخصّ حزباً أو منظمة أو جمعية أو أي عائلة إقطاعية أو نظام حكم قائم. لذلك فإن عملية تحريرها وجب أن تكون شاملة ذات مناحٍ وطنية قومية. إن الميثاق الوطني الفلسطيني الذي أقرّ عام 1968 هو خطة استراتيجية شاملة ووافية. حبذا لو أن منظمة التحرير الفلسطينية تعلن انسحابها من خيار المفاوضات مع كيان الاحتلال وتعود على إجماع الفلسطينيين كافة ومن دون أية معارضة على خيار الصراع. هذا العدو لا يعرف غير القوة. إن الميثاق الوطني الفلسطيني الذي صدر هو برنامج ذو منحى استراتيجي للنضال الفلسطيني لتحرير كل فلسطين.

وفي سياق حرب الوجود، فإن الانتماء إلى فلسطين والارتباط المادي والروحي والتاريخي بها هي حقائق ثابتة، وإن التنشئة الوطنية لأفراد لا بدّ أن تكون ثورية نهضوية تتخذ كافة وسائل التوعية والتثقيف والتعريف للأبناء بوطنهم وبلادهم تعريفاً روحياً ومادياً عميقاً، تؤهلهم بالمعرفة وتكسبهم حق الخيار للنضال والتضحية لاسترداد الأرض السليبة حتى التحرير، وذلك يُعَدّ واجباً قومياً لا التباس به.

إن نهضة البلاد تقتضي نضالاً حقيقياً وأساسياً في الثقافة والدبلوماسية والعسكر والكفاح المسلح. كل ذلك يتأتى من ضمن خطة وطنية وقومية شاملة لمناحي الصراع حتى نسلك الطريق الوحيد لتحرير فلسطين. ولا يسعني إلا أن أستذكر قولاً للمفكر أنطون سعاده يقول: «إن القوة هي القول الفصل في إثبات الحق القومي أو إنكاره». وفي كل تلك القوة القائمة على مجتمع المعرفة تتشكل الاستراتيجية، ولا يكون التكتيك بالتخلي عن أي من أدواتها في سياق المواجهة وخياراتها، وإن حصل فسيكون هديّة ثمينة لعدو مدجّج بأنواع الماكينات الإعلامية والثقافية والعسكرية والدبلوماسية وغيرها كافة.

إن تحرير فلسطين هو واجب العالم العربي أجمع. وهو واجب سوري قومي بالدرجة الأولى نظراً لتوهج الصراع على أرض الهلال الخصيب في مواجهة حلم «إسرائيل الكبرى». كذلك تقع مسؤولياته كاملة على العالم العربي شعوباً وحكومات، وعلى الجامعة العربية التي أفلست وغرقت في موتها وشخيرها المتنامي. ومن أجل ذلك، فإن على العالم العربي أن يعبئ جميع طاقاته العسكرية والبشرية والمادية والروحية للمساهمة بفعالية في دفع مسألة فلسطين لتبقى صراعاً حياً يقوم على مفاهيم العدل، وأن يُبذل ويُقدّم للفلسطينيين كل العون وكل التأييد المادي والبشري، ويوفِّر لهم كل الوسائل والفرص الكفيلة بتمكينهم من الاستمرار بدورهم الطليعي في متابعة مسيرتهم حتى التحرر والتحرير.

إن الشخصية الفلسطينية صفة أصيلة لازمة لا تزول، وهي تنتقل من الآباء إلى الأبناء. وإن الاحتلال الصهيوني، وتشتيت الفلسطينيين نتيجة النكبات التي حلّت بهم لا يفقدانهم شخصيتهم وانتماءهم ولا ينفيانهما. وعلينا جميعاً، إذا أردنا أن نقيم دولة على أسس العدل، أن نعتبر باطلاً كلاً من تصريح بلفور، وصكّ الانتداب، وإعلان كيان العدو «الإسرائيلي» قيام «الدولة 1948» وما ترتّب عليهما، واعتبار دعوى الترابط التاريخية والروحية بين اليهود وفلسطين لا تتفق مع حقائق التاريخ، ولا مع أي من مقومات نشوء الدول في مفهومها الصحيح، واعتبار أن اليهودية وإن اعتبرت بنظر بعض المتمذهبين «ديناً سماوياً» ولا أتفق شخصياً مع ذلك، فهي ليست قومية ذات وجود مستقل تام، وكذلك فإن اليهود ليسوا شعباً واحداً تاماً له شخصيته المستقلة، وإنما هم مواطنون في الدول التي ينتمون إليها ويقيمون فيها في كل أصقاع العالم.

ولكل الذين أرادوا أن يميزوا بين الصهيونية واليهودية، فإني أعترف أن منحني الله صورته ومثاله في عقل أخذني لخلاصة أن الصهيونية هي بنت التوراة اليهودية، وهي حركة تلمودية ذات مفاعيل سياسية وإجرامية، وأن لوبياتها السياسية وأخلاقياتها مرتبطة ارتباطاً عضوياً بالإمبريالية العالمية، وهي معادية لجميع حركات التحرّر والتقدّم في العالم، وهي حركة عنصرية تعصبية في تكوينها ومنطلقاتها، وعدوانية توسعية استيطانية في أهدافها، وفاشية نازية كاملة في وسائلها، وإن كيان الاحتلال «الإسرائيلي» هو أداة الحركة الصهيونية – اليهودية، وقاعدتها البشرية الجغرافية نحو الإمبريالية العالمية، ونقطة ارتكاز ووثوب علينا جميعاً في قلب أرض العالم العربي.

إن العديد من قرارات الشرعية الدولية تعتبر وجود وتشكل «إسرائيل» احتلالاً لأراضي فلسطين، ومنها ما يتعلق بشأن القدس، ومن أهمها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 لعام 1967 الذي نصّ على الانسحاب من الأراضي التي احتلتها «إسرائيل» في العام 1967 ومن ضمنها القدس، والقرار رقم 478 لعام 1980 بشأن رفض قرار الحكومة «الإسرائيلية» بضم القدس واعتبارها عاصمة أبدية لدولة «إسرائيل»، وقرار مجلس الأمن رقم 2334 لعام 2016 بشأن عدم اعتراف مجلس الأمن الدولي بأي تغييرات تجريها «إسرائيل» على حدود عام 1967 ومن ضمنها القدس. بالإضافة إلى آلاف القرارت الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن القدس واحتلال الأراضي الفلسطينية. العبرة في التنفيذ والتطبيق. ولكن حتى تبقى القوة هي القول الفصل في حماية الحق القومي لا بدّ من تقديس مقاوماتنا وحمايتها ورعاية مشروعها حتى تطبيق قرارت الشرعية الدولية وتصويب ميزانها في القضايا العادلة.

إن فلسطين كلها تحت الاحتلال، وما قرار دونالد ترامب في نقل سفارة الولايات المتحدة الأميركية من مكان إلى أخر سوى رقص حقير مقتدر بالسيف والخناجر على العواطف العربية! ربّما هو الأخرق «ترامب» ينتظر الآن اتصالاً هاتفياً من نظرائه الأردني عبدلله، أو العثماني أردوغان، الوهابي محمد بن سلمان، أو المصري السيسي ليعود عن قرار نقل السفارة، فنسجّل في سجل الحوكمة العربية الانتصارات بين الشعوب المشغولة بالثوار وبطيخهم على هامش إنجازاتهم المحققة في الربيع العربي! خطوة الإعلان ليست إلا ألعوبة أخرى على طريق تصفية القضية الوطنية القومية.

إن الغضب الشعبي الفلسطيني والعربي بشكل عام والاعتراض على إعلان نقل السفارة وإلغاء «حل الدولتين» المزعوم بمعنى آخر لن يغير شيئاً في المعادلة الصراعية، ففي وجدان الجماهير من ضمن القراءة الجيو-استراتيجيا ستكون مقامرة ومغامرة محسوبة، لأن العالم العربي مشغول في حراكاته القطرية، والنخب غائبة عن لوبيات ضاغطة تستطيع أن توصل إلى نهايات عادلة. أما في القانون الدولي فهو لصالح الفلسطينيين، وتجاوز ترامب وحلفائه في «اسرائيل» في خديعة إعلان «القدس» عاصمة أبدية هو واضح، وإن الوقت لن يضيع الحق ولن يغير واقع القانون الدولي وتراكمات متتالية في الخروق والتجاوزات والضغوط على القضية الفلسطينية. برأيي الذي لن أحيد عنه، إنّ التنصل أيضاً من اتفاقات أوسلو ومتفرعاتها هو بداية الحل، وإعادة الصراع مع كيان الاحتلال إلى نقطة الصفر، وتأكيد أن السلطة الفلسطينية تمثل دولة واحدة لكامل فلسطين على أرضها كاملة. إن أرض فلسطين كلها مقدس واحد في عقيدة الشهيد أنطون سعاده. وكل شيء غير ذلك، كيس مثقوب في أحلام مَن يحملون قضيتها زوراً في النهار وينامون في الليل مع القطط «الإسرائيلية».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى