جُمعة القدس: أين برنارد ليفي؟

روزانا رمّال

منذ اندلاع الثورات العربية والشعوب الثائرة تبحث عن لفت أنظار العالم، لا لأنها أرادت التغيير، بل لأنها أرادت القول إن هناك محركاً قادراً على إحداث فارق يشدّ المسلمين ويضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته فكان يوم «الجمعة».

عمل مهندس ثورات الربيع العربي، الفرنسي «الإسرائيلي» هنري برنارد ليفي الى تنسيق شكل وإطلالة هذه الثورات وكان له في كل ساحة وميدان حضور كمراقب يبث الزخم في روح منظمي الثورات التابعين لأجندته، وهم جميعاً عاملون ضمن غرف مسؤولة عن رسم هوية واحدة لكل الثورات المنشودة. فحضر في ساحات مصر وسورية وليبيا من دون أن يشعر بأي نوع من الإرباك، لأن كل شيء في البداية كان يسير على ما يُرام.. نعم، لقد نجح ليفي في نشر الفوضى وغرقت ليبيا في فوضى ما بعدها فوضى، لكن الأمور تغيّرت كثيراً وتبدّلت عندما وصلت الى سورية، لأنها وصلت الى أرض لا تزال أخيرة على لائحة الموقّعين على السلام مع «إسرائيل». وهذا يعني شيئاً واحداً: أن لا تمر مؤامرات ليفي «الإسرائيلية» المنشأ.

ليست تهمة لليفي أن يكون «إسرائيلياً». فهو يتحدث بكل صراحة الى وسائل الإعلام عن فخره بخدمة إسرائيل وكانت له اجتماعات قبل الثورات في فرنسا و«إسرائيل» والولايات المتحدة بشخصيات «إسرائيلية» صهيوينة طرح عليهم إمكانية إعادة المجد الى أرض الميعاد، اي «إسرائيل» التي تغنت بحدود من النيل الى الفرات، فكانت العراق معقل الإرهاب ومصر ملتقى الفوضى واحدة من أبرز مخططات ليفي القادرة على إحداث أمل كبير لجهة تسليمها الى الجهات الأمنية «الإسرائيلية» بنهاية المطاف. وذلك لن يكون الا عبر تغيير الانظمة لتصبح جميعها خاضعة للنفوذ «الإسرائيلي» من دون أن ينفي اعادة الجيش «الإسرائيلي» للانتشار في الأرض العربية، لان فكر ليفي يتضمن التوسع الذي يعتبر اساساً حقاً لليهود في العالم بالنسبة للعقيدة المتطرفة.

بالعودة الى سورية، أسقطت المؤامرة بالكامل، لأن تمرير مخطط من هذا النوع يعني أن يسقط الشعب السوري بذهنية «العمالة» و«الخنوع». وهذا ليس وارداً عند السوريين بالأغلبية، لكن هذ لا يعني الابتعاد عن الواقع وعدم ذكر أن نسبة تشكل قلة قليلة تحمّست لمشروع التعامل مع «إسرائيل» حتى التطبيع. وهي لا تزال تراهن على خرق «إسرائيلي» يمكنها من معرفة مصيرها في نهاية المطاف وتراهن على المشاريع العنصرية لـ«إسرائيل».

البحث عن برنارد ليفي اليوم مستمر. وفي إعلان القدس عاصمة «إسرائيلية» بالعيون الاميركية. فهذا الرجل يمكن إيجاده في ساحات كثيرة. وهو اليوم الأكثر حضوراً في كواليس الصهيونية المتحمّسة لتكريس القدس عاصمة أبدية.

وقبل أقل من شهر من الآن نشرت صحيفة «لوجورنال دي ديمانش»، مقالاً للمفكر الفرنسي «الإسرائيلي» ليفي، بعنوان: «مَن خان الشعب الكردي؟ اعتبر ليفي في المقال «أن ما حدث في كردستان العراق: «يتميّز بحزن لا نهائي». ورأى أن هذا الشعب الصغير «يجسّد هذا الاستثناء في الشرق المُعقَّد، المنفتح على الكون، والمرحّب بالأقليات والنصير للعلمانية ولمبدأ المُواطَنَة».

يضع ليفي اللوم على الولايات المتحدة، لأنها قارنت كردستان بكاتالونيا فيقول «إن أميركا والعواصم الغربية رفضت الاستفتاء الكردي، وقارنته، بنِيَةٍ سيئة، بقضية كتالونيا: «كما لو أن بغداد هي مدريد!».

صحيح أن بغداد ليست مدريد. وهو محقّ في ذلك، إلا أن القدس ليست عاصمة من عواصم الدول العربية الخانعة والمستعدّة للاستسلام لهذا المصير. نشط ليفي لإعلان القدس «إسرائيلية». وهو اليوم على موعد مع مهمة جديدة تبدو ممتعة بالنسبة اليه، فهو أحد أكثر المقربين للتطرف «الإسرائيلي» الذي عليه مخاطبة جمهوره بعبارات التحمّل والصبر ومواجهة الفلسطينيين أكثر فأكثر. واذا كان اعلان القدس عاصمة لـ«إسرائيل» تعويضاً أميركياً عن فشل تقسيم العراق وإعلان كردستان دولة مستقلة، فإن هذا لا يعني أن يقبل الفلسطينيون أو «جيرانهم» بتقسيم فلسطين، لأن ذلك هو الامر الذي يعمل عليه ليفي مع المتطرفين الذين أسبهوا بشرح ضرورة رفع الجدران بينهم وبين الأراضي الفلسطينية وكان بينهم مَن يعتبر ان مجرد ضمّ القدس يُغنيهم عن باقي الأراضي القابلة للمناقشة.

ليفي ليس وحده، لكنه يعرف أن انتصاراً من نوع إعلان أميركي بـ«إسرائيلية» القدس لا يكفي بدون المثلث الذي كان قد رسمه والذي يعني دولة كردية وتطبيعاً مع سورية وقدس عاصمة لـ«إسرائيل»، وبالتالي أي حلم سيعيش وكيف السبيل الى ذلك؟

ينقص المفكرين الإسرائيليين اليوم الترويج الى كيفية تطبيق ما أمر به الرئيس دونالد ترامب، وجعله واقعاً مكرّساً في أذهان «الإسرائيليين» قبل العالم الخارجي، لأنه سيصعّب على «الإسرائيليين» الاطمئنان الى أن هذه الخطوة هي التي ستحمي وجودهم، لأنه وعلى ما يبدو وبعد أن بدأت شرارات الانتفاضة في فلسطين تطفو ستكون الخطوة التي أخذت أمنهم نحو المجهول، وإذا كان ليفي واحداً من أولئك الذين نظّروا وقدّموا فرضيات تتعلّق باليهودية وجذورها، فأفتى كما يحلو له فإن للمسلمين وابلاً من الفتاوى القادرة على تشريع القتال من أجل القدس.

الحرب الفكرية ستبدأ مع الحرب الميدانية، وعلى «الإسرائيليين» توقّع الكثير لأنها القدس.

وبالعودة الى أيام الجُمعة والتي أفتى فيها ليفي ضرورة جذب أنظار المسلمين والعالم عبرها في سورية وليبيا ومصر.. ها هي الجمعة الوحيدة الحقّة أطلّت… جمعة القدس فقط.. جمعة الحقيقة الوحيدة. الجمعة «الأصلية» فأين ليفي منها؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى