«بلاد النور» لأحمد طيّ… حافز روحيّ مستمدّ من فلسفة النهضة

محمود شريح

على هدي من سفر سعاده النفيس «الصراع الفكري في الأدب السوري» طبعة أولى بوينس آيرس، 1943 ، ينشر الرفيق الصديق أحمد طيّ رواية قصيرة بعنوان «بلاد النور»، وهي على المجمل كناية مطوّلة عن لقاء عشتار وتمّوز وتناميه فزفافهما. من ألِفِ الرواية إلى يائِها رموز مستلهمة من أدب الهلال الخصيب وتراثه، فتكاد الرواية أن تكون سجلّاً فكرياً لأدب الحياة الذي بشّر به مؤسّس النهضة القومية.

في الصراع الفكري دعا سعاده إلى حصول نظرة فلسفية جديدة إلى الحياة والكون والفنّ، ما يفتح آفاقاً جديدة للفكر ومناحي جديدة للشعور. أي أنه هنا نقطة الابتداء لطلب سياسة جديدة وأشكال سياسية جديدة، ولفتح تاريخ أدب وفنّ جديدين. ومنطلق سعاده ها هنا أنّ الأدب والفنّ لا يمكن أن يتغيّرا أو يتجدّدا إلا بنشوء نظرة فلسفية جديدة يتناولان قضاياها الكبرى، أي قضايا الحياة والكون والفن التي تشتمل عليها هذه النظرة.

بداية رواية أحمد طيّ إطلالة عشتار في الثامنة عشرة من عمرها تنظر من شرفتها إلى بساتين التفاح والأجاص والمشمش والخوخ وكروم العنب والتين والزعرور وحتى النخيل، فلا طول يحدّها ولا عرض، فيما يمرّ في وسطها نهرٌ يُعرف بنهر الراعي، إشارة إلى راعٍ هناك ما أن كافأته الآلهة بوهبه عوداً حرّك أوتاره حتىّ اهتزّت الصحراء تحت قدميه كأن زلزالاً خفيفاً ستشهده تلك الصحراء، فرمى العود وقفز مذعوراً ليتفجّر ينبوع مياه عذبة أخذ يجرف الرمال ويصنع له في تلك الصحراء مجرى وضفافاً.

على هذا النحو يمهّد أحمد طيّ لولادة الخصب في بلاد النور، فيحتفل به آنو وأحيقار وأوديشو ومارون وهاني الجبّار، وهم جميعاً من مجلس العشرة. وفجأة وصل إلى تلك السهول والبساتين على صهوة جواد، تمّوز، وتحديداً إلى قصر عمّه آنو، سيّد بلاد النور.

خفق قلب تموّز قوياً في ذلك الصباح لمرأى عشتار خارقة الجمال تخرج من غرفتها حاملة قيثارتها لتعزف أعذب الألحان، وعشتار بدورها كانت مشدوهة بقوام هذا الفارس الأسمر الغريب، وكان لقاء. وفي الليل كان خيال تمّوز يسرح فيرى عشتار في أحلامه.

ثمّ كانت الأحداث الجسام الطارئة وشبكت آلهة الحبّ قلب تمّوز بقلب عشتار، رغم معرفة عشتار تماماً أنها بهذا تخون آنوزو الذي اقترنت به من قبل. لكن تمّوز انشغل بحشد الجيوش، وعاونه المجلس للإطباق على الراهيين الطامعين ببلاد النور وخيراتها. فنصب لهم هاني الجبّار الكمائن المحكمة، وأبدى تمّوز في المعركة بطولة خارقة، فقاتل ببسالة، لكن آنوزو لقي حتفه بضربة سيف من قائد الراهيين فعاجله تموّز بجزّ ذراعيه، وكتب النصر لبلاد النور. ثمّ انطلق على صهوة جواده «رعد» إلى حيث كانت عشتار تنتظره جالسة إلى صخرة تعزف بأناملها على قيثارتها وتنشد.

وانهمرت دمعة لألاءة على خدّها، ثمّ أطلقت تنهيدةً من أعماق صدرها وقالت بصوتٍ مسموعٍ: «إيه تمّوز يا معذّبي، كيف أعترف لك بعشقي الكبير لك؟ كيف؟».

فصهل «رعد» صهلةّ خفيفةّ، ذُعرت عشتار. إلّا أنّها عندما رأت تمّوز، سرعان ما خفق قلبها قوياْ وهرعت إليه، وأيضاً ركض هو نحوها، ليتعانقا ذات ليلةٍ مقمرةٍ عند الشلّال.

تندرج رواية الصديق الرفيق أحمد طيّ تحت خانة أدب الحياة الحاصلة عن نظرة فلسفية جديدة إلى الحياة والكون والفنّ، أي حدوث تغيير في مجرى الحياة ومظاهرها. هذا هو الحافز الروحيّ المستمدّ من فلسفة العقيدة السورية القومية الاجتماعية.

كاتب وباحث

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى