انتفاضة فلسطين تفتتح موسم الطعن… ولبنان من رمزية عوكر إلى حشد الضاحية الجامع باسيل يقرَع الأجراس للوزراء العرب… وعون يضعُ النقاط على الحروف للملوك والرؤساء

كتب المحرّر السياسي

على مرمى يومين من قبل قرع وزير خارجية لبنان جبران باسيل أجراسَ الإنذار لوزراء الخارجية العرب قائلاً لهم، تعالوا ننتفض لعزّتنا ونتجنّب لعنة التاريخ وأسئلة أحفادنا عن تخاذلنا، لأنّ الانتفاضة وحدَها تحفظ ماء وجهنا وتُعيد حقوقنا، فإما أن نتحرّك الآن، وإلا على القدس السلام ولا سلامَ، فخذلوه، فسجّل خذلانهم بتعقيب أنّ القرار دون مستوى التوقعات والحدث. وعلى مرمى يومين من بعد يضع رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون النقاط على الحروف في مؤتمر القمة الإسلامية التي يزيّنها بحضوره المسيحي المشرقي، ليمنح قضية القدس طابعها الحقيقي كقضية عابرة للديانات والجغرافيا والكيانات، حاملاً جدول أعمال لا بلاغة خطابة، وتنميق كلمات، وبيد المجتمعين مقدّرات سياسية ودبلوماسية واقتصادية، إذا جرى تفعيلها، ربطاً بمكانة جغرافية، إذا أحسن توظيفها، وجذور ضاربة في التاريخ، إذا تمّ استلهامها، ليشكّلوا قوة لا يمكن تجاهلها، قادرة على فرض جدول أولوياتها، لذلك القضية هي في الإجابة عن سؤال يحمله عون للمؤتمرين: «هل القدس أولويتكم، أم أنّ لكلّ من الحضور أولويات أخرى، تفرض عليه الانسحاب من جبهة القدس بحثاً عن نقاط الحدّ الأدنى لرفع العتب؟ وعندها يصير السؤال لمن يتشاركون الرؤية بأنّ القدس أولوية، هل أنتم مستعدّون لتشكيل جبهة للقدس تصدقون القول والفعل لأجلها؟

مصادر متابعة للقمة الإسلامية والتحضيرات لأعمالها، قالت لـ «البناء» إنّ مشاورات تجري بين عدد من الدول المشاركة لتبنّي التقدّم بمشروع لقرار يعرض على مجلس الأمن الدولي يعتبر كلّ قرار باعتماد القدس عاصمة لـ«إسرائيل» باطلاً قانوناً، وبلا قيمة، وكأنه لم يكن، وتجريم كلّ دولة تُقدم على نقل سفارتها إلى القدس بمخالفتها للقانون الدولي، وبعد الفيتو الأميركي المتوقع، التوجّه للجمعية العامة للأمم المتحدة بالنص نفسه خلال أربع وعشرين ساعة تحت بند القرار 377، الذي ينصّ وفقاً لميثاق الأمم المتحدة على ما يلي «يجوز للجمعية العامة، عملاً بقرارها المعنون «متحدّون من أجل السلام» المؤرخ 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 1950 القرار 377 د 5 أن تعقد «دورة استثنائية طارئة» خلال 24 ساعة، إذا بدا أنّ هناك تهديداً للسلام أو خرقاً للسلام أو أنّ هناك عملاً من أعمال العدوان، ولم يتمكّن مجلس الأمن من التصرف بسبب تصويت سلبي من جانب عضو دائم، حيث يمكنها أن تنظر في المسألة على الفور من أجل إصدار توصيات إلى الأعضاء باتخاذ تدابير جماعية لصون أو إعادة السلام والأمن الدوليين».

بعيداً عما سيقّرره الحكام، وعن أروقة الدبلوماسية، يمضي الشعب الفلسطيني بتصعيد الانتفاضة وتوسيع نطاق المواجهات مع قوات الاحتلال في القدس ومدن الضفة الغربية وحدود قطاع غزة، وقد شهد يوم أمس افتتاحاً لموسم الطعن لعناصر الأمن «الإسرائيلي»، حيث أصيب حارس أمن «إسرائيلي» في عملية طعن غرب القدس، فيما اعتقلت قوات الاحتلال منفذ الهجوم وذكر موقع صحيفة «يديعوت أحرنوت» أنّ عنصر الأمن «الإسرائيلي» أصيب جراء العملية بجروح خطيرة في الأجزاء العلوية من جسده، مضيفة أنّ الطعن حدث قرب محطة الباصات المركزية في شارع يافا في القدس الغربية.

المواجهة الفلسطينية الآخذة في التصاعد، وما فرضته من إيقاع سياسي فلسطيني، أدّى لرفض الرئيس الفلسطيني محمود عباس لقاء نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، حضرت في الصحافة «الإسرائيلية» كمصدر قلق لحكومة بنيامين نتنياهو وخشيتها من خروج الأمور عن السيطرة، واضعة زيارة نتنياهو لباريس في إطار السعي لإغراء فرنسا برعاية المسار التفاوضي لاحقاً مقابل دورها في التهدئة حالياً، عبر توظيف موقفها الرافض للقرار الأميركي في الضغط على الفلسطينيين لوقف مساري الانتفاضة والمقاومة.

على مستوى التحرّكات خارج فلسطين، كما في الأروقة الدبلوماسية والنشاط البرلماني بقي لبنان في الصدارة، حيث شهد محيط السفارة الأميركية في عوكر أكثر من تظاهرة متتابعة لإيصال صوت الغضب الشعبي إلى الواقفين خلف جدران السفارة، لم يخلُ مشهده من بعض العنف المتوقّع في مثل هذه الحالات، وبعضه المبالغ له، وبعض التنديد الذي حاول جعل الصورة عكس مقاصدها وتسليط الضوء على هذا البعد الثانوي من الصورة، لتتجه الأنظار نحو التظاهرة الحاشدة التي ستشهدها الضاحية الجنوبية بدعوة من حزب الله والتي ستشارك فيها الأحزاب الوطنية كلّها بحشود شعبية، وحضور سياسي، تظهر حضوراً وطنياً جامعاً حول فلسطين والقدس، ويتحدّث خلالها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بكلمة متلفزة ينتظر أن تتضمّن مواقف وخطوات تتصل بالمواجهة الشعبية والسياسية للقرار الأميركي ورؤية المقاومة لمستقبل المواجهة على مستوى المنطقة وحول فلسطين وفيها.

لبنان ينتفض لفلسطين…

لا تزال القدس تشكّل العنوان الأوحد ومحور الأحداث على الساحة المحلية في ظل انعدام الحركة السياسية والحكومية المجمّدة على أن تعود إلى طبيعتها منتصف الأسبوع الحالي مع جلسة مرتقبة لمجلس الوزراء الخميس المقبل. وقد كان لبنان نجم التحرك على المستويين الرسمي والشعبي والسبّاق في الدفاع عن القدس، وأثبت أنه «البلد الشريك الأول لفلسطين في القضية، وأنه الصادق الوحيد الى جانب محور المقاومة في مواجهة ومقاومة العدو «الإسرائيلي» وأدواته الإرهابية في المنطقة».

فبعد الجلسة النيابية الصارخة التي شهدتها ساحة النجمة والتي وحّدت الموقف الداخلي رفضاً لقرار الرئيس الأميركي الاعترف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني الغاصب، ودعوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري اتحاد البرلمانيين العرب للانعقاد الأربعاء المقبل في المغرب، انتفض الشارع اللبناني بأحزابه ومنظمّاته الشبابية وقواه وفصائله الفلسطينية أمس. بينما شكّلت كلمة وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل في مؤتمر وزراء الخارجية العرب ثورة مدوّية على العرب أدهشت الحاضرين وتردّد صداها في العواصم والشوارع والساحات العربية.

وتحت شعار «شدّوا الرحال الى فلسطين»، نفّذ المتظاهرون تظاهرة حاشدة أمام مبنى السفارة الأميركية في عوكر يتقدّمهم شباب الطلبة الجامعيين في الحزب السوري القومي الاجتماعي الى جانب حركة الناصريين المستقلين – المرابطون والأحزاب والقوى والمنظمات الشبابية اليسارية والفصائل الفلسطينية، حيث تحوّل محيط السفارة الى ثكنة عسكرية. وأدان المتظاهرون خلال كلمات لعددٍ من رؤساء الأحزاب المشاركة، القرار الأميركي مطالبين الحكومة اللبنانية والدول العربية بوقف برامج التعاون مع أميركا وطرد سفرائها.

وتخلل الاعتصام أعمال شغب من بعض المشاركين أدّت إلى اشتباكات مع القوى الأمنية ووقوع 19 عنصراً من قوى الأمن الداخلي بجروح مختلفة، بحسب بيان المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، التي أكّدت «توقيف 10 أشخاص يشتبه في قيامهم بأعمال شغب، بينهم 4 مواطنين لبنانيين و 6 من الجنسية الفلسطينية».

نصر الله يطل اليوم في نهاية تظاهرة الضاحية

وفي غضون ذلك، يبدو أن دائرة التحرّك الداخلي آخذة في التوسّع، فالضاحية الجنوبية اليوم على موعدٍ مع تضاهرة حاشدة دعا اليها حزب الله ستكون التظاهرة الأضخم التي شهدتها الضاحية الجنوبية، بحسب ما توقعت مصادر مطلعة، على أن تختتم بكلمة للأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله سيشكل ملفّ القدس وفلسطين العنوان الأبرز فيها.

وقالت مصادر مطلعة لـ «البناء» إن «المشاركة في التظاهرة غير محصورة بجمهور معين، بل مفتوحة لكل اللبنانيين والفلسطينيين ولكافة الأحزاب اللبنانية والفصائل الفلسطينية». وأشارت الى أن «الإجراءات التي دعا اليها السيد نصر الله في إطلالته الأخيرة هي المستوى الأدنى في استراتيجية التحرك التي وضعتها قيادة المقاومة، والتي سيكشف عن تفاصيلها المتدرجة السيد نصر الله في إطلالات متلاحقة مواكبة للمستجدّات في فلسطين والعالم».

وإذ رفضت الغوص في تفاصيل استراتيجية التحرّك والمدى التي قد تصل إليه، أوضحت المصادر أن «الخطة طي الكتمان وفي عهدة سيّد المقاومة. وهي متدرجة وتصعيدية وستكون مؤلمة للعدو «الإسرائيلي» وراعيه الأميركي حتى يحقق عنصر المفاجأة هدفه، لكنها لفتت الى أن «قرار ترامب لا يمكن السكوت عنه أو التراجع عن مواجهته. وهو فجّر بركاناً لن يخمد قبل سنوات حتى التراجع عنه».

وشدّد عضو المجلس المركزي في حزب الله الشيخ نبيل قاووق على أن «ردّ المقاومة على قرار ترامب يكون بتعزيز قدراتها عسكرياً وبتعزيز مشروعها على مستوى المنطقة، وإن الردّ المجدي على القرار الأميركي، إنما يكون بتأجيج روح المقاومة على امتداد المنطقة».

بيان دون المستوى والخارجية تتحفّظ

المواجهة اللبنانية لم تقتصر على الصعيدين البرلماني والشعبي، بل خاضت الخارجية اللبنانية معركة دبلوماسية ضد بيان مجلس وزراء الخارجية العرب الذي لم يرقَ إلى مستوى خطورة المرحلة.

فقد أعلنت وزارة الخارجية في بيان، «أن لبنان سجل اعتراضه على عدم ملاقاة بنود القرار لمستوى خطورة القضية، بما يعكس التزام لبنان عدم عرقلة إصدار القرار، مع مطالبته بالمزيد من الإجراءات على النحو الذي يرقى الى مستوى الانتهاك غير المسبوق للمدينة المقدّسة بمضامينها كافة، وبما ينسجم والكلمة التي ألقاها وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل في مقرّ الجامعة العربية» .

وقد علّق رئيس « اللقاء الديمقراطي » النائب وليد جنبلاط على بيان وزراء الخارجية العرب بالقول: «الرئيس الأميركي دونالد ترامب ذكّر العرب أن القدس محتلة منذ 50 عاماً وأسقط بذلك كل الأقنعة من أنظمة وحكام وسلطات وهمية تحت الاحتلال». وفي تصريح له عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أشار جنبلاط إلى أن «ما الإدانة الا ظواهر صوتية فارغة وتافهة وحدنا في لبنان ، وبالرغم من الانقسام نملك المصداقية التاريخية في المقاومة، وكل التحية لشعب فلسطين».

وقد نشر رئيس الحكومة سعد الحريري ، على مواقع التواصل الاجتماعي، صورة إضاءة صخرة الروشة بالعلم الفلسطيني وشدّد في تعليق مرافق، على أنّه «ستبقى القدس عاصمة فلسطين، وستبقى بيروت إلى جانب الحق وأصحاب القضية والأرض».

كلمة باسيل مضبطة اتهام للعرب

وشكّلت كلمة الوزير باسيل في الاجتماع غير العادي الذي عقده مجلس وزراء الخارجية العرب في القاهرة للبحث في مسألة القدس، إدانة وجردة حساب ومضبطة اتهام للحكام والحكومات العرب، حيث دعا باسيل إلى «المصالحة العربية – العربية سبيلاً وحيداً لخلاص هذه الأمة ولاستعادة ذاتها»، وإلى «قمة عربية طارئة عنوانها القدس، لاستعادتها الى حضنها العربي لأنه من دونها لا عرب ولا عروبة»، وقال: «الويل لنا إذا خرجنا اليوم بتخاذل، إما الثورة وإما الموت لأمة نائمة».

وسأل: «هل يمكن للمصيبة أن تجمَعنا؟ أن تصفعنا لنفيق من سباتنا؟ فالقدس أم وأخت، شرفنا من شرفها، وهي تنادي وتستنجد بنا. فهل نخذلها؟ أم نستنهض هممنا لنصرتها؟ فالتاريخ لن يرحمنا، وأولادنا في المستقبل لن يشعروا بالفخر مما فعلنا، والمرآة حين ننظر اليها سوف تنظر الينا باستحقار. الويل لنا إذا خرجنا اليوم بتخاذل، فإما الثورة وإما الموت لأمة نائمة».

ووضع باسيل للعرب خريطة طريق للمواجهة، ودعاهم إلى تكريس القدس عاصمة للدولة الفلسطينية، كاشفاً أنه سيتقدّم لمجلس وزراء لبنان في أول جلسة له، بطلب لاتخاذ كل الإجراءات الثنائية والدولية اللازمة لذلك. كما اقترح باسيل مجموعة من الإجراءات الديبلوماسية والتدابير السياسية ووصولاً الى العقوبات الاقتصادية والمالية ضد «إسرائيل» والولايات المتحدة، كما دعا الى «انتفاضة شعبية واحدة في كل بلداننا العربية لا تتوقف هذه الانتفاضة إلا بتطبيق كافة مندرجات المبادرة العربية للسلام من دون أي انتقائية».

تضخيم زيارة الخزعلي…

على صعيد آخر، أثارت جولة الأمين العام لحركة «عصائب أهل الحق» العراقية التابعة للحشد الشعبي العراقي قيس الخزعلي على الحدود مع فلسطين المحتلة، جملة من ردود الأفعال الرافضة، معتبرة أن ذلك يشكّل خرقاً للنأي بالنفس. لا سيما من «القوات اللبنانية» والنائب وليد جنبلاط.

وأصدر المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء سعد الحريري بياناً قال فيه: «الفيديو الذي تمّ تصويره قبل 6 أيام، يشكّل مخالفة موصوفة للقوانين اللبنانية، استدعت قيام رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري باتصالات مع القيادات العسكرية والأمنية المعنية لإجراء التحقيقات اللازمة واتخاذ الإجراءات التي تحول دون قيام أي جهة أو شخص بأية أنشطة ذات طابع عسكري على الأراضي اللبنانية، ودون حصول أعمال غير شرعية على صورة ما جاء في الفيديو، ومنع الشخص المذكور من دخول لبنان».

غير أن مصدراً معنياً أبدى استغرابه لهذه المواقف كما استغرب تضخيم الزيارة التي ليست إلا تعبيراً إعلامياً متصلاً بالصراع مع «إسرائيل» ولا علاقة لها بالحسابات الداخلية وللنأي بالنفس، مذكّراً بأن «البيان الذي صدر عن الحكومة اللبنانية بالإجماع في جلستها الأخيرة والذي يتضمن النأي بالنفس لم يتطرّق الى النأي مع الكيان الصهيوني ولا إلى الصراع العربي «الإسرائيلي» ولا إلى حق لبنان ومقاومته في الدفاع عن أرضه ضد أي عدوان وفي تحرير ما تبقى من أرض لبنانية محتلة». ونفى المصدر «أيّ علاقة لجولة الخزعلي بمؤتمر باريس، كما روّجت بعض القنوات المحلية».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى